أعلن محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطيني (أن الرئيس الليبي معمر القذافي وعد بدعم الشعب الفلسطيني ب 55 مليون دولار شهريا، إضافة إلى فتح الجامعات الليبية للطلبة الفلسطينيين)، وقد جاء تصريح الزهار هذا عقب وصوله إلى صنعاء يوم الاثنين الموافق الأول من مايو لعام 2006 قادما من طرابلس عاصمة الجماهيرية الشعبية الديمقراطية العظمى، عاصمة الكتاب الأخضر التي لا علاقة لها بطرابلس العاصمة الليبية قبل انقلاب الملازم أول معمر القذافي. وهذا الخبر في بعده النظري من الأخبار المفرحة للشعب الفلسطيني في حالة الحصار البشع الذي يتعرض له منذ تشكيل الأغلبية البرلمانية لحركة حماس الحكومة الفلسطينية الجديدة. وكي لا يصاب الشعب الفلسطيني بالصدمة المضاعفة في المستقبل القريب، من المهم أن يسأل نفسه: هل القذافي جاد في هذا الوعد، وهل سيرى هذا الوعد طريقه للتنفيذ وتتسلم الحكومة الفلسطينية فعلا هذا المبلغ شهريا أو لشهر واحد فقط؟؟

أنا شخصيا كواحد من العارفين لبنية نظام القذافي وسياسته، وكنت من أوائل الصحفيين العرب الذين قابلوه وأجروا لقاءا صحفيا معه عام 1974، وعرفت عن قرب العديد من رموز نظامه الديكتاتوري الفاسد، أجزم وبشكل قاطع أن هذا الوعد القذافي لن يتم تطبيقه، ولن تتسلم الحكومة الفلسسطينية أي دولار من الخزينة القذافية، وذلك اعتمادا على الحيثيات التالية:

أولا: منذ أن سلّم القذافي مواطنيه المشاركين في تفجير الطائرة الأمريكية فوق مدينة لوكربي البريطانيه عام 1988، واعترافه رسميا بتلك الجريمة ودفعه التعويضات المالية لأسر الضحايا بواقع عشرة ملايين دولار عن كل ضحية، وقد بلغت التعويضات التي دفعت فعلا لأسر 270 ضحية مبلغ 2.7 مليار دولار، منذ ذلك الحين يسعى القذافي لإرضاء الولايات المتحدة وإسرائيل بأية طريقة، فقد شحن طواعية للولايات المتحدة كافة المعدات والمواد التي قيل أنه كان يستعملها لتخصيب اليورانيوم، ثم اقترح على الفلسطينيين دولته الشيطانية التي سمّاها(إسراطين)، دمجا من اسمي إسرائيل و فلسطين، ثم اتهم الشعب الفلسطيني علنا بالغباء في القمة العربية الأخيرة السابعة عشرة التي عقدت في الجزائر في نهاية مارس من عام 2005، وأطلق على نفسه لقب(عميد الحكام العرب)، لأنه الحاكم المستبد الديكتاتوري الوحيد في العالم أجمع الذي مازال مستوليا على السلطة منذ ثمانية وثلاثين عاما.

ثانيا: لم تكن يوما ما علاقاته طيبة وودية مع القيادة أو السلطة الفلسطينية منذ بدايات زمن الرئيس ياسر عرفات، وكان لا يخفي عداءه له، وقد سبق أن صرّح قائلا: (أن عرفات مجرد عريف لدى الشرطة الإسرائيلية، وبأن دوره هو حماية إسرائيل، ولن يستقبله إذا فكّر في زيارة ليبيا). وكان يستعمل المبالغ المالية البسيطة التي يعطيها من حين إلى آخر لبعض التنظيمات الفلسطينية لبث الفرقة والخلافات بين هذه التنظيمات، وعندما شنّ حربه المجنونة ضد جارته تشاد عام 1986، طلب من كل التنظيمات الفلسطينية التي تتلقى تلك المبالغ المالية أن ترسل عددا من مقاتليها لمشاركة جيش القذافي في تلك الحرب ليعطيها بعدا عربيا، ومن المعروف في كافة الأوساط الفلسطينية أن ضباط المخابرات القذافية، كانوا يأخذون توقيعات ممثلي التنظيمات الفلسطينية على مبالغ مالية أكثر مما يتسلمونه فعلا، ويرسلون الفرق لحسابات خاصة بالضباط في الخارج، ومن لا يقبل هذا الابتزاز من المستحيل في الشهور التالية أن يتسلم المخصصات الشهرية المقررة.

