في الإعلام العربي والأوروبي

القطيف - بشير البحراني: شاركت الكاتبة والأديبة السعودية زينب حفني في المنتدى الأول للحوار العربي الأوروبي الذي ُعقد في باريس 26-27 إبريل 2006م، بورقة عن صورة الآخر في الإعلام العربي والأوروبي)، متحدثة عن مساهمة الإعلام العربي في ترسيخ ثقافة العنف، ودور علماء التطرف المتواجدين في الدول الغربية في إثارة نزعة الكراهية العرقية. وأشارت إلى أن العرب والمسلمين الذين هجروا أوطانهم، وصار بعضهم مواطنين شرعيين، يُساء فهمهم حتى من قبل الغربيين العاديين.
وفي معرض حديثها عن حادثة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الإسلام (ص) تؤكد حفني أن هناك فرقا شديدا بين السماح بالنقد وحتّى الإهانة المتبادلة، وبين العنصرية المكشوفة. كما تؤكد أنه لا صحة لمقولة الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.وفيما يلينص الورقة:

((وقفتُ حائرة أمام موظف الجوازات في مطار هيثرو بلندن، حين سألني سؤالا تعجيزيّاً.. اذكري لي تواريخ قدومك إلى لندن في الآونة الأخيرة. سألته بنبرة ضاحكة إن كان يتذكّر ماذا تناول بالأمس على طعام الغداء!! أجابني بحدة تحمل نبرة تهديد.. إذا لم تُجاوبي على سؤالي، سأضطر إلى إرجاعك على أول طائرة إلى بلدك. دمعت عيناي قهرا، وشممتُ رائحة العنصرية العفنة تفوح من بين كلماته، وحضرت صورة ابنتي في فكري، التي تركتها في لندن تدرس في إحدى جامعاتها، وماذا سأفعل لو لم يختم على جوازي بالمرور!! أفهمته أنني كثيرة الحضور لمتابعة شئون ابنتي، مما يجعلني بالفعل أقف عاجزة عن تحديد تواريخ قدومي إليها.في النهاية ختم على جوازي منبها إياي بوجوب حفظ تواريخ دخولي لبريطانيا.
تساءلت وأنا استقل التاكسي بحقائبي، إن كان ما حدث لي، كان من الممكن أن يحدث قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي قلبت الكثير من الموازين، وجعلت الجميع يقف متوجسا من هويتنا العربية والمسلمة!!
اعترف صراحة بأن إعلامنا بقنواته المتباينة، ساهم في ترسيخ ثقافة العنف في مجتمعاتنا العربية، من خلال إفساح المجال لفئات متطرفة في مواقفها، من علماء دين وكتّاب ومفكرين وإعلاميين، في نشر معتقداتهم الخاطئة، بل إن بعضا من مناهجنا التعليمية، تحثُّ هي الأخرى على رفض الآخر، وتُشجّع فتاوي التكفير، حتّى طال التهديد بالقتل عددا من المثقفين العرب والمسلمين المعروفين بمواقفهم المعتدلة. كما ساهم وجود عدد من الدعاة المتطرفين المقيمين في أوروبا، واذكر على سبيل المثال أبو حمزة المصري، الذي كان يعمل خطيبا في إحدى مساجد لندن، واستغلّ موقعه لإثارة نزعة الكراهية العرقية، والتحريض على القتل، بين صفوف الجاليات المسلمة هناك.
وهنا أود الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن العرب والمسلمين الذين هجروا أوطانهم، وأصبحوا مواطنين شرعيين وجزءا من النسيج الاجتماعي للبلدان الغربية التي استوطنوها، يُساء للأسف فهمهم من قبل الغربيين العاديين أنفسهم، حيثُ يجهلون بأن الأغلبية الكاسحة من العرب والمسلمين، هم أناس لم يأتوا حاملين قنابل في جيوبهم، أو أحقاد في قلوبهم، بل جاءوا ليبنوا حياة ناجحة لهم ولأسرهم، حياة قائمة على كفاح شريف لا مكان فيه للتطرف والعنف، وأن العنف الحقيقي ذلك الذي أتى لبلادهم على شكل غزوات وحروب متعاقبة لأراضيهم.
رغم هذه الصور القاتمة، هل نتحمل وحدنا تعميم هذه النظرة السلبية، أم أن الغرب يتحمّل هو الآخر جزءا كبيرا من ترسيخ هذا المفهوم الخاطيء تجاه كل ما هو عربي ومسلم؟!
