مراجعة هيثم يحيى الخواجة: في مقدمة كتبتها الدكتورة سامية حبيب عن كتابها ( مي زيادة كاتبة مسرح ) تشير إلى مجموعة نقاط حول اكتشافها لنصين مسرحيين للكاتبة مي زيادة التي لم يعرف أحد بأنها كاتبة مسرح قبل هذا الكتاب ومن ذلك:

1- إن الدراسات النقدية أهملت طويلاً دور المرأة في كتابة الدراما والدليل على ذلك الإهمال الطويل لأديبة رائدة مثل مي زيادة دون إشارة أو دراسة إلى نصيها المسرحيين..
2-النص الأول لمي زيادة عنوانه ( يتناقشون ) ونشر عام 1922 ضمن كتابها ( المساواة ) وصدر عن دار الهلال المصرية..
3-النص الثاني الذي كتبت عليه اسم تمثيلية عنوانه: ( على الصدر الشفيق ) وقد كتبته العام 1923 مواكبة في ذلك تجمع النساء عند مدخل المجلس عام 1924 وعن حاملات لافتات كتبن فيها ( نطالب بالمساواة بين الجنسين في التعليم ) ( علموا بناتكم واحترموا نساءكم )
وحول النص الأول ( يتناقشون ) تقول الدكتورة سامية حبيب ( إن التقييم النقدي للدراما في هذا النص قد يصل إلى أنه غير مكتمل أو لا يصلح للتمثيل، والأمل صحيح بصورة ما، لكن تاريخ المسرح العالمي عرف مثل هذه الأنواع الدرامية مثل مسرحية القراءة وهي المسرحية التي تلائم القراءة أكثر مما تلائم التمثيل أو مسرحية راكدة وهو مصطلح انكليزي والمقصود به المسرحية التي لا تتطور شخصياتها أو مواقفها وتعتمد على الحوار دون عناية بالحركة المسرحية)..
ورأت بأن النص عبارة عن نقاش بين مجموعة أشخاص حول موضوع المساواة ونظرة الرجل للدور الاجتماعي للمرأة وحول المساواة المادية..
أما النص الثاني ( على الصدر الشفيق ) فتقول عنه:
( نلاحظ من اسم النص ( على الصدر الشفيق ) أنه يشكل جملة ناقصة تولد تساؤلاً واستفهاماً، ما الذي أومن الذي على الصدر الموصوف بالشفيق ؟ والكلمة صفة مبالغة من الشفقة، إن العنوان يولد تشويقاً لمعرفة ما خفي من معنى خلال الأحداث )..
وتتحدث عن غياب الشخصيات النسائية في النص وعن قلة الحوادث وقلة الشخصيات وأن المسرحية من نوع الفصل الواحد وأن المرأة الأم هي محور الحدث الدرامي حيث أن الطالب صبحي يتحدث عن حرص أمه الشديد على صمته وهذا ما يجعله في ضيق دائم أما زكي فهو مهمل من قبل أمه بسبب انشغالاتها، وتبدو الأم قاسية لكن هذه القسوة تنطلق من الحرص الأمومي على الأبناء..
وتشير الدكتورة سامية حبيب إلى السياق التاريخي لظهور نص على الصدر الشفيق حيث رأى النور العام 1923 في الوقت الذي شاركت فيه المرأة الرجل في مقاومة الاحتلال الإنكليزي وفي الوقت الذي كانت فيه المرأة تطالب بالمساواة بقوة..
ولا تغفل الدكتورة سامية عن توصيف مسرحية مي زيادة بنوع مسرح الدعوة..
وفي نهاية مقدمتها تثبت في كتابها مي زيادة كاتبة مسرحية من خلال النصين المشار إليهما آفقاً..

رؤية ورأي
من خلال قراءتي للنص الأول ( يتناقشون ) وجدت بأن هذا النص المسرحي متواضع في قيمته وفنياته، إذا ما قيس إلى فن المسرحية الجيدة بشروطها الفنية ومتواضع أيضاً في معالجة الفكرة التي لها قيمة ماضباً وحاضراً، وإذا كان لا يحق لنا أن نحكم على قيمة النص المسرحي إلا من خلال سياقة الزمني والمكاني، فإن نص مي زيادة جيد في زمانه ومكانه ولعل موضوعه هو الذي منحه هذه الأهمية أكثر من شكله الفني، حيث يغيب الصراع إلى حد كبير في النص ويغيب تنامي الحدث، لأن هذا النص لا يتعدى حواراً بين أشخاص يتسامرون أو لنقل يتناقشون حول قضية المساواة، ولئن كنا نسجل لمي زيادة هذه اللغة الراقية التي تقترب كثيراً من لغة المسرح إلا أنها لم تلتفت إلى صياغة مسرحية متكاملة مع أنهـا ndash;كما أشارت الدكتورة سامية ndash; مطلعة على المسرح الغربي الذي كان متقدماً في تلك الفترة..
إن مايدعو إلى الاستغراب هو عدم وجود نهاية للمسرحية وعدم تكامل النص المسرحي شكلاً ومضموناً، وما يمكن إضافته هو هذا الحوار الطويل الذي لا يفجر حدثاً ولا يطوره بل يلهث وراء حوار يريد أن يفصح عن وجهة نظر تتعلق بالمساواة..

