سلوى اللوباني من القاهرة: هل يعاني توفيق الحكيم أو عباس محمود العقاد من الازدواج الثقافي؟ هل بالفعل وقع جيل الرواد من المثقفين في احبولة المخطط الاستعماري الثقافي الذي نجح في قطع الصلة تماماً بين هؤلاء المثقفين وبين تراث أمتهم، وبحيث وجدت في مصر وفي آن واحد فئتان مختلفتان لا صلة بينهما، يتحدثان بلغتين ذات مفردات ومصطلحات متباينة لا جسور بينهما، فهناك مقولة تتردد في دوائر المثقفين المصريين وهي أن الطريقة أو الظروف التي تكونت بها فئة المثقفين المحدثين في مصر، قد أورثتها الكثير من الامراض التي قد يكون أخطرها على الاطلاق مرض الانسحاق أمام الثقافة الغربية واحتقار الثقافة القومية والعربية، باعتبارها مسؤولة عن تخلف الوطن العربي، وقد برز ذلك المرض بشكل واضح في جيل المثقفين الذي بلغ مرحلة الرشد الثقافي بعد الاحتلال البريطاني لمصر، أي جيل أحمد لطفي السيد وسعد زغلول وغيرهم، والجيل الذي تلاه وتأثر به وهو جيل طه حسين ود. محمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم ويحيى حقي وغيرهم.
حوارات
حاول التحقق من هذه المقولة أو وجهة النظر الكاتب والناقد الراحل quot;ابراهيم منصورquot; منذ أكثر من عقدين من الزمان، فقد لاحظ أن قضية الازدواج الثقافي في تكوين القيادات الفكرية والسياسية والادبية عكست ظاهرة اللاتواصل بين القائد الوطني سواء كان سياسياً أو مفكراً أو أديباً من ناحية وبينه وبين الجماهير من ناحية أخرى، فأجرى مجموعة من الحوارات مع 11 كاتباً وهم نجيب محفوظ، يوسف ادريس، د. غالي شكري، د. فؤاد زكريا، احمد فؤاد نجم، السيد ياسين، عبد الحكيم قاسم، عبد الحميد حواس، محمد سيد أحمد، أمل دنقل، وجميل عطية ابراهيم، جمعت في كتاب صدر حديثاً عن دار ميريت بعنوان quot;الازدواج الثقافي وأزمة المعارضة المصريةquot;، فبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان على اجراء هذه الحوارات، ما تزال هذه القضية حاضرة وما تزال مطروحة أيضاً، حوارات ارتفعت فيها السخونة أحياناً كثيرة، فيحتد ابراهيم منصور على من يسأله، باعتبار أنه ليس فقط صاحب الاسئلة بل له وجهة نظر أو فرضية يحاول اختبارها ميدانياً، لذلك فهو يناقش الجواب مناقشة تحتد في بعض الاحيان، وصاحب الجواب يتحول أحياناً الى صاحب سؤال لمحاوره، في محاولة للوصول الى تحليل تلك الظاهرة التي تعد ظاهرة عربية وليست مصرية فقط، ولكن ما يثير التساؤل هو وجود اسم الاديب quot;نجيب محفوظquot; في هذه الحوارات، وهو ليس معارضاً للنظام القائم في مصر الان، لذلك تجد صاحب الحوار يتناوله كجزء من ظاهرة أدبية أعم كانت معارضة في الماضي الناصري القريب، ولا زالت تعارض في عملها الادبي مظاهر وظواهر مجتمع الانفتاح، واعتمد الكاتب في اختيار المتحاورين على اختيار أنماط فكرية أو فنية ونماذج تغني بأجوبتها عن التكرار، ليوضح بعض حقائق الارض الثقافية التي تقف عليها أزمة المعارضة المصرية، تنوعت الاجابات وتشعبت بناء على الاسئلة الكثيرة التي وجهها المحاور لهم حول هذه الفرضية أو وجهة النظر، فأتى بعضها متحفظاً بالاقرار بصحة هذه المقولة، والبعض وجه اتهامات مباشرة لبعض الادباء، ومنهم من أدلى باجابات محايدة، لذلك اخترنا تقديم بعض الاجابات لبعض المتحاورين.
الاديب نجيب محفوظ
من الاسئلة التي وجهها المحاور لنجيب محفوظ سؤال quot;من أنت؟ وما هي مكوناتك الفكرية؟quot;، يرى محفوظ أن الاجابة تأتي بالعمل وليس بالكلام، فيقول quot;لو أنني بدأت بتوجيه السؤال الى نفسي ودخلت في دوامة الافتراضات فإنني بذلك أكون قد أضعت وقتيquot;، ويؤكد محفوظ بأنه سيعرف نفسه بالتجربة وعند مواجهة المشكلة، أي عندما يدرس الجديد والقديم معاً وعلى قدم المساواة، ويكتسب العديد من الخبرات سواء كان تراثاً أم لا، عندئذ سوف يعرف من يكون، وبعبارة اخرى قال quot;لا مبرر أن أحدد من أكون منذ البداية لان ذلك هو ما سوف اكتشفه في النهاية، ولا استطيع أن أجيب عليه الانquot;، وأشار الى أن المثقفون بطبيعة الحال هم الجديرون بالتساؤل ولكنهم غرقوا طوال 150 عاماً في نقاش لا أول له ولا آخر، حول من يكونون، بينما لو أنهم استثمروا هذا الوقت بالعمل لعرفوا من هم، وذلك بشرط أن يتحلوا بالاستقلالية لانه بدون ذلك quot;لن تكون نفسك ابداًquot;، وفي حديثه عن سيطرة الفكر الغربي يقول ليس هناك ما يخيف في أن تعرض على المتعلم ما شئت من القيم اذا ربيت عقله تربية استقلالية، لأنه سيكون قادراً على التمييز بين القيم الطيبة والسيئة، وما يناسبه وما لا يناسبه، وقدم مثالاً على ذلك المواطن الانجليزي الذي يدرس الثقافة الفرنسية، ومع ذلك لا يفقد شخصيته القومية، لانه يفكر.
