quot;انك لا تجني من الشوك العنبquot; (مثل عربي قديم)

ماذا اقول؟
صحيح ان اغلب العراقيين يعيشون فرحة عارمة لما انجزوه يوم الخميس 15 ديسمبر 2005، الا انهم امام ابواب لم تزل مغلقة لابد من فتحها، وعليهم التفكير في كيفية اتمام ذلك، وان يعيدوا التفكير في من اختاروه للسلطة على مدى اربع سنوات قادمة، متمنيا ان يتسلمّ البلاد رجال ونسوة لهم جميعا من الكفاءة والسمعة والذكاء والنزاهة والاخلاص ما يكفي لكي يكون العراق فعلا بلدا جديدا بكل ثقله ووزنه وجماله ومستوى حياته ومستقبله. لقد عاش العراق معركة انتخابية صعبة لم يتنافس فيها المتنافسون من المرشحين بمهارة وشفافية.. في حين ابدى الشعب العراقي للمرة الثالثة انه يعرف كيف ينتخب حتى وان كان لم يمتلك الوعي السياسي عالي المستوى..
وبقدر ما عاشه العراقيون من اجواء عصيبة في مباراة المرشحين وما حصل من فوضى دموية غير لائقة تبارى فيها المرشحون وقد غدا بعضهم كالوحوش الكاسرة من اجل الفوز بالسلطة او من اجل الاساءة اليها، فان الناخبين العراقيين قد رسموا للعالم كله خطا حضاريا على التراب العراقي مقارنة بما حدث لدى الناخبين المصريين! وعلى المرء ان يقارن بين الحدثين التاريخيين بين كل من هذين البلدين الثقيلين في تاريخ المنطقة! واذا صنفنا ما جرى قبيل اللانتخابات العراقية من احداث ودعايات ومضادات وردود افعال ساخنة.. فان ذلك كان درسا اضافيا للساسة العراقيين في ان يكونوا اكثر وطنية لما هو عليه وضعهم اليوم.. فما شهدناه من تضاربات واختناقات وصراعات انما ليس بديمقراطية مسالمة وليس بجدلية سياسية حقيقية بين برامج سياسية عراقية متنافسة تعرض على الناس بكل شفافية وصراحة ومدنية، بل انما كانت اشبه ما تكون بمعركة حياة او موت من اجل السلطة والجاه والملايين لا من اجل خدمة العراق والعراقيين!

العراق بين ناخبين ومنتخبين
اذا قلنا بأن الحملة الانتخابية لا تعد (امينة) نظرا لما اتبع من وسائل وادوات، فان الناخبين العراقيين قد علموا المنتخبين درسا في كيفية الاداء الديمقراطي يوم 15 كانون الاول / ديسمبر 2005 .. وان اكثر من عشرة ملايين ناخب زحف نحو صناديق الاقتراع ليصنعوا لهذا الحدث مشروعيته التاريخية.. وليعلنوا للعالم بأنها انتخابات حقيقية يريدها شعب العراق، ويمكنها ان تكون وسيلة صادقة لما يريده المستقبل.. اذا كانت الحملة بين المرشحين قد بدت أشبه بحفلة صراع لديكة متصارعين ورافقتها كومة اشلاء مضمخة بدماء المواطنين الابرياء، اذ بدت البلاد بلا ارادة ينادي بها الشعب العراقي منذ زمن طويل من اجل الخلاص من كل المعاناة والمآسي والظلمة والعطش والمزابل والمياه الاسنة والتلوث والاحجار والاطلال ومن اجل استعادة الحقوق بعد ضياعها ومن اجل اعادة البنية التحتية ومن اجل توفير العمل.. وكم تمنّى الحكماء من العراقيين ان يجد من ابنائهم الكفوئين ترّشح للانتخابات من دون اي استجداء من قبلهم لاصوات الناخبين.. واذا كان العراقيون من الناخبين الزاحفين نحو صناديق الانتخاب وهم يمثّلون كل الوان الطيف الاجتماعي والسياسي العراقي، فهل ثمة خروقات او تجاوزات قد حدثت هنا او هناك في يوم الانتخابات الذي سجل العراقيون فيه اول انتخابات حقيقية ساهم فيها اكثر من عشرة ملايين ناخب، فهل نجحت المفوضية الدائمة من ضبط الاوضاع وحل المشكلات؟؟

