المطيري: إشكالاتنا اليوم .. غياب العقل والوصاية والتسليم والوثوقية والجمود
الشقيران : الحرب الأهلية الفكرية عربيا على المعنى تحوجنا إلى فلسفة التواصل

الهجلة : ساحتنا الفكرية لم تتعود على المصطلحات الفلسفية

إيلاف من الرياض: quot;لن نتراجع عن النهج الجديد الذي قررنا اتباعه في النادي الأدبي، لن نعود إلى الوراء، لن يكون موضوع الحجامة وآثاره الإيجابية هو جلّ اهتمامناquot;. التصريح السابق كان لرئيس النادي الأدبي بحائل الدكتور محمد الحمد، حينما واجه فئة غاضبة من الجمهور الذي أزعجه عقد أول ندوة تعنى بالشأن الفلسفي بعنوان quot;الفلسفة وإشكالاتنا المعاصرةquot;، بعد غياب دام عقود، غيبت معه العناوين الثـقافية التي تتناول قضايا مشكلة، ذات أبعاد فلسفية، أو أنها تحاول فهم الواقع ومعالجته بأدبيات هي من خارج السياق أو النص الديني.

ففي نشاط بدء يظهر للعلن وبشكل رسمي، أقام النادي الأدبي بمنطقة حائل مساء أمس الثلاثاء أول ندوة فلسفية مستقلة تطرح من خلالها مجموعة من البحوث، وهي الأولى من نوعها حيث تمرّ الأندية الأدبية في الفترة الحالية بحالة انتعاش بعد التعديلات الجذرية التي قام بها وزير الثقافة والإعلام إياد

منصور الهجلة

مدني، واستضاف النادي لندوته مجموعة من الباحثين، شارك فيها كل من عبدالله المطيري بورقة عنوانهاquot;الفلسفة وإشكالاتنا المعاصرة quot;، وورقة لفهد الشقيران بعنوان quot;الفلسفة وإشكالية التواصلquot; وورقة منصور الهجله بعنوان quot;الفلسفة وعلاقتها بالدينquot;.

استقبال حافل .. وهجوم
الضيوف تم استقبالهم بشكل حافل، ووفق بروتوكول معدّ بشكل منظم، حيث استقبلوا في أرض المطار، وتم اصطحابهم إلى أرقى فنادق منطقة حائل، حتى شبه أحد الضيوف حفاوة الاستقبال بأنه أشبه quot;باستقبال الوزراءquot;.
المميز في هذه الندوة أنها عمدت إلى استضافت أسماء شابة، تعتبر حديثة عهد بمناخ الندوات الثقافية، على رغم قلتها بل ندرتها في الأندية الأدبية السعودية، أسماء رغم أنها شابة إلا أنها أصبحت تفرض نفسها على المناخ الثقافي السائد، حتى صارت أسماء بارزة في العديد من الصحف السعودية المحلية.
الندوة كما مجمل الفعاليات الثقافية التي بدأت تأخذ طريقها إلى الانتشار، لم تخلو من مواجهة ليبرالية ـ إسلامية، فكان كيل الاتهامات للضيوف المحاضرين ومقاطعتهم، من ذلك رميهم بالتعلق بالغرب، وتهمة أخرى تتعلق بتمييع الثوابت، حتى وصل الأمر ببعض المداخلين أن طالب مجلس النادي الأدبي بتغيير منهجه وإلا quot; فغننا سنضطر للدفاع عن عقيدتنا وثوابتناquot;.
لا .. للفلسفة الدينية
وفي البداية تحدث عبدالله المطيري مقدما ورقة بعنوان quot; الفلسفة وإشكالاتنا المعاصرة quot; وابتدأ طرحة بضرورة تحديد مفهوم الفلسفة الذي يعنيه، فكلمة الفلسفة لا تحظى بمفهوم ثابت ومستقر بل إن تاريخ الفلسفة يتشكل من مجموعة محاولات كانت تسعى لتعريف الفلسفة، واستشهد بأن دولوز وغيتاري أصدرا في التسعينيات كتابا بعنوانquot;ما هي الفلسفة؟quot; في عودة مجددة لمحاولة التعريف.
وبعد جولة تاريخية على مفهومالفلسفة عند مجموعة من الفلاسفة حدد أنه يعني بالفلسفة quot;بأنها طريقة خاصة في التفكير، فليس كل تفكر فلسفة، ولكن الفلسفة هي تلك الطريقة من التفكير المعتمدةعلى العقل، بمعناه المفتوح، المتوجه للفهم في أعمق درجاته وأكثرها جذريةquot;.
ولذا فهو يستبعد من تعريفه للفلسفة الفلسفات الدينية كالفلسفة الإسلامية والمسيحية والصوفية والفلسفات الإشراقية بعمومها، باعتبارها تدخل ضمن الفكر الديني أوالروحاني ولكنها ليست عقلية.

