كتب الصديق الفاضل د. كاظم حبيب مقالاً في صحيفة الإنترنت إيلاف بتاريخ 26/7/2005 رداً على ملاحظاتي التي نشرت أيضاً في إيلاف بتاريخ 23/7/2005 وهي تدور حول مقالين له: "هل هناك تحولات جارية في قوى الإسلام السياسي وفي المقدمة منها جماعة الأخوان المسلمين بتاريخ 2/7/2005" و "فكر القومية العربية التقليدية وممارستاها … بتاريخ 6/7/2005" وتعقيبي هذا ليس رداً مباشراً على الأفكار والملاحظات التي طرحها الأخ كاظم بقدر ما هو مواصلة الحوار بصورة عامة.
إيران والقنبلة الذرية: يقول الكاتب في قضية الأسلحة النووية بأنه "واثق كل الثقة بأن إيران لا تسعى إلى استخدام الذرة للأغراض السلمية فحسب، بل من أجل صنع القنبلة الذرية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى". وكما قال في مقال آخر: "إنتاج القنبلة النووية لتكون بيد إيران ليس دفاعاً عن النفس بل تهديد للآخر" دعونا نناقش هذا الأمر بهدوء بعيداً عن الكلام الوثوقي.
لقد وقعت إيران على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهذه الاتفاقية تعطي إيران حق الاستثمار الكامل – العلمي والتقني – للطاقة الذرية من أجل الأغراض السلمية، فإيران لم تحد حتى الآن عن هذا الخط بشهادة محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي قام بالتفتيش في إيران وأيد الموقف الإيراني بشأن برنامجها النووي مما جلب غضب الأمريكان واتهامه بالتواطؤ مع إيران مثل اتهامهم له سابقاً عندما رفض الإذعان للرغبة الأمريكية بوجود أسلحة دمار شامل في العراق وحاولت أمريكا بجبروتها أن تعرقل ترشيحه للمرة الثالثة كمدير للوكالة وفشلت بعد قرار مجلس محافظي الوكالة المكون من 35 عضواً ترشيحه بالإجماع لكفأته العلمية وأمانته وصدقه وتستأنف إيران الآن تحويل اليورانيوم في ظل مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما صرح بذلك أحد المسؤولين في المنظمة الإيرانية للطاقة.
فلماذا تتنازل إيران عن هذا الحق تحت الضغوط الأمريكية؟ إن التصعيد الأمريكي ليس من أجل هذا الملف النووي فحسب بل مرده أيضاً المأزق الذي تعيشه القوات الأمريكية والبريطانية في العراق بعد الاعتداء عليه الذي يعتبره بعض المحللين الغربيين من خلال منظور النظام الجديد للعلاقات بين الغرب والفضاء الإسلامي وفي سياق مكافحة الإرهاب خطأ تاريخياً وإستراتيجياً. كما أن وجود قوة إقليمية فاعلة في المنطقة تتعارض مع إستراتيجية أمريكا الكونية الجديدة التي تريد أن تسيطر على العالم.
فهل من المستغرب بعد ذلك أن تحاول إيران بكل السبل المتاحة لها أن تتجنب التهديد والضربة الأمريكية وأن تعمل على حفظ أمنها حتى لو أدى إلى إنتاج القنبلة الذرية "كرادع" ودفاعاً عن نفسها وأرضها التي تقع مع دول جوار هي عبارة عن محميات أمريكية. كما وأن إيران لم تقفل باب المحادثات ولكن على أن يكون ذلك في مستوى الند للند وليس بالعصا والترهيب الأمريكي الذي لم ينجح في كوريا الشمالية واضطرت بعدها أمريكا أن ترضخ أخيراً للمفاوضات معها.
فلماذا إذن لا نثق في الدبلوماسية الإيرانية لاستثمار تناقض مصالح الدول الأوربية مع أمريكا بنزوعها للسيطرة العالمية بينما أوربا تخشى على أمنها وهي تقع بالقرب من منطقة الشرق الأوسط "بؤرة الصراعات" وعلى مصالحها الاقتصادية خاصة ألمانيا مع إيران. هذا وربما تؤدي المحادثات الأوربية الإيرانية إلى حصول إيران على ضمانات كافية لأمنها وكذلك الضغط على أمريكا للتخلي عن التأييد الأعمى والمتواصل لإسرائيل والعمل بجدية للوصول لحل عادل للقضية الفلسطينية مما يخفف وتيرة الصراع في المنطقة.
