انجازات متقدمة

بدأ الأهتمام بفن الكرافيك في السويد منذ بداية القرن العشرين من قبل مجموعة من الفنانين من مقاطعة (دالارنا1). وبمجرد ان تمكنوا من ارساء تقليد واضح بعض الشئ لهذا الفرع من الفن الناشئ وقتها، حتى بادرت بلدبة مدينة (فالون 2)، والتي هي عاصمة المقاطعة، الى دعم هذا الأهتمام، من خلال تعيين مشرف خاص لتقديم الخدمات لمن يطلبها ن الراغبين لتعلمه. ومنذ خمسون عاما تأسس مشغل للكرافيك في نفس المدينة (يحتفل في هذا العام بعيده الفضي)، من قبل موظف البريد (اينر يونسون 3) والذي كان يولي اهتماما لهذا الفن. في البدء كانت هناك دورات تدريبية عن طريق (ا ب ف (4) ثم بعد ذلك تحول المشغل الى القسم الثقافي في المدينة. وبالأمكان مشاهدة الأعمال المنتجة الأولى والرائدة في الكرافيك السويدي في متحفها. وقبل ان يستلم الفنان العراقي مظهراحمد ادارته الأخيرة في اكتوبر من عام ( 1992 )، تعاقبت عليه ثلاث ادارات. عملت كل واحدة منها على استحداث اظافات او تطويرات لعمل المشغل. وكان اهم هذه التطويرات حينما استلم ادارته الفنان الكرافيكي العراقي مظهر احمد. فبعد حصوله على الموافقة على ادارته، عمل على ان يكون جهده متوازيا وفهمه لروح العصر ومستجدات تقنيات الكرافيك، في مسعى منه لجعل المحترف مدرسة عليا لتدريس الكرافيك بطرقه الأربعة مع تقنياته المتشعبة واستعمالات المواد الحديثة ومع الأخذ بالوسائل التقنية الصحية والخالية من الموادالكيميائية، او التقليل منها. والتأكيد على الألتزام بالطرق الصحيحة في استخدام المواد والأدوات وذلك لسلامة الأنسان والبيئة. ويبقى مشغل كرافيك فالون هو المشغل الوحيد في السويد الذي يحضى بدعم كامل من البلدية وبضمنه تعيين مستشار له.
لقد حاول (مظهر) ان يوظف خبرة ثلاثين عاما في العمل الكرافيكيى في هذا المشغل. فبعد اربعة عشر عاما من ادارته توسعت مساحة المشغل الى (475 مترا) بعد ان كانت مقتصرة على (168) مترا، واصبح من المرافق الفنية المهمة في المحافظة. فرغم احتفاظه بالأساليب و التقنيات الجديدة، الا ان المشغل سعى الى ان لا يهمل ممارسات التقنيات القديمة في نفس الوقت، في مسعى للأحاطة بشكل عام بالمساحة الأدائية والتعليمية لهذا الفرع الحيوي من فروع الفن التشكيلي.
افتتح المشغل دورات عديدة للكرافيك لقاطني المدينة وعموم السويد والعالم. واول دورة تبناها المشغل لتقنيات الكومبيوتر كانت في عام (1994) حيث شارك فيها اربع عشر فنانا من عموم السويد. ومنذ هذا العام بدأ المشغل دورات وزيارات ومعارض متنقلة في بلدان اوربا وخارجها. وسعى لتوليد حوافزا لدى الأدارة والفنانين الدارسين في هذا المشغل في المساهمة بالمعارض العالمية. كذلك سعت ادارته الى العمل على استحداث معارض دورية ( بينلات و ترينالات) وبمشاركات عالمية. وتم استقبال العديد من المهتمين بفن الكرافيك في دورات عمل المشغل، وكذلك من له اهتمام بتاريخ الكرافيك السويدي.
يقول الفنان (مظهر*): من ظمن مسؤلياتي كمستشار للكرافيك الفني في القسم الثقافي للمشغل قدمت الأقتراحات لأقامة ترينالة للكرافيك وبصفتي كممثل للمدينة وبالتعاون مع مسؤلة المعارض في المتحف عملت ايضا على التنسيق والأتصالات والأشراف وعلى تصميم المطبوعات. وفي هذا العام يقدم ترينالة كرافيك في متحف بالارتا (45) فنانا من (16) دولة من العالم. واشترك فيه بصفتي الشخصية كممثلا عن بلدي الأم العراق. وسوف يتم افتتاح المعرض في الخامس والعشرون من اوكستي. وبمقدمة اعتمدت كتاب الناقد الويلزي (ريشارد نويز5) الذي اختارهم كاشهرالفنانين الكرافيكين المشاركين في كتابه عن الكرافيك الصادر لعام 2006.

