بين البخاري والكافي ..مفارقة كبيرة.
البخاري هو الكتاب الروائي (السني) الأول، والكافي هو الكتاب الروائي (الشيعي) الأول، وكل من الطرفين أو الفريقين يمتدح كتابه واصفا إياه بما يفيد أنه العمدة بعد كتاب الله عز وجل، ولكن يجب أن لا نغفل أن هناك فروقا جوهرية بين الكتابين، لا أقصد على صعيد المضمون، سواء في جانب العقيدة أو التاريخ أو الاحكام أو المناقب أو التفسير... فذلك أمر واضح، ولكن من جوانب أخرى لا مندوحة من وصفها بالجوهرية حقا. ومن أهمها بل اهمها هي أن (البخاري) صحيح بكل ما جاء فيه، فيما لا يدعي الجعفرية ن كل ما جاء في (الكافي) صحيح.
وقد يتصور البعض انه فارق سهل...
والحقيقة... لا
أن التصور السني عن كتابه الروائي الأول (البخاري) يوجب عليك التعامل معه وفق منطق (الوثوق ما قبل والوثوق ما بعد)، فيما التصور الجعفري عن كتابه الروائي الأول (الكافي) يوجب عليك التعامل معه وفق منطق (عدم الوثوق ما قبل، وربما ما بعد أيضا).
كيف ؟
لقد حكم الفكر السني بصحة كل ما جاء في هذا الكتاب، وعليه يجب عليك أن تكون متلقيا لا شاكا فضلا عن كونك مخطئا أو رافضا، ولا يمكنك ان تشك، وشكك مردود من الجذور، وعليك أن تحل (شكك) فيه على إساس التسليم كـ (حل) نهائي، فيما أعييتك قواك العقلية من التفسير المعقول أو التأويل على نحو من الأنحاء، وذلك لانه صحيح أولا، وصحيح على كل حال. وإذا سألت عن مصدر هذه الصحة المطلقة يكون الجواب أنه (كتاب) قد أحكمت أحاديثه ضبطا، وتحقيقا، وتثبيتا، وتأصيلا، فمن أنت كي تتحدى شيخ المحدثين ؟ أو تشكك بنزاهته ؟ أو تتوهم فيه خطا أو نسيانا أو تزلفا ؟ وفي أقصى الحالات يقولون لك : أن جامع الكتاب بلغ من العلم والقدرة والحنكة ما مكّنه من جمع كل هذا الكم من الروايات على أسس متينة، ومضبوطة، وبالتالي، لا مجال لإنكار أو شك، وفي النتيجة أن كل ما في الكتاب صحيح، وعليك أن تستسلم.

فالتعامل مع كل ما جاء في (البخاري) مسبوق بالوثوقية، وملحوق بالوثوقية أيضا، وبكل صراحة، وبالتجرُّد جهد الإمكان من دواع مسبقة، إكتسب كتاب (البخاري) ما أستطيع أن أسميه (نَحوَ) صفة قرآنية بشكل وآخر... أقول (نحو)، والتعبير دقيق لمن يعرف أسرار اللغة وفنونها. فهو صحيح بكله، سندا ومتنا وأرقاما واسماء وأمكنة وتاريخا واحكاما وتصورت وأفكارا ونظرات وأخلاقا وآخبارا.... من الجلد إلى الجلد، ثم هو حاكم على الكتاب الكريم، تفصيلا وتوضيحا وبيانا وتفريعا... وعليك أن تتعامل معه حقيقة تكاد تكون مطلقة. وفيما شككتَ أو أنكرتَ عليك أن تتخذ أحد موقفين، أما الخروج من ربقة الإيمان به كله، وأما أن تستسلم في النهاية.