في مقدمة كتاب quot;كيف يشوه الإعلام الغربي صورة الإسلامquot;، يقول الكاتب جو كينشلو ، معلقا على ردود الأفعال المصاحبة لأحداث الحادي عشر من سبتمبرquot;.. من خلال تفاعل متسم بالاحترام مع أولئك الذين يختلفون عنّا، يمكننا بلوغ حالات جديدة من الوعي.. لا يمكن لأمة ما بلوغ مرحلة من النضج إلا عندما تكتسب هذه النظرة لذاتها..quot;.
كما يرى هارون خارم تحت الفصل المعنون ب quot;الإنكار الأوروبي الكبيرquot; بأن الإسلام منذ حوالي ألف عام تقريبا، ساهم في بناء الحضارة الغربية، حيث أحاط الحكام المسلمين أنفسهم بالعلماء والفنانين، وسمحت بأجواء من الحرية لليهود والمسيحيين جنبا إلى جنب مع المسلمين. متابعا بأن هذا الجانب تم إسقاطه في الثقافة الغربية من خلال الترويج لثقافة خاطئة تجاه المسلمين، من رفض الاعتراف بمساهمة الحضارة الإسلامية في بناء الحضارة الغربية، وهو ما أكده أيضا الباحث الأكاديمي إبراهيم أبو خطوة في الفصل المعنون ب quot;الغول الجديد تحت السريرquot; حيثّ يرى بأن صورة الإسلام في الإعلام والمنهاج الدراسي الغربيين، تروّج بأن الإسلام حل محل الشيوعية كعدو جديد، وتحث على التحامل على المجتمعات المسلمة، وممارسة التمييز العنصري بحقها، وتُشجّع نظرية صراع الحضارات. ملقيا الضوء على دور محطات التلفزة التي حلّت محل الحاضنات، وكيف رسّخت صورة العرب والمسلمين بشكل خاطيء، وأن لا عجب إذا كبرت الأجيال الجديدة وهم محددين خصائص المسلمين بأنهم قوم همجيون متخلفون.
بعد حادثة الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول، والمظاهرات التي اجتاحت الشوارع احتجاجا، عبّر رئيس لجنة المساواة العرقية السير quot;تريفور فليبسquot; في بريطانيا عن موقفه تجاه أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد في حديث متلفز بالقول quot; علينا السماح للناس بإهانة بعضهم بعضاquot;.
لا أنكر اندهاشي من موقفه، لأن هناك فرقاً شديداً بين السماح بالنقد وحتّى الإهانة المتبادلة, وبين العنصرية المكشوفة, كما هي في حال الرسوم الكاريكاتورية. وقد تذكرتُ لحظتها النضال الطويل الذي قطعه الأفارقة السود، في سبيل القضاء على كافة أنواع التمييز العنصري ضدهم، وكان همهم الأكبر الدفاع عن حقهم في حياة كريمة، وما زال الكثيرون منهم إلى اليوم يُعلنون صراحة بأن العنصرية العرقية ما زالت تطل برأسها بين حين وآخر عليهم، وقد سمعتُ الكثير من الحكايات على ألسنة بعضهم.
إن أغلبيتنا من عرب ومسلمين نرفض العنف بكافة أشكاله، لكن لماذا يجب علينا أن نتقبّل إهانة نبينا، وأن نسكت على ما يخدش كرامتنا!! أليس ما جرى يُعبّر صراحة عن وجه من وجوه العنصرية المقيتة التي يحرص الغرب دوما على تلجيمها!!
لا أؤمن بمقولة الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا، من وجهة نظري لم يعد لديها قاعدة راسخة في عصر العولمة الذي أذاب الفوارق الثقافية والاقتصادية بل والاجتماعية أيضا. وهنا يحضرني مقالُ كتبه الصحافي quot;روبرت فيسكquot; في صحيفة الإندبندنت البريطانية، في تعليقه حول ما تردده وسائل الإعلام الأوروبية بأن ما جرى مؤشر على صدام الحضارات، نافيا هذا التبرير الغير منطقي من وجهة نظره، مفضلا تسمية ما وقع بصبيانية الحضارات، موضحا بأن عددا كبيرا من الأوروبيين أصبحوا ينظرون لأنبيائهم على أنهم جزء من العهود التاريخية السحيقة، في الوقت الذي ما زال المسلمون متمسكون بعقيدتهم المحمدية، وهنا تبرز نقطة الخلاف.