( الأستاذ سامي:( يبتسم ابتسامة كلها عطف ) البحث عن السعادة! ربما كان هذا ضلال الإنسانية الأكبر.
مي:وكيف ذلك ؟ إنك تسلبنا أملاً جميلاً، يا أستاذ.
الأستاذ سامي:إن للإنسان حقاً في البحث عن الأمر المستحب لا سيما إذا كان واسطة لنموه، ولكن التاريخ يرينا أن الإنسانية إلى اليوم مريضة، مريضة بأطماعها وأشواقها وحاجتها وطبيعتها، ومرضها هو الحياة بعينها، فتتقلب على فراش المرض بتغير النظم وتبديلها حاسبة بنومها على هذا الجانب الآخر، أي أنها إنما تغير النظام، وهي لكذلك إلى الأبد.
زكي أفندي:( معجباً دهشاً ) كلام الأستاذ أستاذ الكلام! ( باسطاً ذراعيه بافتتان ) دام فضلة ينبوعاً نستقي منه يا أستاذ ( تدق يده بكتف أنتوانت التي تتبعد مستاءة) آه، بردون مدموزال! كيف بدرت مني هذه الإساءة ؟ ما أجمل هذا الثوب وما أدق ذوقك ( تحدث حركة بين الحاضرين فيتململون للنهوض)..
أنتوانت:( متثائبة ) حقاً إن الرجال من هم بلا لطف، كأنهم لا يشعرون بوجود السيدات والفتيات معهم، لن أزور مي بعد هذه المرة إلا يوم تكون وحدها، أو يوم يكون المجتمعون أقل ثقلاً وغطرفة ( تمظر بدلال إلى تطريز ثوبها ).
بانش:( ضاحكة ) مع أن زكي أفندي امتدح جمال ثوبك وحسن ذوقك..
أنتوانت:( متأففة ) هذا لا أريد منه إطراءً ولا ثناءً ( بتأفف مزج بشيء من الدلع ) لقد قررت في سري ألا أتزوج إلا رجلاً ذكياً حتى إذا شاء أن يمتدحني فعل ببلاغة، وإذا أراد أن يذمني ذم بكياسة وأناقة.)..

أما عن مسرحية ( على الصدر الشفيف ) فالأمر يختلف فهناك توجه حقيقي من مي زيادة لكتابة نص مسرحي حيث كتبت عنوان المسرحية، وأدرجت تحته رواية تمثيلية ذات فصل واحد بأربعة مشاهد وهناك أمور أخرى أيضاً التعريف بالشخصيات والحديث..
وعن ملامح المكان والزمان إضافة إلى تحديد المشاهد وتحديد سمات الشخصيات مع إشارات تفيد المخرج لكن المسرحية بشروطها الفنية المعتمدة لا ترتقي إلى النص المسرحي ذي الحدث المتنامي والصراع الواضح كما لا نلاحظ تطوراً في سمات الشخصية وما يغلب على المسرحية السردية التي تدور حول فكرة سيطرت على ذهن المؤلفة وأرادت أن تعكسها في نص مسرحي..
( زكي:( يطرق طويلاً، وأخيراً يقول بصوت منخفض كمن يشكو علة أليمة لا دواء لها ويشكوها بأخف الألفاظ الممكنة )، أمي لا تحبني لتعنى بتأثري.
الدكتور راجي:( خائفاً أن يفهم ) ماذا تقول يا زكي ؟
زكي:( بحزن متناهي الحلاوة ) أقول هذا الشيء الهائل البسيط الذي لا يصدق: أمي لاتحبني.
الدكتور راجي:لعلها غير ودودة بطبيعتها.
زكي:قلما فكرت في التحليل والتشريح فيما يتعلق بها، ولكنها لا يصعب عليها أن تضحي بسروري وراحتي..
الدكتور راجي:تضحي بسرورك وراحتك في سبيل من ؟ )

سؤال وتساؤل
ثمة سؤالان الأول هو أنه يجدر بالمدقق أن يطرح ما يأتي: هل هذان النصان هما الوحيدان عند الكاتبة مي أم إن زيادة نصوصاً أخرى فقدت وقد يعثر عليها كما عثرت على هذين النصين الدكتورة سامية حبيب والثاني هو أن النص الثاني ( على الصدر الشفيق ) متقدم فنياً على النص الأول ( يتناقشون ) فالثاني كتب العام 1923 والأول العام 1922 فهل هذه الفترة كافية لهذا التطور ؟ وهل بينهما نصوص مسرحية أدت إلى هذا التطور ؟
أما عن التساؤل فهو يتعلق بالكاتبة نفسها إذا كانت الكاتبة تجيد كتابة المقالة والشعر وغير ذلك فلماذا اختارت فناً لا تجود فيه وليست على دراية بسماته وشروطه ؟ هل الغاية التجريب أو نقل صورة الحدث كما هو حيث دار حوار هي منخرطة فيه وأرادت نقله حرفياً وليس حرفياً بكسر الحاء وتسكين الراء؟!!

كلمة أخيرة
لقد أجادت الدكتورة سامية حبيب في توصلها إلى هذين النصين وقدمت جهوداً ملحوظة في توصيل النصين المسرحيين للقارئ لكي يتعرف إلى مي زيادة ونصيها المسرحيين وهذا يسجل لمنجزاتها في النقد المسرحي والتوثيق، لكني أسأل هل نطلق على المبدع تسمية كاتب مسرحي إذا كتب مثل هذين النصين المسرحيين ؟ أليس من الأجدى أن نقول مي زيادة في نصين مسرحيين بدل أن نطلق عليها كاتبة مسرحية..
إن مثل هذا الجواب يترك للقارئ والناقد معاً، ولهذا فإن أهمية الكتاب تتجلى فيما قدمته الدكتورة سامية حبيب من جهد في تحليل النصوص والوصول إلى هذين النصين وهي مشكورة على ذل


(1) صدر الكتاب ( مي زيادة كاتبة مسرحية ) للدكتورة سامية حبيب عن دائرة الثقافة والإعلام ndash; الشارقة ndash; عام 2006 ndash; ويقع في ( 76 ) صفحة من القطع المتوسط