الدراسة في المشغل:
ليس لمشغل فالون للكرافيك مستوى تدريسي عادي، بل هو جاهز لتقديم الخبرات والخدمات للمهتمين. ومن هؤلاء الشباب وتلاميذ المدارس الأبتدائية. فبالنسبة للشباب يتلقون الدروس مباشرة من المشرف ولمدة ثلاثة اشهر الى ستة. وهي تمارين في الأنشاءالتصويري والتقنيات الكرافيكية في مسعى لتهيأتهم للدراسة الأبداعية العليا. اما المجموعة الثانية فتتكون من الأطفال وبعمر عشرة سنوات وحتىالسابعة عشر، يدرسون لمدة اسبوع او اسبوعين تقنيات الكرافيك وبظمنها التقنيات التجارية.
ومن المشاريع الجديدة التي سوف يتبناها المشغل بعد شهرين من الان، مشروع مدرسة الكرافيك للأطفال والشباب، من عمر العاشرة وحتى الثامنة عشر. وستكون مدة الدورة التجريبية الأولى شهرين ونصف ولحوالي ما بين اربعة مشارك الى عشرة، يتلقون خلالها تقنيات الحفر.
على ما يبدو فان مدير هذا المشروع الفني التقني خطط مسبقا لأهداف تتجاوز مألوف انشطة غالبية مشاغل الكرافيك، ليجعل منه مشروعا فنيا تعليميا متخصصا بتقنيات الكرافيك، وفي نفس الوقت يمد جسورا للوسط الأجتماعي المحلي والعالمي. اذا ما عرفنا بانه اقام العديد من ورش الكرافيك في بلدان اوربية وعربية بصفته ممثلا عن المشغل، كما ساهم في ربط فناني المشغل بشبكة عروض اوربية تبادلية اكسبت مشغل الكرافيك هذا سمعة مهنية جيدة.

شيء عن الفنان مظهر احمد:
درس الفن في معهد الفنون في بغداد من عام (1974) الى (1979)، ثم واصل دراسته في اكاديمية وارشو من عام (1981) الى (1986. كما درس بعد ذلك كرافيك الكومبيوتر في المدرسة العليا في مدينة خوفدا السويدية.عرضت اعماله في معارض شخصية ومعارض عامة في السويد والعديد من الدول الأوربية والعربية. وحصل على جوائزعديدة واهمها جائزة نوبل السويدية المحلية الخاصة بالكرافيك. واهم انجازاته هي تحقيقه للتقنيات الكرافيكية النظيفة واستغلال الخامات المهملة. واخر انجاز حققه للمشغل وبالتعاون مع مديرة المتحف هو اقامة ترينالة كرافيك فالون لهذا العام والذي سوف يفتتح في الخامس والعشرين من اوكستي. كما عمل عدة ورشات عمل لطرقه الكرافيكية في القاهرة ومكتبة الأسكندرية، بصفته الشخصية وكممثل عن مشغل فالون السويدي.

