quot;وأي بلاد كانت ابوابها مغلقة دائما في وجوهنا ولم نكن نجد منفذا اليها، كنا بالنسبة اليها رجسا ونجسا، كنا اعداء يخافون منا، وكأنهم همج لم يعرفوا بشرا، لكن منذ ان ارسلنا المفكرين الذين صنعناهم لبلادهم، كنا نصيح من امستردام او برلين او باريس، الاخاء الاخاء البشري فيرتد رجع صوتنا من اقاصي افريقيا او الشرق الاوسط او الادنى او الاقصى او شمال افريقيا..quot; (جان بول سارتر قبل اربعين سنة)

مدخلات
هذا الكلام قاله جان بول سارتر قبل قرابة نصف قرن من الزمن.. عندما كانت الحياة العربية تعج بالتقدميين والحداثويين واليساريين والثوريين والردايكاليين وقت ذاك.. من دون ان يدرك الانسان سواء في الشرق ام الغرب طبيعة مجتمعاتنا وما هي رؤية مجتمعاتنا للاخر! وبنفس الوقت غابت عن المفكرين الغربيين على امتداد خمسين سنة ما الذي جعل مجتمعاتنا لها مثل هذه الرؤية للغرب وللعالم كله.. ان ظاهرة الاستعمار التي استمرت طويلا على مرحلتيها الكولينيالية (العسكرية القديمة) او الامبريالية (السياسية الجديدة) واليوم تبدأ ظاهرة جديدة في طور التبلور تمثّلها الكابيتالية (الاقتصادية العولمية).. لقد خرجت مجتمعاتنا من دون دول حقيقية ومؤسسات حقيقية، بل عاشت في كنف كيانات سياسية لا تعرف كيف تتعامل مع العالم.. وبقيت مجتمعاتنا راكدة لا تعرف كيف تبدأ خطواتها في ان تفرض نفسها على العالم بمنتجاتها وابداعاتها.. وبقي الغرب مضطرب الرؤية للعالمين العربي والاسلامي، ولا يعرف كيف يتعامل مع المجتمعات في حين لعب بالكيانات السياسية ذات اليمين وذات الشمال.. لقد بقيت كل من مجتمعاتنا وكياناتنا تتماوج ثقافاتها ازاء الاخر وبدت منقسمة على اشد ما يكون الانقسام بين معجب بالغرب وبين كاره له.. بين من يعتبر الغرب مرجعية حضارية له وبين من يمقته ويكفّره.. بين من يسمّيه بالعالم المتّقدم وبين من يسّميه بالعالم الرأسمالي.. وبقيت الثقافة العربية تنتقل من طور الى آخر في عدم تحديد الرؤية للغرب والعالم منذ جيل ما بين الحربين العظميين ومن ثم جيل الحرب الباردة ومرحلة الوفاق بين العالمين الرأسمالي والاشتراكي، ومن ثم جيل الاصوليين منذ العام 1979. ان ثمة انقسام في ثقافتنا العربية المعاصرة في الرؤية للعالم غير محددة ولا متوافقة ولا منسجمة.. وكل قسم يتعّصب الى افكاره وكل المتعصّبين اليوم يشتركون في خصلة واحدة هي كرههم لكل من يخالفهم الرأي ثم تكفيره ثم محاولة استئصاله من على وجه الارض لأنه كائن نجس في نظرهم. أما هم فيعتبرون انفسهم طاهرين مطهرين لا يأتيهم الباطل من بين ايديهم ولا خلفهم!