ويقول الكاتب "إن إسرائيل تمتلك السلاح النووي منذ سنوات طويلة ودخلت عدة حروب مع الدول العربية ولم تستخدم تلك الأسلحة في أي منها وعدم استخدامها من جانب إسرائيل جاء بسبب كثافة السكان هناك وإمكانية تأثيره على شعب إسرائيل أيضاً وليس على الشعوب العربية وحدها"
كيف يمكن أن نقبل مثل هذا المنطق، وإسرائيل قد بذلت جهداً كبيراً وتنفق ملايين الدولارات لبناء ترسانتها النووية على حساب اقتصادها المتردي وتراجع التنمية، سوف تقبل في النهاية ببساطة فكرة أنها مجرد أسلحة ردع لا هجوم.
وكيف نقبل المنطق الآخر بأن إسرائيل تحجم عن استعمال قنبلتها الذرية خوفاً على شعبها، بينما إيران على استعداد أن تضحي بشعبها في سبيل تحقيق عدوانها على جيرانها.
إن قضية الأسلحة النووية ليست قضية إقليمية، إنها قضية دولية في المقام الأول وإن التزام الدول الرئيسية المالكة للأسلحة النووية بعدم استخدامها ضد الدول غير المالكة للأسلحة النووية مما يسمى "بالضمانات النووية الدولية السلبية" غير كاف فلابد من التحرك على الصعيد العالمي من أجل نزع وتحريم هذه الأسلحة الفتاكة من جميع الدول بدون استثناء.

الأخوان المسلمون وقضية التغيير:
ينطلق الكاتب من وجهة النظر القائلة بأن جماعة الأخوان المسلمين لم تتغير منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا ولن تتغير في المستقبل وإذا كانت هناك بعض الإشارات في هذا الصدد فما هي إلا تكتيك وليس قناعة في التغيير. وعاب على بأنني لم أحاوره بكلماتي بل بمقتطفات لكتاب إسلاميين.
من الغريب مطالبته بأن أقنعه بوجهة نظري دون أن أستند وأستشهد بما سطرته أقلام بعض الإسلاميين – أليس الاستناد إلى وجهات نظر أخرى لدى الكتابة هي من الأصول التي أقدم عليها الكتاب في كثير من الأحايين لتدعيم وجهة نظرهم. أما قوله إن هذه المقتطفات "لا تسمن ولا تغني" فهذه قضية أخرى.
ويقول إن الشيخ الغنوشي الذي استشهدت برأيه في قضية الديمقراطية "أبعد ما يكون عن الديمقراطية وعن اعتبار الديمقراطية أحد الاحتمالات الممكنة للنظام السياسي في البلدان التي أغلبية سكانها من المسلمات والمسلمين" ويدلل على عدم ديمقراطية الشيخ الغنوشي باتهامه الباطل للكاتب العفيف الأخضر بأنه كاتب كتاب يسئ للنبي محمد وزوجاته مما قد يدفع المتطرفين إلى الاعتداء عليه بل ربما اغتياله. والكتاب المذكور: "المجهول في حياة الرسول للمقريزي" كتاب تحريضي ومبتذل ومشين وعدائي ومهين لجميع المسلمين وساقط لغوياً ومضموناً. والكاتب انتحل أسم شخصية واحد من أكبر المؤرخين العرب السابقين، فإذن مؤلف الكتاب مجهول الهوية – فكيف استطاع الشيخ الغنوشي أن يوجه هذا الاتهام الخطير للأستاذ العفيف الأخضر؟ أما كان الأحرى بالكاتب أن يذكر لنا النقاط والأسباب التي أستند إليها الغنوشي في توجيه هذا الاتهام المشين بدلاً من يوجز القضية في "اتهام باطل" فهذا لا يقنع القارئ بل يزيد من شكوكه ولا يخدم قضية الأستاذ العفيف الأخضر – "هنا تكمن أهمية الاستشهاد".