ختاما لا بد من دراسة معمقة لظاهرة عجز الكثير من التشكيليين العرب والعراقيين منهم، وخاصة بعد هجراتهم المتعددة، عن ترسيخ اقدامهم في وسطهم البيئي الجديد. وان كان الفنان مظهر يشكل مع القلة القليلة استثناءا، وهو استثناء يوفر مادة لمراجعات مثمرة، بعضها ايجابي بحدود مفاعيل تركيب الشخصية المركبة (الكفاءة المهنية/المغامرة)، اظافة للوعي المحيطي بحدود تقبل الاخر كمعادل لتقبل اناه من خلاله. وهذا يتطلب جردا للأسماء التشكيلية المتواصلة والثقافة التشكيلية محليا وعالميا ( رغم لغز المحلية والعالمية المحير دوما). وان كان الأمر واضح بعض الشئ، اذا ما تصفحنا اكثر من موقع تشكيلي عراقي وعربي على الأنترنيت، ودراسة العلامات الواردة فيها (سيرة الفنان ومستوى اعماله الأبداعية، وعلاقة هذه الأعمال بمحيطه وبالأدوات التشكيلية المعاصرة، وبما توفره لنا من انطباعات تدل على مديات استيعابه للمستويات الثقافية الأبداعية المعاصرة). حينها ينكشف لنا البون الشاسع ما بين نتاج غالبيتهم ومألوف النتاج التشكيلي المعاصر،( المألوف، وليس المبتكر الرائد والمتغيير) لبلدان اقامتهم، هذا فضلا عن طرق الأداء ومستويات ومسارب العرض ومحمولاتها الثقافية المتجددة والتي هي اساسا مشاعة بحدود اكتسابها ذهنيا ومن ثم استيعاب طرق اخراجها وبنوازع شخصية لا تخلو من حس ثقافي فنطازي او اجتماعي، هو الان اكثر هيمنة. وان كان مفهوم الأندماج الغربي ملغزا بموروثه اليوناني، ومغلفا بتفسيرات، او بالأحرى مبتسرات ديموقرطية (ليس كما يقترح دريدا، باستبدال مصطلح اللجوء، الهجرة، الأغتراب، بمصطلح الضيافة، كمفهوم ليس قابل على الأختراق الا انساني او المنفعي). مع ذلك فبالأمكان استغلال ما متوفر من مساحة للتواصل مع الاخر، من خلال بذل مجهود مضاعف لأكتساب المعلومة التشكيلية الانية المتداولة. ولنا مثلا بالقلة التي واصلت اكتسابها للتقنيات التشكيلية الجديدة ولو بحدود لا تزال ضيقة. ومظهر احمد واحد منهم. فالأنسان العراقي، وخاصة المتشبع او المنتشي بالثقافة الأنسانية، اصبح عالمي الأنتماء، بسبب من دراماتيكية ظروف بلده الأم. وان كانت له حسنة، فاعتقدها تكمن في مدى مستوى شحذ وعيه للحد الذي تتوازى مستوياته الأدراكية ومستوى الابداع الثقافي العالمي، ببؤره الأكثر حيوية.
هناك امثلة لنفاذ تجارب تشكيليين مهاجرين بحدود معينة، لكنها تبقى حدودا مرسومة ( او موسومة) بما توفر لهم من علاقات شخصية وبمحمولات اجتماعية مختلطة. و لا مؤاخذة على ذلك، ما داموا يشعرون بانهم جزأ من محيطهم الجديد. لكني اجد ان اللعب من قبل البعض على هكذا محمولات فقط، ناتج عن قصور في التجربة التشكيلية نفسها والتي سوف تبقى قاصرة ومن ثمة تحمل بذرة فنائها. وان كان الأشتغال على السوق التشكيلي لمجرد وازع التسويق، فبالأمكان توفير ذلك دون الألتفات الى مستجدات التشكيل ومحمولانه الثقافية المتجددة. فالأسواق متوفرة لهكذا بضاعة في عالمنا العربي ايضا، عبر الوسطاء او بدونهم. لكن الخسارات سوف تكون باهضة ونحن نسكن قلب العالم . حينها سوف نتحول الى ارواح ضالة وسط عالم تهيمن عليه المعلومة الثقافية والتشكيلية الفائقة القدرة على التعبير وادراك حدود تخوم النفس.
.
1- Dalarna ، 2- Falun 3- Enar Johansson
4- مشاريع دعم من قبل حزب السوسيال( الأشتراكي الأجتماعي) وبعض الأحزاب الأخرى.
5- Derived from ndash;
Printmarking at the edge ndash; by Richard Noyce .
http://www.modhirahmed.com/

توثيق المعلومات الخاصة بالمشغل من قبل الفنان مظهر احمد.