ماراثون مضحك في كرنفال عظيم
لقد خبر الشعب اغلب المرشحين ولكنه لم يزل يجهل من يكون هذا وذاك من المرشحين، وكم كنا نتمنى ان يصّوت العراقيين على اسماء ذوات لا على اسماء قوائم؟ وكم تمنينا ان تكون وسائل الدعاية اجتماعات بالناس وتفسير لمشروعات ومناهج وبرامج لا ان نجد مرشحين يقيمون الولائم وآخر يوزع الموز على العراقيين وآخرين جعلوا الجوامع والمساجد مراكز لفرق حزبية ndash; كما سمعت -!! جحافل من اسماء شكّلت لها قوى سياسية وهي لا تعرف ما (السياسة) وهي لا تبغي الا السلطة والنيابة والوزارة برغم انف العراقيين.. انها تدرك معنى السلطة على العراق والتسّيد على العراقيين.. لم اجد مرشحا واحدا منهم قط في معركته الانتخابية وقد خرج على العالم ليعلن اعتصامه على اثر اختطاف عالمة المانية وثلة من خبراء غربيين ليس لاولئك الخبراء المساكين الا تقديم المساعدات للجرحى والمطعونين! ولم اجد برنامجا سياسيا واحدا قد كتب بمعزل عن الاخر.. كلها منقولة احدها عن الاخر..
ماراثون مضحك في كارنفال عظيم يتحرك فيه ناخبون من عمالقة مناضلين ازاء اقزام من بعض مرشحين وقد اختلط بينهم النزهاء الاذكياء مع الملوثين المهرجين.. كان الهرج والمرج يلف كل مكان من بلاد ما بين النهرين قبل يوم الانتخابات، ولكن الالاف المؤلفة من الناخبين زحفت لتقول كلمتها ولا ندري حجم ما حدث من تجاوزات واخطاء لابد منها خلال ساعات عشر لاكثر من عشرة ملايين ناخب ..
اتمنى ان يكافئ العراقيون على جهدهم ونضالهم وزحفهم من قبل الفائزين الذين اختارهم الشعب ولكنني اخشى ان يخيب ظننا ويأتي اناس لا يعرفون كيف يسوسون العراق وهو في خضم مأساته اليوم.. ويا ريت يقرأ كل العراقيين التاريخ الشخصي لكل منتخب جديد من المنتخبين وان نعرف مدى كفاءته وتخصصه وشهاداته وندرك ثقافته ليمّيز العراقيون الغث من السمين!!؟؟ ومع كل هذا وذاك فان العراقيين رشحوا من ارادوه من الناس لا لما طرح عليهم من برامج او قوائم، بل ان اغلب العراقيين انتخبوا من يريدونه من الاشخاص! فهل سيكون النواب الجدد والوزراء الجدد والقادة الجدد بمستوى المسؤولية في العملية السياسية للبدء بمشروعات العملية الاقتصادية.

ما الذي نريده من المنتخبين العراقيين الجدد؟
كنت اتساءل: ما الذي جعل العديد من المرشحين يستجدون الناخبين العراقيين باشكال مقززة؟ ما تلك الوعود التي سمعها العراقيون كل ليلة وكل يوم؟؟ وأسأل اليوم: متى سيحققها النواب الجدد ان صدقوا في كتابة برامجهم الوهمية؟ الا يخشون ان يكونوا من الكاذبين ولا يزرعون الا الشوك؟ وهل سيعمل النواب الجدد على محو الاحقاد العراقية التي ترجمتها الدماء القانية والتي جرت سواقيا نحو نهر دجلة عبر الشوارع والساحات والبساتين.. هل سينتهي زمن الابتزازات ولم ينته؟؟ هل ستموت الدعايات الكاذبة التي تعلن عن مبادئ متخلفة بائسة؟ هل سيعمل الرجال الحقيقيون بكل كفاءة ليصنعوا دولة حقيقية في العراق وليس بمقدورهم الا اعلاء شأن العراق ومجتمع العراقيين؟؟ هل ستبدأ الميزانية تثري نفسها بنفسها بعد خوائها؟ هل ستتوقف بعثرة ثروات العراق على الدعايات والاعلانات والفضائيات والسفرات والصور والجداريات والولائم والدعوات والهدايا وعقد الصفقات؟ هل ستنجح الحكومة الجديدة باشباع حاجات العراقيين ومتطلباتهم في الحياة.. والعراقيون جوعى وغرثى في بيوتهم تؤلفهم جماهير مليونية من فقراء وعاطلين ومساكين.. عجائز وثكالى وارامل واطفال وعراة وصبية ومرضى وايتام ومعاقين يعّدون بالملايين..؟؟
هل لنا ان نعرف بعد ان تمّت عملية الانتخابات بنجاح كبير يتمناه كل العقلاء والمخلصين: من كان يمّول تلك الكتل من احزاب وقوى وجماعات ولا ندري من كان يموّلها ابدا! لقد صرفت الملايين من الدولارات على الدعايات الانتخابية العراقية وهذا ما لم نجده في اي حملة انتخابية عربية.. لقد استخدم العراقيون كل وسائل الاعلام وانفقوا مبالغ خيالية من اجل ذلك.. لقد سمعت البارحة وكنت ضيفا على الميديا سيتي في مدينة دبي على امتداد ساعات الانتخابات العراقية بأن عرض اي اعلان دعائي على شاشة فضائية واحدة يكلّف 4000 دولارا لثلاثين ثانية من الزمن.. فتخيلوا معي حجم الانفاق الجنوني الهائل الذي صرف من قبل المرشحين العراقيين لاقناع الناخبين العراقيين بهم، وربما حلّت هناك ثمة مبالغ خيالية لنشر دعايات لاناس معينين من قبل دولة معينة ولأناس آخرين من دولة ثانية ضمن لعبة توازنات مخفية لا يعرف تفاصيلها العراقيون!! وهكذا، فلقد غدا العراق كما وصفته قبل ايام مثل رقعة شطرنج يتبارى اكثر من فريق او طرف من اجل اللعب عليه بالمستور والمكشوف.. ان من اكبر مهام المرحلة اللاحقة العمل على تأليف وزارة وحكومة تعتمدها البلاد للسير بخطوات مشروعة نحو تحقيق الاماني المشتركة لكل العراقيين.

