من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا في سلوكه وتصرفه وحسب، بل يعتبر ساقطًا من الحكم والملك كذلك.
ولو جاءني أحدهم قبل سقوط الطاغية، وقال: إنَّ سقوط الأسد سيكون أمرًا يسيرًا وسهلًا وشبه آمن، على النحو الذي حدث وشهدناه، لقلت له: أنت مجنون ومعتوه وعليك بحجز حجرة في "العصفورية"، على الفور وعلى عجل.
بعد مضي ما يقارب الشهر على سقوط الأسد وتحرير "الشام"، فرحتي بسقوط الطاغية لا تزال على حالها، متجددة ومكتملة ولا تشوبها شائبة، ولا يهمني من أسقطه، فالحدث بعينه هام وجلل، والأمور الأخرى، كل الأمور الأخرى المرافقة للحدث العظيم، تبقى مجرد تفاصيل جانبية وعابرة.
إقرأ أيضاً: نهاية ب ك ك
أشعر بالشفقة على كل سوري متوجس ويشكك بنوايا المحررين من أصحاب اللحى، وأشعر بالأسف تجاه كل سوري فرحته ليست كاملة بسقوط النظام. وعن نفسي أستطيع القول: أنا متفائل، ومطمئن جدًا لقادم الأيام، وسورية ستكون بخير، وهي في أيدٍ أمينة. أثق بالسيد الشرع ورفاقه، وسورية المحررة تحتاج لحركة وقوة منضبطة، حركة قادرة مقتدرة وموحدة وذات خبرة. والإدارة الانتقالية التي يقودها أحمد الشرع اليوم تمتلك كل تلك المقومات. أعتمد في تفاؤلي على الوقائع من مجريات الأحداث خلال عملية التحرير وما بعد عملية التحرير، والأفكار التي أدلى بها السيد الشرع نفسه، وطروحاته بخصوص مستقبل سورية، وطريقة فهمه للمراحل القادمة وكيفية إدارتها ووضع الحلول لها. كل هذه الأمور مجتمعة تدعو للتفاؤل والطمأنينة.
أيضًا، منذ انطلاق عملية ردع العدوان في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وإلى يومنا هذا، لا شيء يدل على أننا أمام حقبة إسلاموية راديكالية، لا على الإطلاق. ربما حقبة إسلامية معتدلة وعقلانية؟ نعم، ربما، ولا ضير في ذلك. فخلال عمليات تحرير المدن السورية، والتي جرت بسرعة وبأقل تكلفة وعلى أكمل وجه، لم نرَ تشددًا إسلامويًا ولا من يحزنون، وبعد تحرير دمشق لم نشهد أي مظهر من مظاهر التشدد أو الغلو في التعامل مع الآخر الخاسر. لا بل على العكس تمامًا، كان أداء الثوار منضبطًا ومتسامحًا إلى أقصى حد، الأمر الذي يدعو أيضًا للتفاؤل بالخير وعدم التوجس.
إقرأ أيضاً: سورية جميلة وعطرة كالياسمين
السيد أحمد الشرع، قائد الإدارة الانتقالية في سورية، أرى فيه محررًا وربما رئيسًا ناجحًا لسورية القادمة، إذا استمر على ما هو عليه اليوم. وعلى جميع السوريين دعمه والوقوف بجانبه، مادام الرجل يعمل على "تأسيس الدولة على الشكل الصحيح"، حسب قوله. وما دام يعمل على أن تكون "سورية مثل الدول المتقدمة في غضون سنوات عدَّة"، أيضًا حسب قول السيد الشرع. وما دام سيحل جماعته "هيئة تحرير الشام" وسيلتزم بالدستور القادم للبلاد، الدستور الذي سيكتبه الجميع، والذي سيتفق عليه الجميع، وما دام يعمل على بناء دولة القانون، الدولة القائمة على المساواة بين كل أطياف المجتمع السوري.
المأخذ الوحيد على السيد الشرع منذ بداية عملية التحرير وليومنا هذا، هو عدم مصافحته الوزيرة الألمانية خلال زيارتها لدمشق مؤخرًا. وإذا كان بإمكانه تحرير سورية، فنحن بإمكاننا مصافحة الوزيرة الحسناء، لا بل حتى عناقها وإغراقها بالقبلات، إذا لزم الأمر.
التعليقات