في الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) 1878، تولّى الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني (1826 – 1913)، رحمه الله، مقاليد الحُكم في دولة قطر الشقيقة، وكان ذلك الحدث يومًا فاصلاً في تاريخ قطر الحديث، وهو اليوم الوطني الذي تحتفل به الدولة في كل عام. ويُعدّ الشيخ جاسم مؤسِّس قطر وبانيها، حيث كان قائدًا عسكريًا وقاضيًا مُفتيًا، كما كان فارسًا شاعرًا وصاحب نخوةٍ وشهامة، خاض حروبًا عديدة للدفاع عن قطر، ولم تُثنه المخاطر عن اقتحام الصعاب وردع الظلم وإجارة المظلوم. وقد وصفه الباحث والمؤرِّخ السوري خير الدين الزركلي (1893 – 1976) في كتابه الشهير «الأعلام» بالشجاعة والفصاحة والحزم والعلم. وقال عنه الأديب والمؤرِّخ العراقي محمود شكري الألوسي (1856 – 1924) في كتابه «تاريخ نجد» إن الشيخ جاسم من خيار العرب الكرام، مواظب على طاعاته، مداوم على عبادته وصلواته، من أهل الفضل والمعرفة بالدين المبين، وله مبرّات كثيرة على المسلمين، وله تجارة عظيمة في اللؤلؤ، وهو مسموع الكلمة بين قبائله وعشائره وهم ألوف مؤلَّفة. توفّي الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ليلة الجمعة الثالث عشر من شعبان عام 1331هـ، الموافق 17 تموز (يوليو) 1913.
وفي العصر الحديث تزهو قطر بمنجزاتها على كافة الأصعدة والمجالات، وقد بلغت ذروتها في عهد صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير البلاد السابق، متّعه الله بالصحة والعافية، وسار على نهجه من بعده صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد الحالي، حفظه الله ورعاه. وبات المواطن القطري والمقيم على أرض قطر ينعم بالعيش الكريم، ويستفيد من المشاريع التنموية العملاقة التي أنجزتها الحكومة القطرية على امتداد السنين. فهل أُحدّثكم عن المؤسسات العلمية والجامعات، أو المستشفيات الكبرى، أو المدن السكنية، وغيرها كثير؟ أمّا المنشآت الرياضية العملاقة في كافة الرياضات فتلك وحدها تستحق مقالات مستقلة. لقد أوشكت الدوحة أن تصبح عاصمة الرياضة في العالم، وما استضافة نهائيات كأس العالم عام 2022 والنجاح المبهر الذي واكبها، بشهادة صنّاع القرار الرياضي في العالم، إلا دلالة واضحة على ما وصلت إليه من مستوى رفيع هو في الواقع محل فخر واعتزاز دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي والإسلامي قاطبة.
واليوم، وما أجمل اليوم، كم هو مبهج أن يتزامن اليوم الوطني القطري مع انعقاد اجتماع مجلس التنسيق السعودي القطري، وما أثمر عنه من قرارات كالعقد الفريد، كان واسطة جواهره توقيع اتفاقية رسمية بين البلدين الشقيقين لإنشاء قطار كهربائي فائق السرعة مخصّص للركاب، يربط بين العاصمتين الرياض والدوحة، بحيث تكون مدة الرحلة حوالى 120 دقيقة، في خطوة تُعدّ الأكبر من نوعها في البنية التحتية الحديثة بين بلدين خليجيين. حيث سيمثّل شريانًا للنقل سيكتمل خلال ست سنوات، ومن المتوقع أن يعيد هذا المشروع رسم خريطة الحركة التجارية والسياحية بين البلدين، في ظل شبكة تمتد بطول 785 كيلومترًا، مع قدرة استيعابية تفوق عشرة ملايين راكب سنويًا. الشبكة الجديدة لن تربط فقط الرياض بالدوحة، بل ستتفرّع لتصل إلى ثلاث مدن سعودية رئيسة هي: الرياض والدمام والهفوف، مما سيعزّز الربط الداخلي والخارجي في آنٍ معًا. كما سيصل القطار السريع بين اثنين من أهم المطارات الإقليمية: مطار الملك سلمان الدولي في الرياض ومطار حمد الدولي في الدوحة، ما يمنح المسافرين والمستثمرين خيارات أسرع وأكثر مرونة للانتقال بين مراكز الأعمال والطيران العالمية.
وبحسب وزير النقل السعودي المهندس صالح الجاسر، سوف تتضمن شبكة المشروع 5 محطات رئيسة للركاب موزّعة على مسار القطار، مصمّمة لتقديم تجربة نقل متقدمة تجمع بين الراحة والسرعة والتقنيات الذكية، مؤكدًا بأن التقديرات تشير إلى أن المشروع سيغيّر شكل التنقل بين البلدين، متجاوزًا الطرق التقليدية، ورافعًا مستوى جودة الحياة عبر تسهيل حركة الأفراد وتنشيط السياحة والفعاليات الرياضية والترفيهية الكبرى. ومن المتوقع أن يخلق المشروع 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في السعودية وقطر خلال مراحل البناء والتشغيل، مما يجعله أحد أكبر المشاريع المحفّزة لسوق العمل في المنطقة. كما سيسهم المشروع في تعزيز نقل البضائع الخفيفة والمتوسطة، ودعم سلاسل الإمداد عبر حلول لوجستية عابرة للحدود، ورفع حجم التجارة الثنائية عبر تقليل زمن التسليم والتكاليف التشغيلية.
خالص التهاني لدولة قطر الشقيقة، الأرض والإنسان، بمناسبة يومهم الوطني، عسى أن يعود في كل عام وقطر ترفل في ثياب العزّ والسؤدد.






















التعليقات