"من اجلكِ، وأنتِ ترفرفين كما راية بيضاء
امام جيش مكسور من العشاق المفلسين والخائبين في الشوارع الخلفية

ايتها الشاعرة المخبؤة بين كثبان وحدة المتأمل وتلاله العالية: التي اقترحتْ اسمها: قمر السماء البازغ فجأة من بين غيوم الارهاب والعنف والقتل والدمع لتعيدني، بقوة وثقة وصدق الى صحبة الغناء وخلان الصباح. من اجل حبكِ لقصائدي التي لم ترق الى صدق حزنكِ أو الى جمال روحكِ النادر: هذه صلاتي لكِ من بلاد مذبوحة من الوريد الى الوريد.."
(مقطتف من رسالة الى شاعرة عربية مغتربة)


كنتَ تمرّ ياحب حاملا كيسَ النجوم على ظهركَ
فنتبعكَ على دراجاتنا الهوائية.
لانعرف الآن أنـّا صرنا نتبع مـَن عند أول منعطف سيتوارى:
نلتفتُ فنراه عالقا على الأسلاك،
التي وضعناها لإصطياد العدو.

هل أنتَ عدوّنا ياحب وهل قلوبنا ساحة حرب؟


شربناكَ أيها الفاتن وترنـّحنا عبر العالم.
انتظرنا عطاياكَ حين كنتَ تطرح انعامكَ
على أبواب الهائمة نفوسهم في البعيد.
طاردناكَ من مكتبةٍ الى مكتبةٍ.
قرأناكَ في الفنجان والكف
في خطوط الوجه
وفي حسرات المطر
عندما يصبّ في غيمة الروح خيوط رعده المنيرة.

لاحقناكَ في كل مكان.
كنا ننسى أبداننا على النسمة التي تطير في رئتيكَ.
عندما بعد كل هجر ينسل عصفورك من اغانينا
فنبكي
لأنك أيها الفاتن تخيط ثقوب أرواحنا بحسراتكَ الدافئة
بعد كل خسارة.

هذي صلاتنا لكَ ياحب..
نحن الواحات المرسومة على معطف البراري
يرنو الينا الطير قادما من هضبة الخيال
ناقلا بمنقاره حبة رمل
يتركها على راحاتنا
فنعيد معه المصباح اليدوي
الذي سقط من يد القمر الى اعماقنا..

قل ياحبيبنا المتواري خلف حجاب الاغنية:
أي موسيقى نعزف كي تتجلى لكَ أرواحنا كما تريد؟
كي تعرفنا جيدا ياحب
بعد أن هجرنا دروسكَ ونسينا الترانيم وحدها في المهد
يلاطفها الغبار بأجنحته اللانهائية؟

دلـّنا.. ياحب على وديانكَ
لعلنا نتيه في خطوط يديكَ
لعل المصاب قديما بعدوى مرضاكَ يمرض من جديد
فتفرك عن رموش عينيه آثار هذيانكَ.

تـِقنـا اليكَ ياحب.
فزعتْ اليك النجوم المرسومة على اكتافنا
فرّتْ نحوكَ فوّهات أوجاعنا،
فلم نعد قادرين على مقاومة نحول أفراحنا
أو فقر دم الأصباح التي تفتح نوافذنا بيد ذابلة.


آه
من اجلك ياحب نسينا مناجل المنفى
غربتنا عنا وتيهنا المستحيل.
انتظرنا القمح يعلو فوق هامة السياج
ثم وضعنا الحرب في الثلاجة وجئناكَ
كأننا اكتشفناكَ من جديد
فهل تسمح لنا أن نمر من خلال خرائطكَ ونجومكَ
لنعيد للأشجار اصطفافها الأول على النهر؟

ياحب مِـن أين نأتيكَ فتمنحنا الصفحَ؟
مِـن اعماقنا المغسولة بالحزن حيث الليل يشحذ حد مديته
وهو يصعد نحو كل نجمة مسـّها طيفُ أوجاعنا
فتخر مغشيا عليها من فرط الوحشة؟
مِـن الدمع ياحب؟
أم من نـَشارة احلامنا وهي تزيـّن ثياب الريح؟

قل ياحب ياصلاتنا المنسية:
أي كتاب نتلوه لترضى فتأتي كما قبل
عندما كانت العشيـّات تهدهد أطراف قمصاننا ببرد روحـَكَ؟
عندما كنا ننتظركَ في باب السينما ندخل اثركَ
حاملين تذاكر الركوب معك الى الاحلام؟
آه..
عندما كنا نفرّ من الدرس
نجلس بانتظاركَ على سياج المدرسة
مدلدلين أرجلنا طوال شهقة السنابل
اذ ترنو الينا قشة العشب
تتوق متأهبة لأن تمسك بحبل أرواحنا،
لترتفع معنا فيكَ
كما صلاة وجدتْ مـَن يقبلها فوق فحلـّقتْ.

لقد نسينا الصلاة الواجبة فكيف بالمستحبة؟
ذكـّرنا أرجوك ياحب.

ذكـّرنا ياحب ذكـّرنا
ذكـّرنا..
بغيمتـكَ تمطرنا مظلات تحت قوس البهجة
ترافقنا الى الموعد
تجلس بانتظارنا على مصطبة الشاطئ
تحرسنا من الموجة وتكسونا قوارب ورحلات.

ذكـّرنا ياحب بنوركَ
الذي نسيناه تحت قصف مدافع النسيان وغارات الحراسة.
ذكـّرنا.. فقد أضعنا العنوان في احد الثكنات
وبين حاجيات الجنود القتلى.
ذكـّرنا.. أين يمكن أن نصادف مقهاكَ أو غرفتكَ أو سريركَ؟

ذكـّرنا.. كيف نغسل أيدينا
فقد نسينا الماء
بعد أن نشرنا أصابعنا على حبال غسيل العطش
فما عدنا نلـّوح ياحب الا بيدين متخيـّلتين
ولانبكي ياحب الا بعينين متخيـّلتين
والأفضل فينا هو مـَن وجد بصمة انسان في نحيبه.

ذكـّرنا ياحب بشكل يديكَ
لعلنا نعرف أيدينا يوم ترضى عنا فنبعث فيكَ.

ياحب ياحب ياحب..
ها قد جئناكَ مفترضين أنك هنا في مقام الكتابة
أو أنك في العيون التي تقرأ ماخلف الكتابة
فهل أنت هناحقا أم نحن واهمون؟
قل ياحب فليس كل ما في الكتابة أنتَ
ايها الذائب في فصّ الغيبة
ايها الشاعر فينا، قبل أن تمشي على الأرض أول قصيدة.

دلـّنا عليك أرجوك.

اقتلعنا من عروقـِنا فلم نعد قادرين على الوقوف من دون ساقيكَ.
جرجرنا من شعورنا: رؤوسنا لاتستقر الا بين كتفيكَ.
اخطف ارواحنا بيديكَ
اقبلنا ولو حلقة دخان
تأوي اليها
وتنام.

هذه صلاتنا.. ياحب:
نحن الفنادق التي تأوي اليها الغرف المنسية في جيوب المسافرين
فهل نسيتَ أنتَ الآخر بحـّة الرخام في غنائنا
ونحن نغسل أطراف قدميك
اذ تعود مرهقا
من اسفاركَ الكثيرة؟

[email protected]
[email protected]

من مخطوطة " الحب عندما في الشوارع الخلفية "