المنافسة الحادة بين قناة (الجزيرة) التي يقف على قمة هرم إدارتها أمير قطر حمد آل ثاني، وقناة (العربية) التي يضطلعُ بإدارتها الأستاذ عبد الرحمن الراشد الكاتب المعروف، أخذت في الآونة الأخيرة اتجاهاً تصاعدياً في بين القناتين. ورغم التفاوت الزمني بين عمر القناة العربية (سنتان) وعمر الجزيرة (عشر سنوات)؛ إلا أن قناة العربية استطاعت بالفعل أن تختصر هذا التفاوت في التجربة الزمنية، وأن تستأثر بحصة تتزايد مع مرور الوقت من المشاهدين، في (بازار) القنوات الفضائية العربية، الذي أصبحَ يتسع مع مرور الوقت، ويزدحمُ بكثرة المستثمرين والبائعين و المسوقين والوسطاء الجدد.

ولعل الأسلوب البعيد عن الإرجاف الذي اتخذته قناة العربية كمنهج، في مقابل (إرجاف) الجزيرة، واللعب على عواطف المشاهد العربي، امتثالاً لما يطليه (الديماغوجيون) العرب، وذهاب الجزيرة بعيداً في هذا الاتجاه، هو الذي أعطى لإدارة الراشد فرصة جذب المشاهد الجاد من جهة، ومن جهة أخرى أغرى الساسة العرب، وكذلك مثقفيهم، بتفضيل قناة (العربية) كوسيلة إعلامية، وقلل في المقابل من تعاملهم مع الجزيرة، رغم أنهم يعلمون أن الذي يُدير (الجزيرة)، ويمولها، ويُشرف على كل التفاصيل فيها، وعلى اتصال (آني) بالمذيعين ومعدي نشرات الأخبار والبرامج (مدير) بمرتبة رئيس دولة!

السبق الذي حققته العربية، عندما اختار نائب رئيس سوريا السابق عبدالحليم خدام قناة العربية لتفجير قنبلته التي قلبت موازين الصراع بين لبنان وسوريا، وكذلك بين سوريا والعالم الغربي، كان مؤشر ذو دلالة، أربك إدارة الجزيرة، وجعلها تعيد قراءة منهجها، وتنبهها إلى أن ارتمائها في أحضان (الغوغائية) قد يجعلها بمثابة جريدة (الصن اللندنية) الفضائحية، تبيع كثيراً، لكنها في المحصلة تؤثر قليلاً، يشتريها رجل الشارع، وينأى عنها، وعن التعامل معها النخبة وصناع القرار.

ورغم أن قناة الجزيرة ـ كما يقول المتخصصون ـ تتفوق على العربية في البرامج الحوارية المباشرة، إلا أنها قي التعامل مع الخبر، تشعر أن لديها موقفاً مسبقاً وغير محايد، وأنها تحاولُ أن تغلف حياديتها الظاهرة، بموقف مُـسيس أو مؤدلج، الأمر الذي أفقدها في النتيجة الكثير من صدقيتها، مما جعلَ العديد من السياسيين يحذرون في التعامل معها في إيصال رسائلهم وما يريدون أن يمرروه إعلامياً. ولعل اختيار خدام للعربية عوضاً عن الجزيرة، وهو السياسي المجرب، كان لهذا السبب على وجه التحديد. وتقول الإحصاءات أن العربية، رغم حداثة عمرها مقارنة بعمر الجزيرة، أصبحت الأولى إخبارياً في عدد غير قليل من الدول العربية، الأمر الذي يسوغ القول أن العربية لو التفتت أكثر إلى حوارات البث المباشر أيضاً، مع نفس المستوى من الرصانة والموضوعية، والبعد عن الإرجاف، وحوارات الزعيق و صراع الديكة، التي ملها المشاهد العربي على ما يبدو؛ ربما تتفوق على الجزيرة تفوقاً مطلقاً . وليس هناك ما يبرر إصرار العربية على تجنب برامج الحوارات المباشرة على الهواء، والاكتفاء ببرامج الحوارات المسجلة، رغم أن حوارات البث المباشر أصبحت سمة الحوار التلفزيوني في العصر الحاضر، وبعد ثورة الاتصالات.

ورغم تحبط الجزيرة وارتباكها وبالذات في الآونة الأخيرة، إلا أنها - ربما دون أن تشعر - كشفت حقيقة الكثير من الإعلاميين العرب وهشاشتهم . وأهم من كشفتهم في تقديري محمد حسنين هيكل، وزير الإعلام المصري في الحقبة الناصرية، الذي حولته الجزيرة في خريف عمره إلى مجرد (حكواتي) في أحد المقاهي العربية، يقص على المستمع أخبار وأحداث زمان، تماماً كما كان يفعل الحكواتيون والقصاص في الأيام الخوالي؛ وهذه - للإنصاف- نقطة تحسب في حساب النقاط لأمير قطر، حتى ولو أنكر غريمه الراشد ذلك؛ هذا رغم المبالغ الخيالية التي دفعها أمير قطر لتحقيق هذا الانجاز.

الأمر الآخر، الذي تفوق فيه الراشد على أمير قطر، وأدى إلى استقطاب الكثير من المشاهدين في المملكة ودول الخليج إلى قناة العربية على حساب الجزيرة، يعود إلى مواكبتها الأخبار الاقتصادية، وأسواق الأسهم على وجه الخصوص . ولعل المتابعة اللصيقة و الآنية لأخبار أسواق المال، وسوق المملكة المالي على وجه الخصوص، وهو الأكبر في المنطقة، كان نقطة مفصلية في رجحان كفة العربية على الجزيرة في المملكة على وجه الخصوص، حتى من قبل شرائح لم تكن في الماضي تحفلُ بالقنوات الإخبارية، فجاءت طفرة أسعار الأسهم لتجعل من هذه الشرائح الجديدة تزيد من أعداد متابعي العربية في المملكة والخليج نظراً لهذا الجانب على وجه التحديد.
من يُحرز قصب السبق في نهاية السباق ؟ .. الجزيرة وأمير قطر أم العربية وعبدالرحمن الراشد . مواكبة تغيرات ومزاج وتطور وعي الإنسان العربي ستكون الفيصل بكل تأكيد.