رؤيتان متباعدتان
السؤال: هل الرؤية الغربية للعالمين العربي والاسلامي مشتركة؟ انني اعتقد ان هكذا رؤية لم ولن تكون مشتركة بين السياسي والفكري بين الاجتماعي والنخبوي بين المعرفي والاستشراقي بين هذا البلد او ذاك.. بين هذه الزمن او ذاك الذي مضى.. انني اجد بأن فلسفة ما اسمي بـ quot; صدام الحضارات quot; هي حصيلة متوقّعة (ولا اعتقد انها مخطط لها)، بل هي نتاج تراكمات التاريخ الصعب في العلاقة غير المتجانسة او الطبيعية بين عالمين اثنين غير متكافئين ابدا.. وان ما حدث في سبتمبر 2001 هي البداية الحقيقية لذلك الصدام.. بعد احتقان العلاقة على امتداد قرن كامل.. اذ اجد ان القرن التاسع عشر تمثلتّه قوى الصراع الاستعماري في السيطرة والهيمنة العسكرية.. في حين يعد القرن العشرين مجالا للهيمنة السياسية والتحالفات الدولية والتلاعبات الانقلابية والحكومات العسكرية الهشة والفوضى الايديولوجية.. كانت المجتمعات الغربية (وكل مجتمعات العالم) تعتمد على كتابات النخب والمستشرقين في التعّرف على عالمينا العربي والاسلامي.. ولكن مجتمعات اليوم تعتمد على نفسها في استكشافنا من خلال ما ينتشر من جاليات في مختلف البلدان الاوربية خصوصا ومن خلال وسائل الاعلام الغربية التي تبث عن احوالنا وتواريخنا ومجتمعاتنا وسياساتنا ليل نهار..
انني اتلمّس الفوارق الهائلة في الرؤية الى عالمينا من خلال ما كنت اقرأه عن طبيعتها قبل خمسين سنة.. وما كنت اتعايش معه قبل ربع قرن.. وما اجده اليوم من ردود فعل عاصفة! ان المجتمعات الغربية تعد ان العالم كله اليوم يتعايش في ظل معطياتها وحضارة العصر اي حضارتها.. وتستهجن كراهيتها من قبل الاخرين اذ تعجب كيف يتم التصادم معها، انها لا تؤمن ابدا بما لكل مجتمع من قيم ورموز وافكار وعادات وتقاليد.. الخ انها تعتقد بأن ثمة جنايات سياسية قد ارتكبها الغرب بحق الشعوب في كل هذا العالم، وخاصة الشعوب العربية والاسلامية وقد تبلورت عنها كراهية لا حدود لها ابدا.. فلقد كانت وراء خلق تكوين اسرائيل وادارة ازمات وبلورة مشكلات وعقد صفقات ومؤامرات وتدبير انقلابات واشعال حروب.. الخ


تراجع التحولات
في الوقت نفسه، فان العالمين العربي والاسلامي لم يساعد نفسه ابدا لا على مستوى التفاعل السياسي ولا مستوى التكوين الحضاري ان يتعامل مع الغرب اسوة بالمجتمعات والدول الاخرى في العالم وخصوصا في آسيا، بل ونجحت مجتمعات عدة في شراكاتها المتنوعة مع الغرب وانتقلت من طور الدول النامية الى طور الدول المنتجة بفرض نفسها على الاقتصاد العالمي.. بل ولم يرتق العالمين العربي والاسلامي من اضطراباته في القرن العشرين كي ينفتح على العالم كله.. بل ازداد انغلاقا عما كان عليه قبل خمسين سنة! كان عليه ان ينتقل من طور الايديولوجيات المستعارة الى طور التكوينات الحضارية، ولكنه بدا اكثر جمودا وانغلاقا.. وفي الوقت الذي كان يتلقى الانتقادات الصارخة من قبل المؤرخين والمستشرقين الغربيين الاوربيين امثال: جاك بيرك وارنولد توينبي ومكسم رودنسون وزيغريد هونكه وشاخت والبرت حوراني وسارجنت وبوزورث وبرنارد لويس.. كان سارتر يعلن عن الابواب المغلقة.. وعند نهاية القرن العشرين، يبرز هانتينغتون ليعلن عن quot; صدام الحضارات quot;.

رأي هانتينغتون
سألت صموئيل هانتينغتون في لقاء مباشر بمنتدى دراسات المستقبل عن مدى تخّليه لفكرة quot; صدام الحضارات quot; التي اذاعها قبل سنوات.. وهل ما زال يصّر عليها ازاء تمايز الثقافات لا الحضارات بين عالمي الشمال والجنوب؟ أجابني: ان الثقافات تتغير من زمن لآخر، ولكن الحضارات تحولاتها بطيئة! قلت له: ولكن الثقافة اسلوب حياة في حضارة أية امّة وتكوين أي عصر. قال: نعم، ولكنني اقصد ما الذي سيكون عليه العالم في هذا القرن، ولم اكن اعني القرن الماضي. قلت: وما الذي ينفع العالم في بناء المستقبل، اقصد ما الذي ترسمه من أسس جديدة؟ قال: ان تصغي الحضارات جميعا الى ما تقوله وتنتجه حضارة هذا العصر، وهي ليست اليوم غربية بالضرورة، بل غدت quot; عالمية quot; بفعل الاتصالات العولمية. قلت: تعني ان يكون العالم الاسلامي في رعايتها؟ قال: انه متصادم معها لأنه لا يريد ان يكون في رعاية الغرب، وحضارات اخرى لا تريد ان تكون في رعاية احد اليوم، بل ان العالم يتطلع الى المشاركة!