الامنيات الاولى للعراقيين
قادة ووزراء ورجال حكم وحكومة سابقين ولاحقين لا يعرفون هل سيتولون المناصب التي نالوها ام انهم سيغادرونها!؟ الشعب العراقي لا يريد في العراق بعد اليوم وقد دخل مرحلة تاريخية جديدة: مجموعة سجون كالباستيل وعواء قلاع بائسة ومساحات اراض قاحلة ولم يقبل بعد اليوم اي اقنعة لم تزل تتستر على الوجوه اذ لابد من مكاشفة الناس ومصارحة الشعب بكل صغيرة وكبيرة والاعتراف بالخطأ اذ لم يقتل الحكام والقادة الا زيفهم واكاذيبهم.. شعب صادف الالام وكل الجراحات على عهد مظلم سابق وهو الشعب نفسه الذي خرج الى الحياة الجديدة ليرى جملة من الموبقات والمحاصصات والاختلاسات والمزيفات ومشروعات القتل وكل الارهاب..
شعب تمزّقه قوى التوحّش والارهاب وقطعان التكفيريين المتخلفين وتشيع في اوساطه ثقافة الموت الزؤام على ايدي جهلة لا يفقهون فلسفة الحياة ولا يعرفون اي فكر مدني ناضج.. التفجيرات تطال كل مكان من هذا الشارع الى آخر، فهل ستتوقف مشروعات القتل والذبح وتحت شعارات كاذبة؟؟.. الشوارع كئيبة والقلوب غير مؤتلفة.. ونسأل: لماذا تبلورت كل الكراهية عند الطوائف والاطياف واخذت الاحقاد تأكل تلك القلوب والصدور؟؟.. فهل اجد بين العراقيين من يخفف من حدّته وغلوائه ويقلل من تعصباته ودمويته وتوحشاته؟ هل باستطاعة العراق ان ينهض من جديد من خلال بناة اوفياء مخلصين مع عدم تغييب او اي تهميش متعمّد لكل المبدعين والمتخصصّين والمثقفين؟؟ وهل من اساليب مدنية واعلاميات وتربويات مستنيرة يحتاجها العراقيون قبل اي خطابات فجة وانشاءات كلام لا معنى له وهذيان رجال منافقين ودجالين هذا يسحب الطول وذاك يسحب العرض!!