إنني لا أريد أن أتعرض هنا لهذه القضية المرتبطة بحرية النشر والكتابة وأمانة الكلمة والرقابة الذاتية وعسى أن تناقش حرية النشر من جميع مثقفينا بأمانة وموضوعية بعيداً عن المزايدات والاتهامات، فلا يزال بيننا من يذبح بحد السكين وآخر بالقلم المُهين.

في هذه العجالة أريد أن أسوق مثالين قريبين إلى أذهاننا:
المثال الأول:
لقد كان للحزب الشيوعي العراقي موقف واضح ضد الحرب الأمريكية البريطانية ورافض لها حتى لو أدت إلى سقوط الطاغية صدام حسين. وبعد نهاية الحرب واحتلال العراق أشترك الحزب الشيوعي العراقي بأمينه العام في مجلس الحكم المعين وفي الحكومة المعينة بوزير ثقافة بدلاً من الانخراط في مقاومة الاحتلال. والحزب يعلم تماماً وقتها بأن الحاكم الفعلي للعراق هو الأمريكي بول بريمر، هل نقول مثلاً أن موقف الحزب من الحرب لم يكن في الواقع إلا خداعاً للجماهير العراقية وتكتيكا منه والحزب كان يرغب في التخلص من صدام حسين حتى لو أدى ذلك إلى احتلال العراق وتدميره؟ أم نقول بأن الحرب انتهت واصبح الاحتلال حقيقة فقرر الحزب المشاركة في الحكم. فمشاركته ربما تخدم القضية الوطنية أكثر من وجوده خارجها. فلأمر أذن حسب هذه الرؤيا لا تكتيك ولا خداع مسبق وإنما موقف برجماتي لواقع معاش.
المثال الثاني:
أود أن أشير إلى الكتاب الصغير الذي صدر هذا العام للمفكر العربي المتميز د. صادق جلال العظم والذي هو نفسه اكتوى بنار الإسلامويين. والكتاب صدر باللغة الألمانية والإنجليزية بعنوان:
الإسلام والعلمانية الإنسية "الإنسانية" Islam und säkularer Humanismus
وهو عبارة عن محاضرة ألقاها العظم في جامعة توبنجن Tübingen بألمانيا بمناسبة حصوله عل جائزة:
د. ليوبولد لوكاس لعام 2004 Dr. Leopold-Lucas
يقول العظم: من خلال النقاشات الجادة والحادة بين الدول العربية الكبرى وجمعياتها المتخصصة أدى ذلك إلى تراضي على قيم محددة مثل احترام حقوق الإنسان، الديمقراطية، حق المواطنة، حرية الرأي والفكر والضمير وعلمنة الدولة … كما أن اليسار العربي التقليدي ومن ضمنه الشيوعيين تملكوا هذه القيم العلمانية وأصبحت جزءاً من بياناتهم السياسية وضمن جداول مطالبهم – ويواصل العظم حرفياً: "وفي ذلك الأثناء أظهرت منظمات الأخوان المسلمين - اليمين السياسي – علناً ولو بعد تردد موافقتها على ذلك الإجماع – وكمثال على ذلك أيضاً جماعة الأخوان المسلمين المصرية التي كانت تطالب منذ سنوات – وكذلك المملكة العربية السعودية – بإعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة، فأعلنت في مارس 2004 برنامجاً لإصلاح الدولة والمجتمع والاقتصاد وأسقطت مشروع الدولة الثيوقراطية والدول الدينية ويتحدثون الآن بحماس عن الدولة المدنية مما يعني دولة علمانية أو على الأقل دولة محايدة دينياً وهذا البرنامج الذي أعلن ينادي بسلطة الشعب، ديمقراطية تمثيلية، تقسيم السلطات، تداول السلطة، انتخابات حرة نزيهة مع مراقبة علنية، استقلال القضاء – الحقوق السياسية للمجتمع المدني، حقوق المرأة، احترام حقوق الإنسان، حرية العقيدة والدين، حرية الرأي والفكر. إن هذا السرد لا يريد أن يعطي حكماً ما إذا كان الأخوان المسلمين في الفترة القادمة سوف يتمسكون بجدية وإخلاص وصدق بذلك. وهذه الحالة هي نموذج (Paradigma ) للعلمانية الإنسية التي أصبح من غير الممكن تخطيها وتأثيرها المتواصل في جهة لم يكن من المتوقع تأثيرها فيها" أنتهي كلام العظم.
