التفكير في التعايش وسط أصوات الانفجارات وطلقات الرصاص المدوية، أمر يصعب استيعابه بين البشر، ولكنه واقع مرير فُرض على سكان مخيم جنين بالضفة الغربية، بسبب الصراع القائم بين الفصائل المسلحة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أحدث دمارًا كبيرًا في منازل المدنيين، وعدد من القطاعات الحيوية، وأصبحت الخدمات شبه معدومة، بسبب حالة الفوضى الأمنية، تلاحقها غارات جيش الاحتلال.
ما تقوم به إسرائيل ليس بجديد، وإنما هو استمرار لتنفيذ المخطط الذي يستهدف قتل أكبر عدد من المدنيين، وتدمير البنية التحتية، وإجبار سكان القطاع على النزوح، للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وسط حالة من الصمت والعجز التام من جانب المجتمع الدولي، عن ردع جرائم الاحتلال، في ظل الغطاء الأميركي، والدعم غير المحدود من جانب الإدارة الأميركية لإسرائيل، دون النظر للقوانين والأعراف الدولية.
فاتورة باهظة
بالتأكيد أن سكان "جنين" يتحملون الفاتورة الباهظة، جراء ما يحدث من جانب العناصر المسلحة، وجرائم جيش الاحتلال، ولم يعد المواطن الفلسطيني القابع في المخيم قادرًا على ممارسة الحياة اليومية بصورة طبيعية، فضلاً عن تأثر قطاعات التعليم والصحة وحركة الأسواق، الأمر الذي زاد من حالة التعقيد داخل المخيم، وأدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، التي انعكست بشكل مباشر على حياة المدنيين.
حالة انعدام الأمن في مخيم جنين، السبب الرئيسي فيها هو العدوان الإسرائيلي الغاشم، وانتشار العناصر المسلحة، التي تحاول فرض سيطرتها على المخيم، بحجة التصدي للاحتلال، دون النظر للعواقب الوخيمة، التي لحقت بالمدنيين الأبرياء. ولم يسلم مستشفى جنين الحكومي، من حالة الفوضى الأمنية، بل اخترقت جدرانه طلقات الرصاص، وتم محاصرته من جانب الاحتلال، وأصبح المستشفى خارج الخدمة تقريبًا، بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية، وعدم قدرة الأطباء وأطقم التمريض على ممارسة مهام عملهم، وسط حالة الفوضى الأمنية، وغارات الاحتلال الإسرائيلي.
تجنيد المرتزقة
لم تفلح المطالبات بتحييد المستشفى من الصراع القائم، بسبب توغل العناصر المسلحة في المناطق المحيطة به، وهو الأمر الذي استغله الاحتلال، لممارسة أعمال العنف، بحجة ملاحقة المسلحين، ويدفع المستشفى والمرضى الثمن. امتد التأثير إلى المحال التجارية، التي لا تعد تتمكن من العمل بشكل طبيعي، وتغلق أبوابها غالبية الوقت، ما أدى إلى خسائر اقتصادية فادحة، إلى جانب قيام بعض الجهات الحكومية بنقل مقراتها إلى مناطق أكثر أمانًا، بسبب الاقتحامات المستمرة من جانب جيش الاحتلال.
وليس من المعقول أن ما تفعله الفصائل المسلحة في مصلحة جنين، بل من المؤكد أن هناك من يقف وراء تجنيد عدد من المرتزقة والخارجين على القانون، لتنفيذ أجندة محددة ضد السلطة الفلسطينية، ومحاولة إفشالها في فرض النظام والقانون، ويؤكد ذلك قيام العناصر المسلحة بوضع الألغام داخل المنازل وتفخيخ السيارات، الأمر الذي أحدث سلسلة انفجارات مدوية داخل المخيم، ودُمرت المنازل بشكل كبير.
خطورة الأمر لم تتوقف عند هذا الحد، بل استخدمت الفصائل المسلحة في زرع العبوات الناسفة، لتحقيق أهداف مشبوهة، في ظاهرها مقاومة الاحتلال، وفي باطنها محاولة إضعاف السلطة الفلسطينية، وإظهارها بأنها غير قادرة على فرض سيطرتها، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرغب في استقطاب السلطة الفلسطينية في مواجهة مباشرة، لتدمير الضفة الغربية مثلما حدث في قطاع غزة.
دروع بشرية
لم تقف السلطة الفلسطينية مكتوفة الأيدي، تجاه ما يحدث في "جنين"، بل نفذت عملية أمنية واسعة النطاق، لملاحقة العناصر المسلحة، ممن يستهدفون تدمير المخيم بأعمال العنف والتخريب الممنهجة، لاستعادة الأمن وضبط الخارجين على القانون. وتعكس حالة الترحيب من جانب المواطنين الفلسطينيين بالجهود الأمنية، أنه لا غنى عن دور السلطة الفلسطينية في مخيم جنين، والتي تعمل طوال الوقت في ظروف استثنائية صعبة، في ظل توحش الاحتلال الإسرائيلي.
من يرصد الأوضاع في "جنين" سيجد أن المواطنين الأبرياء يرفضون بشكل قاطع ما تفعله العناصر المسلحة، باستخدامهم "دروع بشرية" بحجة مقاومة الاحتلال، ويطالبون السلطة الفلسطينية بالتدخل لحمايتهم، وهو ما تم بالفعل وتلاحق السلطة من خلال عمليات أمنية موسعة لملاحقة المسلحين وحماية المدنيين. وبالتالي لا بد من التأكيد على دعم السلطة الفلسطينية، صاحبة الحكم الشرعي، واستيعاب المخطط الذي تقف وراءه جهات معادية للسلطة، مثلما حدث في قطاع غزة، وهو ما يهدد القضية الفلسطينية.
التعليقات