بعد ذلك تطرق إلى علاقة الفلسفة بالواقع وذكر أن هناك فلسفات متصالحة مع الواقع ولكن علاقة الفكر بالواقع، كما يراها هي علاقة نفي من منظور جدلي
عبدالله المطيري
بوصف الفكر يبحث في ما ينبغي أن يكون لا ما هو كائن. علاقة نقد واستشكال تستند على وعي بضرورة التغيير والنقد.

من هذه النقطة ومن رؤية فلسفية حدد المطيري عشر إشكاليات تواجه الواقع العربي وهي، أولا : غياب العقل وتحضر الفلسفة هنا بوصفها عقلا، ثانيا: الوصاية وتحضرالفلسفة بوصفها حريّة، ثالثا: إشكالية التسليم وهنا تحضر الفلسفة بوصفه اشكا، رابعا: إشكالية الوثوقية وفي المقابل تحضر الفلسفة بوصفها نسبية، خامسا: إشكالية الجمود الذي شل حركة الفكر العربي بينما يحتوي الفكر الفلسفي على انفتاح يجعل من الحركة سمة له.
وسادسا: إشكالية الانغلاق التي يعانيها الفكر العربي الإسلامي فيما تدعو الفلسفة إلى الانفتاح، وسابعا: إشكالية الانقطاع ليس عن التراث كما توقع أحد الحضور بل عن الواقع وهنا تحضر الفلسفة بوصفها تواصلا، ثامنا: إشكالية التطرف الناتج عن ما سبق وهنا تؤسس الفلسفة للتسامح وتدعو له، تاسعا: إشكالية التقليد والتكرار وفي المقابل تبرز الفلسفة كإبداع، عاشرا إشكالية الأدلجة المعادية للنقد و النقد هو المرتكز الأساسي لكل تفلسف.

صراع العقل والنقل

بعد ذلك قدم فهد الشقيران ورقته المعنونة بـ quot;الفلسفة وإشكالية التواصلquot;. وبدأ بأن quot;إشكالية المعنىquot; هي الخيط الرفيع الذي يمكن من خلاله توصيف حالة الصراع عربيا، وإشكالية المثقف العربي في كونه يعيش عصرين في آن واحد هي جزء من هذا التناقض المغذي للصراع.

انكسر النور عربيا، وآلت الصراعات بين تيارات العقل والنقل إلى انتصار صارخ للخرافة، و تميزت التجربة البشرية الأوربية في قدرتها على إنتاج ناقديها وإنتاج فلاسفة يمهدون لظهور نظريات فلسفية متوالدة. تم اغتيال الفلسفة عربيا ونفيها إلى أوربا خاصة، وتم التعامل عربيا مع التراث بعيدا عن آليات التأويل التي تجدد المعنى.
فهل تحل نظرية التواصل بوصفها النظرية التي تؤسس للمحادثة العمومية؟ هل تخفف حدة الصراع والحرب الأهلية الفكرية وهي النظرية التي حاول من خلالهاها برماس طرح عقلنة تواصلية في مقابل العقلنة الأداتية التي رفضتها مدرسة فرانكفورت التي يمثلها هو، هكذا تحدث الشقيران.

الفلسفة والدين

ثم طرح منصور الهجلة ورقته التي تناولت علاقة الفكر الفلسفي بالفكر الديني مبتدئاَ حديثه بإشكاليات المصطلحات وتنوعها في الفكر الفلسفي بحيث قد لاتصل إلى تناول المستمع بسهولة الفكرة المقصود إيصالها، ولعدم تعوّد ساحتنا الفكرية كثيرا بتناول المصطلحات الفكرية.