من تراخي الحوار الى تفاعل الصدام
ان الفرق كبير بين هذا الذي يفّكر به صاحب quot; صدام الحضارات quot; وبين اولئك الذين يحملون شعار quot; حوار الحضارات quot;.. ولابد للمرء ان يفّكر مليا في مسائل جوهرية تشكّل الفرق بين الحالتين، فالمسألة ليست سياسية، بقدر ما هي فلسفية وفكرية لمجريات تحوّلات عصر كامل يضّم العالم كله سواء بمعايير متكافئة ام بغيرها. ان اصحاب quot; حوار الحضارات quot; سوف لا يصلوا الى نتائج حاسمة يمكنها ان تفيدهم، متوهمين اذا ما اعتقدوا ان بامكانهم اقناع غيرهم بفلسفتهم وافكارهم وقيمهم ومقدّساتهم.. خصوصا وان هذا الغير يعيش تسارعا تاريخيا مضاعفا وسوف لن يلتفت الى ما سيقوله من لم يفقه لغة هذا العصر! واستطيع القول بأن العرب والمسلمين لا يمكنهم ان يقنعوا العالم بافكارهم وشعاراتهم وخطوطهم الحمراء.. ناهيكم عن أن الاخر بات لا يرى في مثل هذا الذي انتدب فيه للحوار الا ضياعا للوقت.

مفارقة خطيرة بين عالمين
ان العرب والمسلمين لا يتقبّلون فكر الاخر وثقافاته وفلسفاته وتطلعاته المعنوية والفنية .. ولكنهم يتقبلون منتجاته وصناعاته وكل مخترعاته المادية، والفارق بينهم وبين الاخر، ان الاخر لا يتقّبل الا ما يمتلكونه من مال وموارد وبترول كي يبيعهم منتجاته.. وهنا علينا ان نفّرق بين حوار الحضارات وحوارات اخرى تجري من دون اي نفع ايضا مثل حوار الاديان والعقائد! وان حوار الحضارات سيسجّل منذ نقطة الصفر تفجيرا سيجعل كل جماعة على طرفي نقيض.. فالغرب - مثلا ndash; لا يلتقي في حوار الا من خلال فلسفات ومناهج حديثة بعيدا عن الدوغمائية وتكاد تغيب عنده الممنوعات والغربيون يفّكرون في الاشياء لا في ما ورائيات الاشياء ويؤمنون بالتجربة والرؤية والبرهان.. يؤمنون بالسؤال والجواب المباشر ولا يعرفون التورية والا اللف ولا الدوران! انهم يؤمنون بالمصالح والمقاييس المتغيرة ولا يؤمنون بالمبادئ والثوابت.. انهم يعملون من خلال برامج ولا يعرفون الشعارات.. انهم ينتهجون الحرية في تفكيرهم ولا يكبلون انفسهم بالمحرّمات.. انهم يمنحون انفسهم حق التعبير عما في افكارهم ومشاعرهم من دون كبت.. انهم يجدولون الزمن ولا يضيعون اوقاتهم سدى! انهم يقرأون ويتابعون ولا يكتفون بالسماع قيل عن قال! وان الوعي بالاشياء عندهم ضرورة من اجل صنع الرأي او الفكرة.. ولا يمكن ان تقسر او تجبر غيرك على ان يكون نسخة طبق الاصل منك!