اصناف المنتخبين
لقد كانوا فرحين بدعاياتهم الانتخابية فمنهم من لم يعرف يرّكب جملة مفيدة، ومنهم لا يدرك اولويات جغرافية العراق ولا حتى تواريخه العامة! ثمة اناس رائعين وثمة قادة ومرشحين انا واثق بأنهم لم يقرأوا كتابا واحدا عن العراق! والمصيبة ان بعضهم لا يعرفون استخدام حروف الجر لغويا، فهل باستطاعتهم ان يجّروا العراق من خرابه؟؟ اذ اخشى ان يجرجرونه من خراب الى اسفل سافلين!!؟؟ هل هناك اناس يعشقون العراق ولا انتماء لهم غير العراق؟ لقد سمعنا ان هناك من يحب (المدن الجهادية) وهناك من كره مواطنته العراقية واستبدلها بمواطنة كردستانية بعد ان كره العرب ومقت كل ما يمّت الى اللغة العربية بصلة من دون التفكير بتعايش الاجيال في المستقبل وكأن العرب كلهم مجرمون يسفكون الدماء؟ ان اخطر ما سمعته ان هناك عراقيين ذهبوا لصناديق الانتخاب ليس ايمانا بالعملية السياسية ولكن لدفع الاذى.. فهل يمكن لمثل هؤلاء البشر ان يشاركوا في تسّلم العراق وحكمه على طرائقهم البدائية؟ انني اخشى على العراق ليس من اناس مثقفين ومتمكنين ومختصين ويعرفون ماذا يفعلون ولكن اخشى عليه من اناس جهلاء واميين لا يعرفون الا المكر والدجل وقد تسلقوا في غفلة من الزمن جدران السياسة كي يكونوا قادة للعراق.. فلنتصور ماذا سيفعل به امثال هؤلاء البدائيين؟؟
هناك من يمتد ولاءه لما وراء الحدود سواء الى هذا الطرف العربي وذاك الى الطرف الايراني او ذاك التركي او هذا الامريكي او ذاك الافغاني .. هذا يمّجد باقليمه وذاك يهللّ لعشيرته وهذا يتعّبد في مدينته وذاك يتمسّح بالقبور.. هذا يستجدي المحتل وذاك يتطفّل باسم العروبة وذاك يخترق بمخابرات دولة مجاورة.. تلك تنوح باكية وهذي تولول في كل حين! مدن كاملة مزقت فيها ملصقات دعايات واعلانات لكتل واحزاب لكي يعلن عن احزاب معينة! وأسأل: ما هذه اللغة الركيكة والفجّة التي اسمعها من هذا الزعيم السياسي الى ذاك المرشّح الجديد؟ مرشّحون عراقيون سيكونون بعد ايام قادة للعراق وسيكون العراق بيدهم؟ فهل من حقّهم بعد اليوم ان يلعبوا بالعراق ويجعلونه كرة يتقاذفونها بارجلهم لمصلحة هذا الطرف او ذاك.. كما فعل من قبلهم زعماء طغاة وجلادون، او كما يلعب الاخرون بعواطف العراقيين..

وأخيرا: هل سيفعلها النواب الحقيقيون؟
وأنني أسأل: هل سمعنا باسماء بعض اولئك الاشخاص المرشحين قبل سقوط النظام السابق ولم نقرأ لهم اي مقال او نتذكر لهم اي موقف حتى وان لم يكن في السياسة؟ اين ذهب اولئك المناضلون والمناضلات من العراقيين والعراقيات.. الذين كانوا قد وضعوا دماءهم فوق اكفهم على عهد الجلاد؟ وأسأل: هل هناك من منتخبين عراقيين نزهاء انقياء واذكياء وظرفاء يقبلون ان يخدموا العراق كاعضاء في مجلس للنواب بلا مقابل؟؟ اي بمعنى بلا رواتب خصوصا ان كانوا متمكنين انفقوا الملايين على الدعايات والفضائيات والرواتب والحمايات؟ هل نجد ثمة من منتخبين يتبرعون برواتبهم ومكافأتهم الى الفقراء والمحتاجين العراقيين ام ان هذا يعدّ من ضرب الخيال؟ وكم نتمنى ان ينزل النواب الجدد الى الشوارع والمقاهي والحارات والساحات ليلتقوا بالجماهير ويعرفوا همومهم ومستلزماتهم؟ كم تمنيت على هذا التبذير للمال العراقي العام والخاص ان يخصص لبناء المساكن والمصانع والمزارع وتشغيل العباد من اجل ازدهار البلاد وبسرعة خارقة؟ كم اعرف من عراقيين مخلصين وانقياء لم يتلوثوا ابدا وهم يعيشون الكفاف سواء في الدواخل المنهوبة ام في شتات المهاجر؟؟ لو اشبعتم العراقيين ايها المنتخبون وابعدتم مطامعكم وتخليتم عن انتماءاتكم واساليبكم وارتباطاتكم وهوياتكم غير العراقية.. ولم يبق الا العراق في ضمائركم وخدمته امانة في اعناقكم.. فسوف تسجلون نقطة لامعة في تاريخ العراق وسوف يعشقكم كل العراقيين. فهل انتم فاعلون؟ انني اتمنى ان يحصل ذلك!