المفكر السيد ياسين
اعتبر السيد ياسين (مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الاهرام)، أن مسألة التواصل الثقافي هي قضية خطيرة، فلم يتم مناقشتها حتى الان بطريقة نقدية في الوطن العربي، وأكد أن الانبهار بالحضارة الاوروبية أدى الى انفصال المثقفين العرب عن تراثهم العربي والاسلامي، وقدم مثالاً د. زكي نجيب محمود، الذي مارس تدريس الفلسفة في الجامعة لسنوات طويلة، ولم يكتشف التراث العربي الاسلامي الا بعد أن تعدى الستين، حينما ذهب الى الكويت كي يدرس في جامعتها، فأدرك أنه ضيع حياته في نقل وترجمة الفكر الغربي، دون أن يدرك عظمة وثراء التراث العربي والاسلامي، وعاد وهو في سنه المتقدمة ليدرس التراث العربي والاسلامي وكتب كتابه المعروف quot;تجديد الفكر العربيquot;، محاولاً أن يقدم نظرة عصرية لهذا التراث، كما وضح أنه يجب عدم التعرض مباشرة لمشكلة الاصالة والمعاصرة، بل علينا عندما ننقد أو نرفض شيئاً أن نكون على معرفة بمصادره، أي مصادر فكر الآخر.
القاص يوسف إدريس
يرى أن موقفه من الحضارة الغربية هو موقف المستفيد وليس المنبهر، ومن آرائه أنه ليس هناك ثقافتان وانما هناك طبقتان شعب وحكام، وهو ليس مع أو ضد هذا الانقسام او الازدواج الثقافي لأنه لا بد من وجود ثقافتين ولا بد من أن يكون هناك حكام طالما كان هناك محكومون مغلوبون على أمرهم...quot;لم يكن للطبقة الحاكمة المصرية على الاطلاق ثقافة بالمعنى المتعارف عليه، ولكن الشعب كان له دائماً ثقافة مستمرة ومتكاملة وهي ثقافة المقاومينquot;، وأضاف بأن هذا الازدواج موجود في كل الثقافات ولكنه ليس بحدة وجوده في الثقافة المصرية، مستشهداً بالثورة الشعبية التي قامت في فرنسا، فهي أزالت الفواصل بين دائرتي الحاكمين والمحكومين، وحكم الشعب بشعاراته الحرية الاخاء المساواة، وخلص الى أن الانسان يجب أن يكون صادقاً مع نفسه قبل أن يكون شعبياً أو غير شعبي، وأن يكون صادقاً مع قومه ومع الانسانية جمعاء.
الشاعر أمل دنقل
يرى بأن هذا الازدواج يعود الى فترات الاحتلال المتوالية في مصر، وأن جيل الرواد لم يكن أمامه سوى أن يتبنى الثقافة الاوروبة تبنياً كاملاً، وأن يقطع ما بينه وبين التراث، واعتبر أن المشكلة كانت ليست مشكلة اختيار إنما تطوير، لأن جيل الرواد نشأ في ظل الكفاح ضد الانجليز وضد السيطرة الاجنبية على الامة، وفي النضال من أجل اقتصاد قومي واقامة أدب عربي وفق النموذج الاوروبي، ولكن ظهرت المشكلة في مرحلة الاستقلال التي أتت بعد ذلك، أي أن الرواد لم يحاولوا بناء أساس استمرار حقيقي بل ركزوا جهودهم في تحقيق استمرارهم الوقتي في الصحف والمجلات، مما أدى الى فشلهم حسبما ذكر، ودليله على ذلك أن تحول كاتب وطني مثل quot;عباس محمود العقادquot; الى مجرد كاتب يكتب لحساب السفارة الامريكية، وتنقل quot;طه حسينquot; تنقلاً غير مبدئي بين أحزاب متناقضة، وأما quot;توفيق الحكيمquot; الذي بدأ كاتباً مسرحياً تحول في منتصف الطريق الى مجرد نجم من نجوم مؤسسة اخبار اليوم التي احاطته برعاية مستمرة تتسم بالابتذال، فهو يرى أن هذا الجيل لم يحاول أن يطور من نفسه كي يتسق مع المرحلة الاجتماعية المختلفة التي نشأت بعد الاستقلال وبعد الحرب العالمية الثانية بالذات، مرحلة انهارت معها قيم ومفاهيم قديمة، وأصبحت هناك مفاهيم جديدة ورؤية جديدة للعالم، وبالرغم من رؤيته هذه الا أنه لم ينفي دورهم كرواد وأساتذة وناقلين جيدين للثقافة الغربية على حد تعبيره، وكل ما في الامر أنهم لم يستطيعوا الاستمرار في القيام بهذا الدور، ولم يمكنوا من أتى بعدهم من القيام به حتى الان.
التعليقات