هل نستطيع الحياة من دون العالم المعاصر؟
المشكلة ان العالم اليوم كلّه يتقّدم ويتفاعل ويشارك هذا ذاك، ولكن العرب والمسلمين ينهزمون دوما ويتراجعون الى الوراء. ان الامم الاخرى في الشرق والغرب تتفاعل تبادليا وثقافيا وتتعلم من تجارب احدها الاخر فالحوارات منفتحة في ما بينها ولا مجال لانغلاق هذا على نفسه ازاء ذاك.. الا العرب والمسلمين يجدهم العالم وقد انغلقوا على انفسهم انغلاقا محكما، وان لا نصيب لهم يكاد يذكر في المساهمة في الحضارة العالمية المعاصرة.. واعتقد ان السبب يكمن بعدم قناعتهم بالانعكاس الثنائي في التاريخ واعتبار انفسهم قوة مؤّثرة في حين انهم لا يدركون معاني تاريخهم الخصبة، ولا يفهمون تواريخ الامم الاخرى. ان جدلية المنحازين والمتعّصبين والمغالين والمتطرفين لا يمكنها ان تسّوق كل التباهي والمفاخر في عالم اليوم، فالعالم اليوم لا يريد الا معرفة حقيقتك المنتجة والمبدعة ومدى قدرتك على المشاركة والتفاعل.. انه يستخف بمن يحاوره بغير هذه اللغة ويتنّدر على الاطناب واللغو وانشاء الكلام الذي لا يفضي الى معنى حقيقي.. انه يتساءل: هل باستطاعة هذا العالم ان يعتمد على نفسه في غذائه وملبسه ومعيشته وخدماته؟؟ هل باستطاعته ان يستثمر ثرواته وموارده من دون اي تقنيات يأخذها من هذا او يستلبها من ذاك؟ هل يمكنه ان يعيش من دون اي استيرادات؟ هل باستطاعته ان يصلح اوضاعه ويطّور مؤسساته ويحّل مشكلاته من دون هذا العالم المعاصر؟ ان ما نشهده اليوم من احداث وفوضى وتناقضات واتعاب وغوغاء.. ستفاقم من حجم ازماتنا ولا تجد لها اي صدى في العالم ابدا!

استنتاجات وتساؤلات: ما العمل؟
ان النماذج والامثلة التاريخية لا تعد ولا تحصى على ان العرب والمسلمين بحاجة ماسة الى العقل واستعادة التفكير للخلاص من اندحار حياتهم وانحدار تفكيرهم واساليب عيشهم.. وخلاصهم من شلّ ارادتهم وقدراتهم.. وسوف لن تنفعهم التشدّقات والصراخ والعويل والهوس بالشعارات التي لا نفع فيها ابدا، بل انهم ان بقوا على اوضاعهم هذه فانهم سيخفقون ليس في الحفاظ على وجودهم بل ان الابواب ستغلق بوجوههم فيصمتوا صمتا تاريخيا بائسا.. ان كل العالم يكاد يكون في قلب المعادلة الا العرب والمسلمين فهم يرفضون حياة العصر، ولكنهم لا يقدرون على الحياة من دون منتجاتها في كل مجالات الحياة والصحة والاتصالات والخدمات والسياحة والادوية والمواصلات والاغذية والاجهزة الدقيقة والعلوم.. الخ انهم يرفضون العصر كونهم تربوا على افكار خاطئة ترسخّت في وجدانهم.. وعليهم ان يطرقوا اية ابواب في الاجتهاد واعادة التفكير والتربية والوعي لفتح اية سدود تقف في طريقهم كي يستعيدوا استنارتهم ويشاركوا هذا العالم مسيرته اسوة بالامم الاخرى التي لم تفقد اخلاقياتها ولا اديانها ولا مبادئها ولا قيمها ولا عاداتها ولا تقاليدها! على العرب والمسلمين ان يفقهوا هذا العصر لينادوا بحوار الحضارات.. او يسيروا نحو حتوفهم وهم يعانون من صدام الحضارات.

