بشار دراغمه من رام الله: أقام المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني حوارا ثقافيا بعنوان ( دور المسرح في الثقافة). أدار الحوار المخرج المسرحي، طاهر باكير، مخرج ومؤلف مسرحية quot; صاحب الصورة quot;، الذي اعتبر الفن موقدا للثقافة، والمسرح أبو الفنون جميعها لأنه يشمل فن التمثيل والرسم والموسيقى والغناء والديكور...واعتبر أيضا أن المسرح يعني لقاء الإنسان بالإنسان على أرض المعاناة والبهجة، وهو اشتباك مع أحداث ومواقف تدعو إلى لقاء الإنسان بجوهره، وبجوهر إنسانيته فيحدث الصدام والاشتباك والانتقاد والاحتكام والمحاكمة. وأضاف أن منصة المسرح هي قضية الإنسان فينا بحيث ماذا نفعل بحياتنا، ماذا نفعل بالحياة، وماذا نفعل للحياة.
أما المتحدث الرئيس، المسئول الفني في quot;تنويرquot;، نعيم جاموس، ومخرج ومؤلف مسرحية quot; الطوفان quot;، فقد تحدث عن تطور الفن في سياقه التاريخي معتبرا الفن كممارسة إنسانية كان جزأ من الطقوس والاحتفالات الدينية يتضمن تقديم القرابين للآلهة لدرء مخاطر الشر وتجنب غضبها.وفي القرون الوسطى جزءا من التراتيل الكنسية...
أضاف المتحدث: quot; إن المحنة لا تتعلق بمحنة المسرح كأداة تعبير جماهيرية، ولا تكمن في منصته المسرح، ولا في توفير الكادر والتقنيات والإضاءة والملابس والمكان والتسويق، فعلى أهمية هذه العناصر فانه يمكن تخطيها ومعالجتها، لكنها تمتد إلى رقعة الوطن والأمة، وهي محنة المجتمع كله، لأنها محنة الإنسان وقيمه الجوهرية، منوها، ثمة محنة شاملة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، مشيرا أنه ثمة ثورة اجتماعية مجهضة، وديمقراطية متآكلة، وفسادا ينخر، وضلالا فكريا، وانحدارا في القيم الأخلاقية، والاهم من ذلك هو الرقابة المتشددة ليس على المسرح فقط، وإنما الرقابة المشددة على الحوار الاجتماعي كله، وإجهاض الصراع الاجتماعي كله، رابطا، ازدهار المسرح بتحرير العقل والفكر والإنسان وإنسانيته، ومشاركته في تقرير مصيره ومستقبله.
وفي مجال التخصص المسرحي، تحدث جاموس، عن تبلور نظريتين للمسرح منذ أرسطو حتى يومنا هذا؛ الأولى تسمى ( نظرية التطهير ) لأرسطو تثير عاطفتي الخوف والشفقة لدى المشاهد فيدعى للتطهير منهما. أما النظرية الثانية فهي (نظرية التغريب)، للألماني برتولد بريخت، فهي تدعو لجعل المألوف غريبا وغير متوقع فتحدث عنده ما يسمى بصدمة المعرفة بحيث يدعوك لتقبل الشيء المألوف أو رفضه للتمرد على حتميته وقدريته. وتطرق جاموس، إلى 19 عنصرا من عناصر البناء الدرامي للمسرح عند بريخت أصبحت تعرف لدى المسرحين بعناصر البناء الملحمي للمسرح الحديث.
وتطرق جاموس، للمسرح العربي، معتبرا السوري أبو خليل القباني أول من أسس المسرح، بخلاف بعض الحضور، الذين أشاروا إلى مارون نقاش اللبناني كرائد للحركة المسرحية العربية منذ ما ينيف عن 150 سنة، quot; الذي يعتبر أول من حاول الفن المسرحي في نهضتنا الحديثة محاولة جدية قاصدة quot; حسب المؤرخ المسرحي د.يوسف نجم. أما نقاش وكوكبة أخرى من المسرحين اللبنانيين هم من بذر بذرة المسرح العربي التي لم تنضج وتزهر في لبنان وإنما نضجت وأزهرت في مصر حتى بلغت اليوم أرقى مستوياتها تأليفا وإخراجا واداء. وأشار إلى المسرح الغنائي العربي الذي دبت فيه الحياة من جديد بأعمال الرحابنة وصوت فيروز الملائكي. هذا النوع من المسرح الذي لم يمت، وإنما دفن حيا، في الأدراج التي تحوي على عشرات الاوبريتات الحية لسيد درويش، وزكريا أحمد، وداوود حسني، وهي مناجم فنية يراد لها الدفن، لما فيها من قيم اجتماعية، ودلالات شعبية متقدمة تصدح بصوت درويش الذي يؤكد على أن الأرض لا تزال تتكلم عربي.
