سلوى اللوباني من القاهرة: قدم الكاتب المصري quot;محمد القدوسيquot; مقارنة تحتوي أوجه التشابه والاختلاف بين أديبان ينتميان الى حضارتين مختلفتين، وهما الاديب المصري quot;نجيب محفوظquot; والاديب الصيني quot;باجينquot; في العدد الاخير من مجلة quot;دبي الثقافيةquot; بعنوان quot;باجين عميد الروائيينquot;.

التشابه:
فأشار الكاتب الى أن الاديبان ولدا في مطلع القرن العشرين في شهرين متعاقبين بفارق سبع سنوات، والاستاذ نجيب محفوظ هو الاصغرحيث ولد في 11 ديسمير 1911، بينما باجين ولد في نوفمبر 1904، وأن كلاهما انتقل من قرن الى قرن محتفظاً بمكانته الرفيعة نفسها بسبب الموهبة الاصيلة والعمل الدؤوب، كما اشار الى التشابه بارتباطهما بالتحولات الفكرية في مجتمعيهما، التي تجسدت في ثورة القوميين والشيوعيين في الصين، والحركة الوطنية في الثلاثينات في مصر ثم ثورة يوليو 1952، فتعرض بياجين للحصار ولحظر اعماله وتجميد نشاطه لمدة طويلة، أما quot;ندوة نجيبquot; تعرضت للمراقبة البوليسية، ولكنه كان يتعامل بذكاء مع الذين كانوا يحاولون أن يندسوا بين رواد الندوة، بالاضافة الى أن محفوظ انضم الى مؤسسة الاهرام ليصبح واحدا من كتابها عام 71 مثلما أصبح quot;باجينquot; كاتباً لعمود صحفي بعد أن انتهت محنته في عام 77 وعودته الى بلده، وأن quot;باجينquot; تزوج وهو في سن الاربعين، وتزوج محفوظ وهو في الثالثة والاربعين ولكن بعد 10 سنوات من زواج باجين، والتشابه بين مكانة كل واحد منهم، quot;باجينquot; وضعه الصينيون في مكانة quot;تشارلز ديكينزquot; عند الانجليز، ونجيب محفوظ استرعت موهبته انتباه كبار الكتاب والنقاد من جيله، مثل طه حسين، والعقاد الذي كان يردد من الخمسينات أن محفوظ يستحق جائزة نوبل.

الاختلاف:
وضح الكاتب أوجه الاختلاف بينهما من حيث النظام والاستقرار في حياة كل منهما، فوضح انضباط والتزام نجيب محفوظ بالنظام الصارم الذي أخضع حياته له، بينما quot;باجينquot; تعرضت حياته الى الكثير من التقلبات والاخطار بسبب ظروف فرضتها الحياة، كالموت المبكر للام والاب والجد وانتحار الاخ الاكبر، واضطراره للتنقل من بلد الى آخر، بالاضافة الى وقوعه بين جيشين ثوريين، وحرب أهلية والغزو الاجنبي للصين، هذه العوامل مجتمعة لم يتعرض لها الاديب محفوظ، بل على العكس كما ذكر الكاتب فقد حافظ على استقراره في شقة بسيطة في حي العجوزة منذ سنوات طويلة حتى بعد حصوله على جائزة نوبل.

