افتتحت أعمال البرلمان العربى الإنتقالى أو التأسيسى قبل نهاية العام الماضى (88 عضو بواقع أربعة أعضاء لكل قطر من الـ 22 قطر التى تتكون منها جامعة الدول العربية)، وإختير محمد الصقر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الأمة الكويتى رئيسا له لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد ndash; لمدة عامين فقط - يتحتم على أعضائه خلالها أن ينتهوا من وضع قانونه الأساسى ولائحته الداخلية وما يتطلبه ذلك من تحديد الإستراتيجيات والصلاحيات التى تطمح إليها الشعوب العربية..
فى ظل الخلافات التى ظهرت وتفاقمت بين الدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية على إمتداد السنوات الخمس الأخيرة، توصل الفرقاء إلى صيغة البرلمان العربى الإنتقالى بشكله الحالى حلا للإشكالات التى وقفت عقبة فى سبيل الإعلان عن هذا الميلاد فى موعد مبكر عن نهاية الشهر الماضى.. إشكالات من عيار العدد المناسب لتمثيل كل دولة فى ظل الدعاوى التى تطالب بأن لا يكون عدد السكان من بين عوامل قوة القطر أو ضعفه.. أو كيف يتم اختيار ممثلى كل قطر حكوميا أم شعبيا وكيفية التنسيق بين من هو quot; مختار شعبياً quot; ومن هو quot; مرشح حكومياً quot;!!.. ومن عيار سقف الصلاحيات المخولة للبرلمان وكيف لا تنتقص من السيادة القطرية او تتعارض مع هامشية الدور النيابى والتشريعى القطرى.. ومن نوع كيف يكون دوره متوائما مع الأدوار التى تقوم بها المجالس النيابية القطرية لا يزيد عنها او يزايد عليها، وإن كان يفضل أن يكون دونها فى المسئولية وحق المسائلة..

تلافيا لمزيد من الخوض فى هذه الإشكالات ndash; التى تكرر إدراج معظمها ndash; خلال السنوات الخمس الأخيره - على كل جدول أعمال تعرض لبند البرلمان العربى خصوصا على مستوى المجلس الوزارى للجامعة العربية ndash;، وفى ظل quot; الخلاف المستمر quot; حول كيفية إيجاد حلول عملية لها، تم التوصل إلى صيغة البرلمان التأسيسى.. ليس بغرض أن يتفرغ أعضاؤه للقيام بالاجراءات التفصيلية اللازمة للتعبير عن الخطوط العريضة quot; للإستراتيجية التشريعية العربية quot; التى وضعها القاده كما حدث عند تأسيس البرلمان الأوربى، ولكن لخلق أطار للمناقشة بعيدا عن إجتماعات اللجان التى تنوء بها هيكليات الجامعة العربية.. ويأمل أصحاب هذا الاقتراح أن تستفيد هذه الآلية خلال الخمس سنوات القادمة من موجة الإصلاحات التى ستشهدها الساحة العربية سواء نمت وتمددت ام هُمشت وتقلصت، وبعدها يقضى الله أمرا كان مفعولا فقد تفشل التجربة فى دورها التأسيسى وقد تأتى محصلة اعمالها خلال نصف عقد مبشرة بالخير ولو على مثال مشوار الألف ميل يبدا بالتأسيس ..