هل قلت أنا أكثر من ذلك؟ أي أن هنالك تغيير في فكر وسياسة الأخوان المسلمين حقيقي وليس تكتيكي. فأنا لست في موقع الدفاع عن جماعة الأخوان المسلمين المصرية ولا أشاطرهم أفكارهم وإنما أنظر إلى القضية بعيداً عن التعميم والنمطية. فالجماعة التي تأسست عام 1928 لا تزال تلعب دورها بفعالية على الساحة السياسية بالرغم من المحن والابتلاءات التي عاشتها. فالجماعة كافحت مع القوى السياسية الأخرى ضد الاستعمار الإنجليزي وشاركت وعملت على إنجاح ثورة 23 يوليو 1952 وكانت تطلق عليها الثورة المباركة مما يشير بذلك لدورها في الثورة ومارست نشاطها علناً عندما حلت قيادة الثورة الأحزاب السياسية، اعترافاً من الثورة بدورها ولم تُحرم من نشاطها السياسي ألا بعد الصدام مع جمال عبد الناصر.
لماذا تُحاكم الجماعة إلى الآن بأفكار سيد قطب وكتابه "معالم في الطريق" الذي صدر منذ أكثر من أربعين عاماً ومسألة الحاكمية الإلهية وجاهلية المجتمع؟ والجماعة نفسها حددت موقفها من الحاكمية والأفكار القطبية، فكتاب المرشد حسن الهضيبي " دعاة لا قضاة" هو الرد الفعلي والعملي على أفكار الحاكمية والجاهلية. وإذا كانت الجماعة مارست العنف في فترة من تاريخها السياسي فقد أدانت الإرهاب ونبذت العنف علناً وعلينا أن لا ننسى أيضاً عنف الدولة الذي نكتوي جميعاً بناره. ولماذا ننسي الظروف التي ساق فيها قطب أفكاره وما تعرض له من قهر وتعذيب في السجون المصرية ودفع حياته ثمناً لها. فعندما يفقد المرء الأمل في عدالة المخلوق يلجأ إلي عدالة الخالق. ولماذا نتناسى كتب سيد قطب الأخرى الهامة التي ينادي فيها بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين الأغنياء والفقراء: "العدالة الاجتماعية في الإسلام" "معركة الإسلام والرأسمالية" وتحفته الأدبية الرائعة بشرحه للقرآن الكريم "في ظلال القرآن – 6 مجلدات" والجماعة الآن تقوم ببناء المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس وتقديم الخدمات الاجتماعية في المناطق الفقيرة العشوائية بعد أن تخلت الدولة عن واجباتها تاركة مواطنيها في العراء. من الصعوبة قياس مدى تأثير أفكار الجماعة على المواطنين كرصيد لقوتها السياسية مستقبلاً استناداً إلى ما تقوم به من مساعدات اجتماعية بالرغم من أن غالبية الناس تمارس شعائرها الدينية منطلقة من تدينها الفطري الذي لا يعرف التطرف. في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى بعض الدراسات على قلتها التي ترصد هذه الظاهرة مثل الأبحاث التي يقدمها نبيل عبد الفتاح وكتابه الأخير: "سياسات الأديان – الصراعات وضرورة الإصلاح" رغم الصعوبة في الحصول على معلومات دقيقة بطابع العمل السري للجماعة، فهي ممنوعة قانونياً من ممارسة النشاط العلني. والجماعة ممثلة في البرلمان المصري، فهي ترشح أعضائها ضمن قائمة أحزاب أخرى مما يكشف زيف ونفاق وجبن السلطة الحاكمة. والجماعة تشكل الآن المعارضة الرئيسية والفاعلة للنظام المصري المتجبر والمترهل.