الثلاثية:
وقدم الكاتب مقارنة جميلة بين ثلاثية مصرية وأخرى صينية، محفوظ وروايته الشهيرة الثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) تناولت سقوط مجتمع ما قبل الثورة، وهي سيرة ثلاثة أجيال من عائلة واحدة، جيل ما قبل ثورة 1919 وجيل الثورة، والجيل التالي لها، وانتهى من كتابتها عام 52 ونشرت عام 56 بسبب ضخامة حجمها، وثلاثية باجين (عائلة، ربيع، خريف) التي كتب الجزء الاول منها عام 1931 ونشره في 1933 وانتهى من كتابة الجزء الاخير عام 1940، تناولت المجتمع الاقطاعي الصيني وطبقة النبلاء، التي كان باجين ينتمي اليها بحكم القرابة لا بحكم الافكار كما وضح الكاتب القدوسي، وهي سيرة عائلة صينية وضع باجين نفسه بين افرادها في شخصية شديدة الشبه بشخصية quot;كمال عبد الجوادquot; في ثلاثية محفوظ، واعتبر الكاتب أن هناك تشابه كبير بين سيرة كمال عبد الجواد النفسية والذهنية وبين محفوظ، الذي وجه سؤالا للاستاذ محفوظ quot;فيم تتشابه وكمال عبد الجواد؟ فقال له في الازمة الفكريةquot;، كما أشار الكاتب الى رأي النقاد بأن ثلاثية باجين تشبه كثيراً ثلاثية محفوظ، والذين يؤكدون quot;انه لو تم تغيير الاشخاص والاماكن في روايتي الكاتبين لما تمكن احد من معرفة أي من الاديبين كتب روايته قبل الاخر بالرغم من أنهما لم يلتقيا ولم يقرأ أي منهما رواية الاخرquot;، فربط الكاتب بين ما جاء على لسان هذه الشخصية وتأملاتها وبين كلمات باجين نفسه التي كتبها في رسائله اثناء سنوات الاضهاد، كما أشار الى وجه الشبه بين ما كتبه باجين في هذه الرسالة وبين محاولة اغتيال محفوظ عام 94 من حيث الافتراء عليهما، فذكر باجين..quot;لقد عانيت وتأثرت..بأولئك الذين لا يستطيعون ان يفهموا ما اكتب.. بل يختلقونني من خيالهم ويهاجموني علناً وسراً، لأن رواياتي تؤدي الى كثير من سوء التفاهم... لقد حكموا علي طبقاً لاحدى قصصي القصيرة، عامدين الى حزمة من الاستنتاجات الغريبة ومقررين الى أي مذهب انتمي..quot;، وكذلك الحال بالنسبة لمحفوظ فالذي حاول قتله لم يقرأ له حرفاً واحداً، quot;وان كثيراً من الذين يهاجمونه لذريعة او لاخرى لا يملكون قدرة المضي مع رواية له الى نهايتهاquot;، كما اشار الكاتب الى اطروحة الماجستير التي اعدها الاعلامي quot;يوسف الخطايبةquot; وهي محاولة لتفسير اوجه التشابه بين الروائيين، على الرغم من البعد الجفرافي الكبير بين المبدعين والتباين الكبير في العادات والتقاليد بين المجتمع المصري والصيني.

باجين:
يعتبر باجين أحد أهم ثلاثة أسماء ادبية لامعة على الساحة الادبية المعاصرة في الصين، ولد عام 1904 وتوفي 2005 عن 101 عاماً، اسمه الاصلي quot;لي ياو تانغquot; وباجين هو اسمه الادبي الذي اشتهر به، التحق بمدرسة خاصة باللغات الاجنبية، ومن ثم توجه الى فرنسا عام 1927 وكتب اول رواياته الطويلة quot;انقراضquot; باسم باجين وظل الاسم ملازما له، وعاد الى شانغهاي التي درس فيها المرحلة الاعدادية والثانوية، وبدأ رحلته الادبية الروائية فكتب الروايات الطويلة والقصيرة كما ترجم بعض الكتب بالاضافة الى سلسلة من الاعمال النثرية التي عكست مقاومة الشعب الصيني ضد العدوان الياباني عام 1937، وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية تولى عدة مناصب منها رئيس الاتحاد الوطني للادباء، رئيس الجمعية الصينية للكتاب، ورئيس تحرير مجلة quot;المحاصيلquot;، كما دعا الى اقامة متحف الاداب الصينية، وانشئ المتحف عام 85 تحقيقاً لامنيته، واصبح معلماً ثقافياً في مدينة quot;بكينquot; لجميع الزوار من مختلف انحاء العالم.

من اعمال الروائي quot;باجينquot; الاسرة، الضباب، القيام الجديد، حلم البحر، شادين، برعم، الثلج، الحياة الجديدة، ثلاثية الحب (الضباب، المطر، البرق)، وثلاثية التيار الشديد، ومن رواياته القصيرة الانتقام، الجنرال، الاله والشيطان والبشر، ومن أعماله التي عكست وكشفت الحقائق المظلمة في المناطق التي سيطر عليها حزب الكومينتانغ الرجعي، quot;الليلة الباردةquot;، وquot;الغرفة الرابعة للمرضىquot;، بالاضافة الى ترجمته لرواية quot;الربيع في فصل الخريفquot;.

[email protected]