ثالثا: العقيد الأخضر لا يمكن أن ينسى للفلسطينيين عدم ترحيبهم بوفد مخابراته الذي أرسله لزيارة دولة إسرائيل عام 1994، تحت غطاء أطلق عليه (وفد الحجاج الليبيين لزيارة القدس )، مما اضطر الوفد لقطع زيارته لإسرائيل والعودة للعاصمة الخضراء، عقب المظاهرات الاستنكارية العارمة التي قوبل بها الوفد في مدينة القدس، وكان العقيد ينتظر الترحيب الفلسطيني بالوفد كغطاء على رسالة حسن النية التي كان يريد توجيهها لإسرائيل، وثبت أن رجل الأعمال اليهودي الإيطالي رفائيل فلاح الذي يقيم علاقات صداقة و تعاون ونصائح مع العقيد هو الذي رتّب هذه الزيارة، ومنح الوفد القذافي تأشيرات زيارة رسمية من السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وأعقب ذلك تصريح العقيد المشهور عن نيته (بتعويض اليهود الليبيين الذين هاجروا من ليبيا وصودرت ممتلكاتهم وأنه يسمح لليبيين بالسفر إلى إسرائيل).

رابعا: أسفر عميد الحكام العرب منذ عام 1994 عن عدائه العلني للفلسطينيين، ففي خطابه في الأول من سبتمبر من العام المذكور في ذكرى انقلابه، أعلن بوضوح عن نيته في طرد الفلسطينيين، وكرر ذلك في الرابع من سبتمبر من العام ذاته في خطابه في السلّوم، وفعلا بدأت شرطته العسكرية بشحن ألاف العائلات الفلسطينية بشكل عشوائي، ورميهم في العراء على الحدود المصرية، بدون مأوى أو غذاء أو شراب أو دواء للمرضى منهم، وظلّ هولاء الذين كانوا في حدود سبعة ألاف، حوالي شهرين مقطوعين على الحدود الليبية ndash; المصرية، إلى حد أن أكثر من سيدة فلسطينية وضعت مولودها في بقايا سيارات عسكرية محطمة منذ الحرب العالمية الثانية، وبعد ضغوط دولية سمح عميد الحكام العرب لهم بالعودة بعد أن فقدوا أعمالهم ووظائفهم، وهم يعيشون حتى اليوم في أحوال مزرية لا تليق بالحيوانات، ومن المهم التنويه أن كافة المسئولين الفلسطينيين الذين يزوروا عاصمة الكتاب الأخضر، لا يجرؤوا على السؤال عنهم بما فيهم محمود الزهار الموعود بملايين الدولارات الخضراء من العقيد الأخضر.

خامسا: العقيد الأخضر في سعيه للبقاء في السلطة رغم ديكتاتورية وإجرام وفساد نظامه، من المستحيل أن يغضب إسرائيل ويدفع دولارا واحدا لحكومة فلسطين برئاسة حركة حماس، طالما إسرائيل تقاطع هذه الحكومة وتعمل جهدها لمقاطعة الجميع لها، فهو يسعى بكل الطرق لرضا إسرائيل، وقد عقد نجله المظفر سيف الإسلام أكثر من لقاء مع الإسرائيليين، منها ما أعلن عنه التلفزيون الإسرائيلي يوم الثلاثاء الموافق الرابع عشر من ذي القعدة1424 هجرية (2003 م)، حيث ذكر التلفزيون أنّ (مسئولا إسرائيليا كبيرا بوزارة الخارجية هو روبن بروشور التقى بممثل ليبيا في باريس منذ أسبوعين لاستكشاف إمكانية قيام حوار دبلوماسي بين البلدين )، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون تلقى تقريرا عن الاجتماع، وفي أعقاب ذلك أعلن ايلان شالجي عضو الكنيست عن حزب شينوى (أنه التقى وسيف الإسلام نجل معمر القذافي في أغسطس 2003، على هامش مؤتمر أوربي حضره فلسطينيون و إسرائيليون )، وأن (سيف الإسلام دعاه وثلاثة إسرائيليين ومجموعة من الفلسطينيين إلى جناحه حيث ناقشوا احتمالات السلام في الشرق الأوسط على مدى ساعتين وانه سعد بهذا اللقاء ).

سادسا: ما زالت هناك العديد من ملفات التعويضات الدولية بعد ملف لوكربي، سوف يتم فتحها كي يدفع العقيد الأخضر تعويضاتها، ومن ضمنها تعويضات ضحايا الجيش الجمهوري الايرلندي المرفوعة من أسر الضحايا، على اعتبار أن هذا الجيش ما كان قادرا على جرائمه تلك لولا أموال وسلاح العقيد.

لكل تلك الأسباب ينبغي أن لا يعلق وزير خارجية فلسطين محمود الزهار، أي حد من الأمل على وصول ملايين عميد الحكام العرب، فهي مجرد بيانات كلامية لكسب بيانات التأييد من الواهمين الفلسطينيين والعرب، وكما يقول المثل العربي (ما فيه جمرك على الكلام )، ومن سيحاسب العقيد على هذا الكلام؟.
[email protected]