الأحداث الدولية المتلاحقة والمأزق الذي تعيشه الشعوب العربية:
•الوضع في لبنان بعد الخروج السوري مفتوح على كل الاحتمالات
•العراق والانفلات الأمني والظروف المأسوية القاسية التي يعيشها الشعب العراقي
•سوريا بالرغم من التهديد الأمريكي والمقاومة الداخلية يواصل النظام نهجه السلطوي القديم والتنكيل بمواطنيه
•الجزائر بالرغم من الهدوء النسبي فالانفجار وأرد في كل لحظة
•النظام المصري المتهالك يواجه مقاومة غير منظمة ويعود إلى المراوغة وأساليبه البالية، يلغي قانون الطوارئ ويأتي بقانون مكافحة الإرهاب، والوعود بإصلاحات وهمية
•واتفاقية السلام في السودان نبهنا إلى ثنائيتها والخلل في بعض بنودها وجاءت الأحداث الأخيرة في الخرطوم لتسلط الضوء على هشاشتها.
•إسرائيل تواصل نهجها الإرهابي ضد الشعب الفلسطيني
•تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يحتوي على تحليل دقيق وأمين على ما تعانيه البلدان العربية من تخلف مريع على جميع الأصعده – السياسية والاجتماعية والثقافية والصحية وقضية الحريات وانتفاء الحكم الصالح بعد أن أصبحت البلدان العربية ملكية خاصة يرثها الأبناء والأحفاد.
إن هذا الوضع المأسوي يدفعنا جميعاً إلى الانخراط في حوار مفتوح يضم كل القوى السياسية من يسارية "و علمانية" وماركسية وحركات إسلامية سياسية – وليست الجماعات الإسلامية الراديكالية الأصولية المتطرفة – لمناقشة القضايا بعقلانية وصدر مفتوح لا نتمسك بالفكر الأحادي وإنما ننطلق إلي رحاب الرؤية التعددية. فما أحوجنا إلى الإصلاح الديني والسياسي بعد ما انهار المشروع القومي العربي الحديث في التنمية المستقلة والاعتماد على الذات وفك الارتباط وانهار حلم الوحدة العربية وفشل الخطاب الليبرالي العلماني أو الماركسي. واليسار العربي لا يزال في غيبوبة منذ الزلزال السوفيتي، ما أحوجنا الآن إلى النقد الذاتي والحوار الوطني وبناء الجسور بيننا، ولتبقى لكل فرقة خطابها الفكري، علينا أن نلتف حول مشروع وبرنامج وطني موحد للخروج من مأزقنا الراهن ونتمسك بتقاليدنا وقيمنا وتراثنا الفكري الذي لا يقف حجر عثرة في طريق تقدمنا ونتمسك بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مهما كان مصدرها الغربي. وعلينا أن نتابع ما يجري في العالم الغربي من نقاشات فكرية عميقة.
لماذا أصبحت الحداثة التي تعني الديمقراطية السياسية والعقلانية والترشيد الاقتصادي أصبحت اليوم محل مراجعة ونقد في الغرب ومن مفكري ما بعد الحداثة والسجال بشأنها الذي يشارك فيه الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني المتميز يرغن هابرماس وبكاتبه الهام: "الحداثة مشروع لم يكتمل"
Jürgen Habermas „Die Moderne – ein unvollendetes Projekt"
وكيف نفسر ازدياد ظاهرة التدين في المجتمع العلماني الأوربي أو عودة الإلهة كما يقول فريدرش فلهم غراف في كتاب حديث له بعنوان "عودة الإلهة – الدين في الثقافة الحداثية"
Friedrich Wilhelm Graf "Religion in der Modernen Kultur"
وكيف نتعامل مع العولمة الكاسحة والتغيرات الجديدة الناتجة عنها – الشركات المتعدية الجنسية التي تسيطر على الاقتصاد العالمي – وعصر نهاية الجغرافيا وعالم الإمكان – كل ذلك يدفعنا إلى الترابط والنضال المشترك ضد حكام بلادنا الذين تخلوا عن مسئوليتهم اتجاه مواطنيهم ويجثمون على أنفاسنا بتسلطهم وقهرهم.
الطريق طويل وشاق ومتشعب ولكن سنعبره عندما نبدأ الخطوة الأولى.