ايلاف: تعتبر فرقة التجريب المسرحي الايراني واحدة من الفرق المسرحية الناشطة في الوسط الفني في السنوات الاخيرة. قد قدمت الفرقة العديد من الأعمال التي حظيت باهتمام الوسط الثقافي والمسرحي خصوصا في عملها الأخير الذي حمل عنوان quot;الشاعرة التي صيّرت الموت عاشقا quot;فهو التجربة الأكثر نضجا في مسيرة الفرقة، من اخراج كيومرث مرادي، وتأليف الكاتبة نغمة ثميني.
وتدور أحداث العمل حول شاعرة تقصد قلعة الموت في محاولة منها لقتله والانتقام لجميع أفراد قبيلتها الذين غيّبهم الموت، لكنه تقع في أسره لسنوات طويلة، ثم يقع الموت في غرامها، ومن زواج الموت بالأرض يولد طفل، فيما تنجب الشاعرة طفلا هو ثمرة زواجها بالمطر، وفي نهاية المسرحية تموت جميع الشخصيات باستثناء ابن الشاعرة والمطر.
وما يميز هذا العمل عن أعمال أخرى سبق ان قدمتها الفرقة،هوتقديم حكاية اسطورية باسلوب معاصر اعتمد على عمق الحكاية وارتباطها الوثيق بالمخيال الجمعي، وتقديم صياغة فنية جديدة لثيمات كلاسيكية تبلورت في سياق الجدل القائم بين الخير
والشر والجمال والقبح، كما اهتمت المؤلفة باتخاذ موقف الحياد من الشخصيات السلبية،ومنحها فرصة أكبر للتعبير عن هدفها في الحياة، فلم يظهر الموت على سبيل المثال في هذا العمل على هيئة إمراة عجوز قبيحة المنظر بقدر ما هو عاشق وسيم، يعبّر عن مشاعره الصادقة في بحثه عن الحب، لكنه محكوم في الآن ذاته بمصير خارج عن ارادته، يحول دون تحقيق أمنيته في الاقتران بالشاعرة، فيضطر الى الزواج من الأرض.وقد كان المخرج موفقا في إخفاء شخصية الموت الى نهاية العمل، فالشخصية التي تقدم نفسها باعتبارها رسولة الموت هي في حقيقة الأمر الموت نفسه،، وقد نجح المخرج في نقل دراما الاسئلة الجوهرية الى أعماق الشاعرة، وهو توظيف بارع حال دون انتصار الموت على الشاعرة من خلال حضوره الشخصي المباشر وربما لهذا السبب، تستطيع الشاعرة الانتصار على الموت بمجرد أن يفضح ابنه سر حقيقته..وهو انتصار رمزي، لايتم عبر القتل والعنف بقدر ما يتم عبر المشاعر الحقيقية التي تهيمن على روح وجسد الموت، فان يفنى الموت عشقا هو انتصار للشاعرة التي استطاعت أن تحقق الأبدية للبشرية من خلال رؤيتها للمضامين الانسانية الكبرى المبثوثة في قصائدها، وهو انتصار حقيقي لايمارس أي ابتزاز ولايدفع المنتصر quot;الشاعرةquot; الى استثماره وفق معايير القوة، فهي تعد عدتها للرحيل بعد أن حققت أمنيتها وقدمت للانسانية مولودا جديدا هو ثمرة زواج الشعر والمطر.
ولابد من الاشارة الى براعة مصمم الديكور ودقته في التوزيع الضوئي والتغيرات البصرية التي ساعدت عنصر الايحاء سواء باجواء الرهبة في المشهد المتعلق بدخول الشاعرة الى قلعة الموت وممراتها ودهاليزها المرعبة، او في المشاهد التي تزامنت مع معرفة الشاعرة باستقرارها على مدى سنوات طويلة محتجزة في القلعة.