ثم تناول في بداية ورقته جوهر إشكال الفكري (الفلسفي والديني) على حد سواء، وهو موضوع علاقة الإنسان بالمطلق، وأن جميع الفلسفات على تنوع مواقف أصحابها من المتعالي وتنوع مواقفهم من تعريف الفلسفة إلا أنها كلها كانت تبحث في علاقة الإنسان بالمطلق على مستوى الطبيعة والتاريخ، بحيث لا تخلو أي فلسفة سامية من بحث علاقة الإنسان بالطبيعة وما بعدها، وعلاقته بالتاريخ وما بعدها.

ثم تحدث عن موقفين رئيسين في الفلسفة يتنوعان من موقفهم من المتعاليوهوالموقف الشهودي، والموقف الجحودي، وصاحب الموقف الجحودي المقياس الذي يسيطر على أفعال الإنسان هو الإنسان نفسه عندما يطلق ذاته معيارا لكل ما عداه فيجحد الوجود الإلهي وذلك هو أساس المبدأ السفسطائي الذي أطلقته الفلسفة في جعل مبادئ العقل الثلاثة مبادئ قيام الوجود، وصاحب الموقف الشهودي يعتبر مبادئ العقل وحدات قياس ذريعية لتيسير عمل الفكر والوجود الإنسانيين.

وأشار في ورقته للطرح المتميز لهذه العلاقة بين الفكرين في طرح البروفسور أبي يعرب المرزوقي في كتابه وحدة الفكرين الفلسفي والديني، ثم أشار إلى أن أسمى أشكال الفكر الفلسفي هو الشكل النقدي، وهذا هو التعبير عن موقف الدين الإسلامي النقدي من دعاوى الفلسفة الدغمائية التي تدعي العلم المحيط.

مداخلات
في مداخلة للدكتور عبدالله البطي أكد على أن الطرح في الندوة اختلف بين مقص للفلسفة الدينية ومتبن لها، وقال quot;المطيري يقصي الفلسفة الدينية، والهجلة يتبناهاquot;، وأضاف quot;ورقة الشقير مفعمة بالإعجاب بالغرب، والورقات تطرح الفلسفة كعلاج بلسمي، ومن الخطأ تحميل التخلف لهيمنة التيارالدينيquot;.

ورأى رئيس مجلس إدارة النادي محمد عبدالرحمن الحمد أن الفلسفة حين تقترب من الواقع تبتعد عن كونها فلسفة، مشيرا إلى مطالبات أنصار الفلسفة بإدخالها للمناهج رغم أن الهدف من التربية إنتاج طالب متصالح مع الواقع.

وقال رئيس لجنة التدريب في النادي الأدبي بحائل ورئيس قسم اللغةالعربية بكلية المعلمين بحائل الدكتور بندر الحمدان أن quot;النادي الأدبي يسير بنا إلى ثقافة
بندر الحمدان
مهزوزة، ولولا أنكم ضيوف، لقلت شيئا آخرquot;، متهما المحاضرين بالتشويش على الحضور بمفاهيم غير منطقية وغير حقيقية وغير مقبولة وغير مفهومة، وقال الحمدان quot;ثقافتنا أصلية وليست ثقافة شك وهي التي تضبط المجتمع، والنادي ركز على الناحية الثقافية والثقافة بهذا التعريف تجعلنا في مشكلة معهم، وقد نجد أنفسنا في يوم من الأيام مضطرين للمواجهةquot;.

وجاء في رد منصور الهجلة على مداخلة الحمدان يجب أن تكون مواجهة بعلم وليس باليد والسنان، ونحن لا نخاف المواجهة ويجب أن يكون طرحنا مقنعا وهذا هو طبيعة الرسالة الإسلامية.

وقد رد المطيري quot;نحن نختلف، والمشكلة في السلطة والوصاية وليست في الاختلاف، ومن عين نفسه وصيا على الآخرين وجب على الآخرين أن يدفعوا وصايته عنهمquot;.