جماعة الناصرية للتمثيل تقدم "درس" يونسكو في الملتقى الثقافي العراقي الأول

حوار عدنان الفضلي: جماعة الناصرية للتمثيل، واحدة من الجماعات المسرحية القليلة في العراق التي مازالت تواصل نشاطاتها المسرحية منذ أكثر من (13) عاماً، بالاعتماد على قدراتها الذاتية إنتاجاً وإعداداً للكوادر الفنية التي إخترقت الساحة المسرحية العراقية، لتسقط مقولة (مسرح العاصمة) و (مسرح المحافظات)، فقد إستطاعت الجماعة أن تنشيء حياة مسرحية حقيقية في مدينة الناصرية، إضافة لحضورها الكلي في المشهد المسرحي العراقي من خلال مشاركتها الواسعة في أغلب مهرجانات المسرح العراقي، ولعل مشاركتها الأخيرة في الملتقى الثقافي العراقي الأول المنعقد في بغداد للمدة من 27 – 30 / أيلول / 2005، حيث ستقدم مسرحيتها الجديدة (الدرس) تأليف الكاتب الفرنسي يوجين يونسكو وإخراج الفنان ياسر البراكخير دليل على ذلك، وللوقوف على أهمية هذه التجربة في مشروع جماعة الناصرية للتمثيل، كانت لنا هذه المحاورة مع مؤسسها ومديرها ومخرجها المخرج والناقد ياسر البراك الذي حدثنا عن مسرحية(الدرس) قائلاً : تأتي مشاركتنا في الملتقى الثقافي العراقي الأول ضمن مشروع الجماعة المسرحي الذي يسعى في أحد مساراته إلى الخروج من طوق العزلة التي فرضتها سياسات المؤسسات المسرحية السابقة التي كرّست مركزية العاصمة على حساب المحافظات إذ جعلت منها وبشكل قصدي ( هوامش مسرحية ) في حين أن المحافظات تاريخيا هي التي كانت تملأ الفراغ الذي ينشأ في مسرح العاصمة عبر الكفاءات المسرحية التي تأتي في أغلبها من الجنوب، حيث بريق الأضواء في العاصمة، والتهميش والإلغاء الذي ينتظرها لو بقيت في تلك المحافظات، لقد آن الأوان لنسعى جميعاً كمسرحيين إلى إسقاط سلطة المركز وتعزيز سلطة الهوامش، لنجعل من جميع محافظاتنا مراكزاً مسرحية مؤثرة في رسم خريطة المسرح العراقي، عبر توفير بنية تحتية مسرحية في المحافظات لا تقل قيمة عن البنية المسرحية التحتية في العاصمة، أما عن مسرحيتنا ( الدرس ) فهي محاولة لاختبار مدى قدرة أطروحتنا المسرحية ( المسرح الاسقاطي ) التي اقترحناها خطابا جديدا في بنية المشهد المسرحي العراقي على التعامل مع النصوص العالمية، خاصة تلك النصوص التي تنتمي لمذاهب أو تيارات مسرحية معينة مثل ( مسرح العبث )، لذلك فإننا حاولنا تقديم نص يونسكو انطلاقاً من فهمنا ( الاسقاطي ) لتيار مسرح العبث عبر إقتراح فرضيات جديدة نعتقد أننا نجتهد فيها بدءً من اقتراح ( المكان الوحشي ) كفضاء سينوغرافي للعرض، ومروراً باعتماد الجملة السينمائية شفرة بصرية مركزية بداخل بنية السرد المشهدي الدرامي، وانتهاءً بإعادة صياغة أفكار النص وتسلسله الدرامي بما يتناسب مع المرجعيات الفلسفية للمسرح الاسقاطي، ونرى أن كل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الأداء الجيد على الخشبة. أما الممثل ( عمار نعمة جابر ) الذي يمثل شخصية ( الأستاذ ) فقد سألناه عن فهمه لهذه الشخصية فأجابنا : هي شخصية في الستين من عمرها وتمتاز بالتعقيد لأنها مركبة في بناءها الداخلي، حيث تلعب الشخصية في مساحات فكرية عميقة تتراوح بين المحاولة الظاهرية للظهور بشكل الأستاذ المهذب والهاديء، وبين التوجه نحو الدوافع اللاشعورية القاتلة والمحبوسة في اللاوعي والتي تعبر عن مدى بشاعة الانحدار نحو هاوية التفكير الجنسي الشاذ بالتلميذات الصغار، ولذة القتل بعد الاغتصاب التي تمثل ردة فعل طبيعية للعلاقة الشاذة التي تربط الأستاذ بالخادمة التي تمثل شكلاً من أشكال السلطة على شخصية الأستاذ الذي يمثل رمزاً واضحا لمشاكل فكرية تدب في الوسط التربوي وتحوّل المؤسسة التعليمية إلى مقبرة تقتل فيها كل القابليات الفكرية.
وترى الممثلة ( حميدة مكي ) التي تؤدي دور ( التلميذة ) وهي إحدى الممثلات القلائل اللواتي مازلن يتواصلن مع فن التمثيل رغم كل الصعوبات الاجتماعية التي ترافق عمل المرأة في المسرح حيث تواصل عملها مع الجماعة منذ تأسيسها حتى الآن، أن شخصيتها أقرب إلى الشخصيات الواقعية المطعمة بمسحة غرائبية، وهي سمة أساسية من سماة شخصيات يونسكو وقد بذلت جهداً كبيراً لتجاوز فارق السن بيني وبين الشخصية، عبر الأزياء والماكياج والتعبيرات الطفولية التي تنسجم مع عمر الشخصية، في حين يجد الممثل ( علي بصيص ) الذي يؤدي دور ( الخادمة ) : أن الرؤية الإخراجية قد وضعتني أمام خيارات صعبة حينما أسند لي المخرج دور الخادمة، إذ أراد أن يجعل من هذه الشخصية محركاً رئيسياً للإحداث من خلال تأويل العلاقة بينها وبين شخصية الأستاذ، فهي شخصية مركبة، إخطبوطية، خطيرة، تسهم بفعل الجريمة عبر الإيحاءات اللاشعورية، ويأتي ذلك من خلال كوميديا سوداء هي شكل العلاقة بين الشخصيتين، إنها تشعر أن أنوثتها غير مكتملة فتمارس سلطة ذكورية على الأستاذ، وهي رمز لكل سلطة تطيح بالكيان الإنساني وتمحو وجوده.
وقبل أن يفتح الستار عن مسرحية ( الدرس ) يوم 28 / 9 / 2005 على خشبة المسرح الوطني في بغداد ستكون أحلام ( جماعة الناصرية للتمثيل ) بالنجاح وتحقيق الأثر المطلوب، مؤجلة بإنتظار أن يعلن الجمهور المسرحي رأيه بهذه التراجوكوميديا الغرائبية التي تقدم لأول مرة على خشبات المسرح العراقي رغم شغف المسرحيين العراقيين بنصوص يونسكو.