يشكك الكاتب الإسرائيلي نمرود نوفيك في واقعية التطلعات التي أعرب فيها الأمير تركي الفيصل خلال حوار المنامة عن أمله في أن يواصل ترامب جهوده لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. الكاتب يسلط الضوء على التصريحات اللاحقة لترامب التي بدت وكأنها صدمة للقادة الإقليميين، حيث أكد مجددًا استراتيجيته في الابتعاد عن التدخل في أزمات المنطقة، ما يطرح تساؤلات حاسمة: هل يمكن للمنطقة أن تعتمد على ترامب لتحقيق استقرار مستدام؟
بقلم نمرود نوفيك*
في خطوة أثارت الاهتمام خلال حوار المنامة الذي انعقد في البحرين، تحدث الأمير تركي الفيصل، الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية والسفير السابق لدى واشنطن ولندن، عن تطلعات المنطقة لاستمرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جهوده لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
الأمير تركي عبّر عن أمله في أن يواصل ترامب مسيرته قائلاً: "الدول الصديقة في المنطقة تأمل أن يواصل السيد ترامب ما بدأه من قبل لإحلال السلام... في الشرق الأوسط". هذه التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية في السابع من كانون الأول (ديسمبر) 2024، سلطت الضوء على آمال القادة الإقليميين في استعادة الاستقرار وتحقيق تقدم ملموس على مسار السلام.
ولكن لم تدم هذه الآمال طويلاً، إذ جاء رد ترامب بعد أيام قليلة مخالفاً للتوقعات تماماً. ففي موقف يعيد إلى الأذهان تصريحاته السابقة خلال ولايته الأولى، حين وصف الهجمات على المنشآت النفطية السعودية بأنها "ليست من شأننا"، نشر الرئيس الأميركي تعليقاً عبر شبكته الاجتماعية بشأن الأحداث الدامية في سوريا قال فيه: "سوريا في حالة فوضى... لا ينبغي للولايات المتحدة أن تفعل شيئًا حيالها". هذه التصريحات بدت وكأنها صدمة للقادة الإقليميين الذين كانوا يأملون في دعم أميركي فعّال لاستقرار المنطقة.
استراتيجية التجاهل وتكاليفها الباهظة
أحداث العام الماضي، التي شهدت تصعيدًا عنيفًا في الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية وأزمات متصاعدة في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، لم تدفع ترامب إلى إعادة النظر في استراتيجيته. يبدو أنه تجاهل الدروس التي تعلمها أسلافه، والقائمة على حقيقة أن إدارة الظهر للأزمات في الشرق الأوسط تنطوي على مخاطر هائلة، ليس فقط لمصالح الولايات المتحدة بل أيضاً لحلفائها في المنطقة.
تجربة إدارة بايدن المنتهية ولايتها تقدم درساً واضحاً في هذا الصدد. فمع تجاهلها تقديم حلول دبلوماسية وقائية في وقت مناسب، وجدت نفسها في مواجهة أزمة أمنية متفاقمة. وبالتالي، فإن ترك الأوضاع تتدهور دون تدخل فعال يُعرّض الإدارة الأميركية المقبلة لتحديات معقدة قد تفرض نفسها بقوة على أجندتها السياسية.
مسؤولية القادة الإقليميين
في ظل هذا المشهد، تقع على عاتق القادة الإقليميين مسؤولية تجاوز مجرد التعبير عن القلق، والسعي للتأثير على مسار السياسة الأميركية. فهناك قادة يتمتعون بمصداقية كبيرة لدى الإدارة الأميركية الجديدة ولديهم القدرة على الوصول إلى دوائر صنع القرار في واشنطن. هؤلاء القادة يمتلكون فرصة استثنائية لإقناع الرئيس ترامب بأهمية المشاركة الفعالة في تهدئة الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية وإعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية الأوسع.
رهانات جديدة على المشاركة الإقليمية
إقناع ترامب لن يكون سهلاً، لكنه ممكن من خلال استغلال ميله المعروف إلى اتخاذ القرارات ذات الطابع "المعاملاتي". القادة الإقليميون يستطيعون طرح رؤية متكاملة تقدم التزامات واضحة قد تشكل تغييرًا جذريًا في قواعد اللعبة. من بين هذه الالتزامات، يأتي استعداد القوى الإقليمية لتحمل مسؤولية إعادة بناء غزة بعد انتهاء الحرب وخروج القوات الإسرائيلية. كما يمكن أن يشمل ذلك تقديم الدعم للنظام السياسي الفلسطيني لمساعدته في تنفيذ إصلاحات شاملة تسهم في تعزيز الاستقرار.
التطبيع والسلام كأدوات استراتيجية
على صعيد آخر، يمكن للقادة الإقليميين إعادة إحياء عرضهم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة أن تلتزم بحل الدولتين وتثبت جديتها عبر خطوات ملموسة. هذا العرض ليس فقط خطوة نحو تحقيق السلام، ولكنه أيضاً يُلبي طموح ترامب في تعزيز العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، خصوصاً المملكة العربية السعودية.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهم هذه المبادرات في تأسيس تحالف إقليمي يهدف إلى تعزيز الاستقرار ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وفي مقدمتها التهديدات الإيرانية. هذا النهج ينسجم مع رؤية ترامب التي تسعى إلى تحميل القوى الإقليمية مسؤولية أكبر عن الأمن الإقليمي.
إسرائيل ذات التوجه السلمي
لتحقيق هذه الرؤية، يتطلب الأمر تحولاً جوهريًا في السياسة الإسرائيلية. فالنهج المقترح الذي يعتمد على مشاركة أميركية وإقليمية فاعلة من شأنه أن يُحدث تأثيرًا داخليًا داخل إسرائيل، حيث قد تُحفّز أغلبية الإسرائيليين على الضغط لتغيير سياسات حكومتهم المتطرفة. ولا يمكن للقادة الإقليميين الذين يمتلكون مصداقية عالية أن يقنعوا الإسرائيليين بجدية هذه العروض إلا من خلال مخاطبتهم مباشرة باستخدام وسائل الدبلوماسية العامة.
دروس الماضي
هناك سوابق تاريخية توضح أهمية المخاطبة المباشرة للشعب الإسرائيلي. فزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس غيّرت وجهات النظر السائدة في إسرائيل تجاه السلام.
وفي الآونة الأخيرة، لعب مقال رأي واحد للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، دورًا حاسمًا في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، حيث وضعهم أمام خيارين: الضم أو التطبيع. النتيجة كانت رفضًا شعبيًا لخطة الضم، مما مهد الطريق لاتفاقيات إبراهيم.
الفرصة الأخيرة
مع اقتراب ولاية ترامب الثانية، يُحذّر المراقبون من خطط الضم الإسرائيلية التي تدعمها الأقلية المسيانية المتطرفة. وعلى القوى الإقليمية ألا تدخر جهدًا في إقناع الإدارة الأميركية الجديدة بضرورة الوقوف في وجه هذه المخططات والعمل على اغتنام الفرصة التاريخية لإنهاء الصراع، وتعزيز مسار السلام، واستعادة الاستقرار الإقليمي.
في نهاية المطاف، فإن النجاح في تحقيق هذه الأهداف سيعود بالنفع على المنطقة بأسرها، وسيخدم تطلعات الفلسطينيين والإسرائيليين في السلام، كما سيعزز المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
* نمرود نوفيك مستشار سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز، وعضو في منظمة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، وزميل في منتدى السياسة الإسرائيلية ومؤسسة التعاون الاقتصادي.
التعليقات