هكذا، نعلم كم كان حجم الدور الذي يمكن ان تمثّله النخب المثقفة والسياسية والاعلامية وثقلهم في مسيرة الأحداث والتطورات التي رافقت عملية بناء كل من الدولة والمجتمع في العالمين العربي والاسلامي المعاصرين، وكم كان للازدياد المفاجئ في أعدادهم والأعداد في تكوينهم وتأهيلهم نسبة للزيادات السكانية فيهما، وعلى امتداد السنوات الطويلة في نصف قرن مضى لم يقدموا شيئا ذي بال اذ لم تكن لهم ممارساتهم وأدوارهم ومشاركاتهم في مجموعة ضخمة من القضايا الأساسية والخطيرة كالتي كانت قد طرحت على مجتمعات اخرى واوجدت لها حلولا لقد انشغل الساسة والمثقفين من غير الوعاة فاننا سنشهد مآس عدة اوصلتنا اليها قرارات سياسية ومنابر حزبية،أو مقالات صحفية وأشعار غير ملتزمة أو محاضرات ليست خصبة، ناهيكم عن الطروحات غير المسؤولة والفوضوية والشعاراتية والعاطفية في تأجيج الرأي العام في التظاهرات الضخمة والاضطرابات والاعتصامات والتجمعات والمؤتمرات والانتخابات والنقابات. إلخ. كلها كانت تشكل احداثا على هامش التاريخ من دون اي أسس في التفكير والممارسة.

ولكن؟
علينا أن نتساءل اليوم: ما هو حجم الفارق النوعي بين جيل اليوم وأجيال الأمس؟ وما هي المهام الأساسية الملقاة على جيل اليوم لكي يتعلم الكثير من الأجيال الشابة التي سبقته؟ وما هي جملة القيم الحضارية والتحديثية المعاصرة في التربية والسلوك والعمل واحترام الزمن لكي نبقيها مغروسة عند الشباب ليساهم في البناء والتطور ورفد مستقبل الأجيال القادمة؟

السؤال: متى تنتعش الانساق الثقافية / الحضارية العربية بعيدا عن الركود التاريخي؟
ان الثقافة العربية اليوم راكدة ركودا مأساويا، فكيف السبيل الى استعادة بنيتها من جديد؟ وكيف لها ان تنتعش في ظل تكوينات سياسية وطنية ودستورية تتمتع بكل شعورها الوطني وتطوير آليات الدولة وتحديث القوانين؟ ان اولى المهمّات التي لابد ان يعيها كل العرب والمسلمين هو تنوير مجتمعاتهم واستعادة تفكيرهم المدني بدل ما يسيطر على ذهنيتهم الجماعية اليوم.. ان الحياة الثقافية العربية لابد ان تعّبر عن اساليب وحاجات مجتمع.. انها ان لم تفعل ذلك في مثل هذا العصر الذي سيمثله جيل جديد بعد سنوات قلائل، فان ثقافة العرب والمسلمين ستزداد انغلاقا على نفسها شيئا فشيئا من دون ان يتفتح احدها على الاخر.. انها بحاجة الى تجسير للفجوة دوما بين الحكام وبين المثقفين وعلى الحكام الاستئناس لما يقوله المثقفون من المختصين لا انصاف المثقفين ولا جهالة بعض (المختصين) .. لا يمكن ابدا ابقاء الحالة على درجة من الخصام واذكاء الكراهية.. اذ لا يمكن اعدام الحياة العربية تحت اي مسمّيات او آليات باعلاء قيم الغلو والمنع والتطرف او اساليب الجهالة والعتمة او اتباع الاقصاء او السكوت عن تحطيم الرموز او الانتشاء بطغيان العادات البالية على حساب الثقافة الجميلة. انها بحاجة الى وعي الناس الذي سوف لن يأتي بين يوم وليلة، بل انه بحاجة الى ركائز تربوية واعلامية من اجل تكوين ثقافي وابداعي جديد.. انها بحاجة الى اعطاء المرأة حقوقها والتي لابد ان يكون لها شخصيتها وانفتاحها وانطلاقها بديلا عن تقوقعها وعزلتها وبلادتها وتغليف نفسها.. انها بحاجة الى الالتزام بكّل ما يرتقي بالنشر والاعلام وعلى درجة من الامانة والحيادية.. انها بحاجة الى تكافؤ الفرص بحيث يعطي لكل مبدع حقيقي دوره في اي مرفق من مرافق الثقافة.. انها بحاجة الى العمل الجماعي، فالفردية لا تخلق ثقافة عربية راقية.. لابد من تجمعات ثقافية وبيوتات فنية وجماعات موسيقية ومنتديات اجتماعية ونواد ليلية.. وفوق هذا وذاك نبذ اي كراهية لأي شعب من الشعوب والاجتماع على قيم محددة.. اتمنى ان يجتمع العالم كله على توافقات عالية المستوى من اجل مصلحة الشعوب.