السؤال الذى يدور فى أذهان المتربصين بالتجربة يدور حول.. كيف يتسنى لمجموعة من الأعضاء غير المنتخبين ndash; لعضوية البرلمان العربى - الذين رشحتهم كياناتهم التشريعية فى أقطارهم أن يقرروا مصير مثل هذه المؤسسة التى من المفترض فيها أن تحاسب وأن تراقب وان تناقش وان ترفض او تقبل باسم الشعوب العربية!!..
والأمل الذى يراود خواطر المتفائلين بها يتمحور حول الغد وما يمكن أن تصنعه الشعوب العربية سواء عن طريق الدفع الذاتى أو التأثر بحركة ما يجرى على السطح حولها أو الاستجابة لضغوط الغير.. وهم يثقون فى قدرتها على التحرك سلميا من أجل التغيير فهى ليست أقل من غيرها قدرة على التحول نحو متطلبات العصر وأدواته..
مما لا شك فيه أن خطوة إعلان قيام البرلمان العربى التأسيسى خطوة هامه وضرورية ولا بد من دعمها وإستثمارها لتحقيق المأمول quot; الشعبى quot; من ورائها.. ومن المؤكد أن الخمس سنوات القادمة ستشهد الكثير جدا على مستوى الأقطار العربية داخليا وجماعيا، ربما لهذا السبب تمسك محمد الصقر رئيس البرلمان بالقول بأنه وزملاؤه quot; لا يخططون للمبالغة فى الصلاحيات لأن الحكومات إن لم تتعاون معنا فلن يكون لنا دور quot;.. وهذه واقعية تحسب له ولزملائه، لكن الطموح العربى يتطلب منهم عدم الإستسلام لتقاعس الحكومات التى إن خُيرت مالت الى الرضا بما هى فيه ورفضت المستقبل الذى قد يحمل لها من المنغصات ما يقلق بالها ويفقده الإستقرار..
الطموح العربى يفرض على البرلمان التأسيسى أن تكون له صلة مباشرة بالمجتمع المدنى العربى بكل تياراته.. وأن يكون له صلة مباشرة بأطياف المعارضة العربية بكل ألوانها.. وأن يكون على صلة وثيقة بالتحولات الشعبية التى يموج بها الرأى العام العربى، محصلة هذا التواصل ستساعده على الحد بشكل ملحوظ من غلواء الحكومات فى فرض القيود عليه بدلا أن يفرضها هو عليها، وستساعده على إقرار صلاحيات تلبى حاجة الشعوب ولا تقف عند أعتاب الفتات الذى ترمى به الحكومات..
الإشكال الأكبر الذى يواجه البرلمان العربى أن الشعوب العربية ليست على إتفاق فيما بينها حول الكثير من القضايا التشريعية والنيابية وذلك بحكم الحالة القبلية والعشائرية التى لا زالت تؤثر فيها وتخضع لها.. وأيضا بحكم الخلفيات الثقافية التى تربت عليها وأصبحت معلما من معالمها التضاريسية.. وكذلك بحكم هامش الحرية وحدود الحركة المسموح به لها.. والأهم من ذلك درجة إرتباطها بنظام الحكم وقناعتها بالدفاع عنه quot; ظالما او مظلوما quot; أو مهاجمته سواء وتعهد ونفذ ام وعد وأخلف.. وعلى نفس المستوى قدرتها على التمييز بين ما يطرحه quot; الآخر الضاغط quot; من أفكار تحقق مصالحها وتطلعاتها أو تخدمه وتحافظ على مصالحه وهيمنته على المنطقة..
إستفزاز الحكومات العربية مطلوب لكى تدرك أن هناك من هو قادر على ان يترجم طموحات وحاجات الشعوب العربية الى برنامج عمل ملموس، بشرط ان ينبع هذا الإستفزاز من الواقع المعاش وأن يتجه إلى هدفه بطريق مباشر.. التحدث إلى الحكومات العربية مجتمعه بخطاب يطالب بالتصحيح والتغيير أمر فى غاية الأهمية، بشرط أن ينبع من نفس الخطاب الذى يوجه إلى الحكومة القطرية دون تمييز أو خوف أو وجل.. تمثيل الشعوب العربية مجتمعه والعمل من أجلها غاية كبرى لا يجب ان تتعارض مع التمثيل النيابى القطرى، لذلك نقول ان العمل البرلمانى على المستوى المحلى إن لم يكن صادقا فلن تكون النيابة على المستوى العربى إلا زيفاً وإدعاءاً..

الدفاع عن حقوق الإنسان مهمة سامية ولكنها غير مجزئة، فإن روعيت هذه الحقوق على المستوى الأصغر اتت ثمارها على المستوى الجماعى.. أما إذا سكت العضو البرلمانى عنها فى وطنه وتشدق بها ولاكها بمناسبة وبلا مناسبة حين يتناول حقوق انسان quot; الغير quot; على المستوى الجماعى فلا أمل من وراء ما يدافع عنه أو يدعو إليه..
وهناك الكثير والكثير الذى لا يتسع له المقام..
ويبقى أن ننصح البرلمان العربى بأن يتسع صدره للنقد الصريح البناء وأن تكون لديه الشجاعة ليقول الحق ويكشف الستار عن الحكومات المعوقة لحركته المكبلة لنشاطه، لأن مناط اختصاصاته لا يجب أن يقتصر فقط فى فلك تعزيز العمل العربى المشترك ومناقشة مشاريع الإتفاقيات الجماعية العربية..
فهل هو قادر على القيام بهذا الدور، بل هل رئيسه ونوابه الثلاث قادرون على الإستقالة من مناصبهم تعبيراً عن موقف جماهيرى تجاه ما قد تبديه الحكومات من إعتراضات ومعوقات، أو مما قد يبديه بعض أعضاؤه من تسويف ومماطلة وتغييب وابدءا حجج نعلم جميعا أن لا أساس لها!!..

إستشارى إعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]