لنكن منصفين ونقول بأن هناك صحافيين وكتّاب وإعلاميين غربيين ساهموا في دحض النظرة الخاطئة تجاه العرب والمسلمين، وأعود ثانية لكتاب quot;كيف يشوه الإعلام الغربي صورة الإسلامquot; واستشهد بالإعلامية شيرلي شتاينبرغquot; الأمريكية اليهودية، في الفصل المعنون ب quot;مناهج هوليوود حول العرب والمسلمينquot; حيث تقول quot; في الفترة التي سبقت انقضاض الطائرة الأولى على قلب منهاتن ذاك الثلاثاء من سبتمبر، كان يتم إنجاز المناهج الثقافية الأمريكية والتصديق عليها. لهذا السبب، كان من السهل كره العرب والمسلمين. ومن الطبيعي أن نكون قادرين على كره الإرهابيين، لكن ماكفاي كان إرهابيّا، وكان حقدنا وغضبنا محدودا بشخصه، لا بخلفيته الثقافية كلها، بدينه، بدولته، أو بمجتمعهquot;. وفي موضع آخر تقول quot;كوني يهودية، جعلني مشوشة حيال من يحق له الاحتفاظ بالقدس، وجبل الهيكل، وبإسرائيل. ولكنّي أعلم أن بحثي هذا مكنني من إعادة النظر في كيفية قيام الإعلام بصفة خاصة بالتأثير على شعوري ووعيي.. أصرُّ على رأيي بأن الثقافة الشعبية هي في الواقع منهاج صريح ومؤثر يُغذي حاجتنا لاستهلاك التسلية. وهذه الحمية اليهودية غير بريئة، هي قائمة على الهواجس، والأفكار المشوشة، والخوف، والأهم من ذلك على ما يمكن بيعه!!quot;.
بلا شك لدينا في الإطار العربي والإسلامي، خلل فكري، وتشويه عقائدي، وأخطاء جسيمة في مناهجنا التعليمية، وداخل مؤسساتنا التربوية، مما يستوجب تصحيح الكثير من مفاهيمنا الموروثة العالقة في حبال التخلّف. هذه المسئولية تقع على عاتق العلماء والمفكرين والمتخصصين، لوضع نهج جديد يخدم الأجيال القادمة، يخرجون به أمة الإسلام من هذه الدائرة الضيقة التي باتت تدور بداخلها، نهج يُنادي باحترام عقائد الآخرين وتقبّل فكرة التعايش مع الآخر، بصرف النظر عن عقيدته، أو توجهه، ونشر روح التسامح التي قامت عليها الحضارة الإسلامية، حين كان أجدادنا ينظرون بتقدير واحترام لكافة الأديان والمذاهب من منطلق (لكم دينكم ولي دين).
أتذكّر حادثة طريفة وقعت لي في لندن، كنتُ قد التقيتُ صدفة بامرأة من منغوليا، قالت لي بفخر: بالتأكيد تعرفين من هو القائد جنكيز خان!! لقد أتى هذا الرجل إلى بلادكم لهدف نبيل، وهو وضع حد للقلاقل والإضطرابات التي كانت تعصف بأرض العرب. حاولتُ إفهامها أن سمعة هذا الرجل سيئة في تاريخنا، وأنه دمّر الكثير من إرثنا الفكري الإسلامي، لكنها رفضت التسليم بهذا الرأي، وانتهى الأمر بأن أدارت كل منا ظهرها للأخرى في امتعاض.
خرجت من هذه التجربة القصيرة بأن التاريخ في كل بلاد الدنيا يكتبه مؤرخون متعصبون لبلادهم، وهو ما يدعوني اليوم للمطالبة بإعادة الاعتبار لحضارتنا الإسلامية في المناهج الغربية، فالغرب أيضا مُطالب بتغيير مناهجه التي تُصوّر العربي على انه متخلّف، رجعي. وأن تُساهم النخبة الغربية المعتدلة من خلال الإعلام الغربي بقنواته المتباينة، في إعادة تصحيح المفاهيم الخاطئة تجاه العرب والمسلمين، حتّى تتحقق المعادلة المطلوبة في إقامة علاقة ودية تقوم على الشراكة الإنسانية، لا على الفوقية والدونية، شركة تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة خلق عالم بات يفتقد إلى لحظات سلام وأمن حقيقيين)).