وبخصوص المسرح الفلسطيني، تطرق جاموس، إلى بعض الملاحظات الايجابية لاهتمام المسرح الوطني بقضايا الوطن، والذي بدء منذ 1972 واستمر حتى الآن مع فترات متقطعة نتيجة ظروف خاصة، ذاكرا أسماء فرقة، بلا لين، صندوق العجب، وفرقة جامعة بير زيت. وعزا أزمة المسرح إلى أن جل الممثلين كانوا هواة وليسوا متفرغين لكنهم تقدميين، فقر الإمكانيات المادية، وصعوبة الحصول على التراخيص من الحكم العسكري باستثناء القدس بحيث كانوا يلجأون للتحايل والالتفاف بتشكيل فرق محلية تحت أسماء مرخصة في القدس، وهناك أزمة الموافقة على النصوص المسرحية من الحكم العسكري أيضا والتي لم يتم الموافقة على بعضها حتى يومنا هذا! وكنا نلجأ للتحايل ثانية باستبدال أسماء مسرحيات غير التي نعرضها كمسرحية الفرافير مثلا.
أما في نابلس بدء المسرح بعرض بائع الصبر سنة1976 قدمها مسرح الزيتون، وتقديم مسرحية للكاتب سعد الله ونوس، والأعمى والأطرش لكنفاني، والطوفان، وصاحب الصورة ودائرة الوقوف، ورائعة لكع بن لكع لإميل حبيبي.....
بعض الحضور، عزا الهبوط المسرحي لوجود الفضائيات والتلفزيون، وهل يحمل المسرح من اثارة وعناصر منافسة للتلفزيون ليدعوك للخروج من البيت؟
أشار البعض إلى الدور النسائي الغير متوفر عادة، وتقمص بعض الشباب هذا الدور يضعف طبيعة المسرح.
البعض اعتبر إغفال الجانب الاجتماعي في إفشال المسرح والتطرق إلى دور الاحتلال وحده، ليس موضوعيا، واعتبر الأخطر هو الفئات المحلية المتدينة المتشددة، وإلا لماذا احرق في نابلس المركز الذي تدرب فيه أسرة مسرحية بائع الصبر، ولماذا تهدد دور السينما بالحرق، ولماذا أحرقت بعض سيارات الممثلين في فترة السبعينات؟ هل هذا من عمل الاحتلال؟ أم من عمل القوى الاجتماعية المحافظة؟ ومن منع عرض مهرجان التراث الشعبي في قلقيلية والذي استدعى لذلك، فتوتين دينيتين في الصحف اليومية، أحداها تحرم، والأخرى لا تحرم المسرح!
وتطرق البعض الى المسرح عند الأخر الإسرائيلي، الذي يعتبر المسرح من أهم الفنون لأنه تحول في السنوات الأخيرة من مسرح قومي ترويجي للفكر الصهيوني الى مسرح نقدي لاذع ليس فقط للمفاهيم الاجتماعية والسياسية والدينية والسلطوية وإنما لسياسة الحكومة بشأن الحرب والسلم. والاهم لهذا المسرح الذي نشأ خارج وطنه، أحضر معه كل ما توفر في هذا الخارج في مجال الثقافة والحضارة إلى أرض فلسطين ليوظف في خدمة الكيان الصهيوني في اقامة دولة يهودية، وهذا ما ورد في كتاب quot; الأنا والأخر، ومتاهة الواقع quot; تأليف شمعون ليفي، الذي يعد أهم الباحثين في المسرح ورئيسه في جامعة تل أبيب.