هذه هي النظرية السنية بشكل عام من حيث التعامل مع كتاب البخاري، ومن هنا سمي (صحيح البخاري)، وكل حديث تنطبق عليه شروط البخاري يلحق بالبخاري، مما يعني أن قواعده النقدية تكاد أن تكون معصومة.
الامر يختلف بالنسبة لكتاب (الكافي) عند الجعفرية، فهو لا يخضع لقاعدة (الوثوق القبلي ولا الوثوق البعدي على نحو الجزم)، فليس كل ما في (الكا في) صحيحا، ومن هنا كل حديث مشكوك بداية، فيحتاج إلى عملية تشريح نقدية قاسية، وبالفعل كانت عملية الجزر الرهيبة في جسد هذا الكتاب، فقد رُفِض ثلثاه ! ولم يقبل إلا ثلث منه، وهذا الثلث هو الآخر ليس معصوما، فقد ينقص وقد يزيد بين ناقد وآخر، وقد يتحول الخلاف على راو واحد إلى معركة قاسية شرسة. وما قد يثبت لك عدله وحسنه ووثاقته قد ينتقص عندك وزنه فيما بعد، ومن هنا لم يسمَّ (صحيح) الكافي، بل هو (الكافي) وحسب. وقد عمل أحد علماء المذهب الجعفري لحصر ما صح عنده، وعنون كتابه بـ (صحيح الكافي)، فكان حظه من النقد الجارح كثيرا، فاستبدله بـ (زبدة الكافي)، وحسنا فعل. فأنت تتعامل مع الكافي إذن ليس على نحو التلقي، بل على نحو الشك المسبق، ولك الحق أن تشك ما دام شكك منهجيا، ومن حقك أ ن تنكر فيما إذا تسلحت بآدوات البحث العلمي الرصين. لم يكتسب كتاب (الكافي) ما أسميته في خصوص (البخاري) بدقة (نحو صفة قرآنية)، لأنه قابل للتكذيب، قابل للتجريح، حتى فيما يصح لك، ويصح عند غيرك، يمكن أن ينقلب يوما إلى الضد من هذه المنزلة في قائمة ما أمضيته من حقيقة أو قريب من الحقيقة. فإنت يمكنك أن تدخل إلى رحاب (الكافي) بلا خوف، بلا وجل، بلا تردد، فيما لا يمكنك أن تدخل إلى رحاب(البخاري) إلا وأنت في الوادي المقدس، هناك رعب مسبق يحيط بك، يحتل قلبك، يسيطر على مشا عرك، هو يقودك وليس أنت الذي تقوده، هو الذي يقرأك وليس أنت الذي تقرآه، أما بالنسبة (للكافي) فتدخل إلى ساحته مستلطا عليه، باحثا بين سطوره، ربما تعثر على ما يخدش سمعته أ و منزلته الروحية. فأنت مع (الكافي) ليس بين موقفين، إما الإيمان بكله أو برفضه كله، بل بين أن تؤمن وأن ترفض، على طول الكتاب وعرضه، شرط أن تدخل عالمه بآدوات بحثية رصينة، غير منحازة.

وقد أجترح بعض علماء المذهب الجعفري في الأيام الأخيرة أطروحة رائعة في التعامل مع النص الروائي، قوام الأطروحة، أن العبرة ليس بصحة السند، بل بصحة الصدور، وصحة الصدور لا تتوقف على صحة السند وسلامة المتن وحسب، بل قد تكون الرواية مرفوضة حتى إذا صح سندها وحسن متنها كما يرى الباحث، حيث هناك قرائن يمكن أن تكذب المتن، بالرجوع إلى زمان الرواية ومكانها وظروفها وعلاقتها بالقرآن وعلاقتها بالعقل، وبالمقارنة مع الروايات الأخرى، ومدى معقولية الرواية بالنسبة للممكنات التي تخص الراواة، وما شاء الله من قرائن وإمارات ونكات ومواقف يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في تمحيص الروايات والاخبار. والذي دعا بعض الشيعة إ لى إجتراح هذه الطريقة، هي ندرة رجل من رجال الشيعة لم تتوجه إليه تهمة الفسق أو الظلم أو الكذب أو الزور أو التعاون مع السلطان أو حب الد نيا أو التحايل على أهل البيت، وذلك بالاستناد إلى روايات المدح والذم الجعفريين. وبالمناسة تلك هي آفة مهلكة نجدها حتى لدى علم الرجال السني، حيث يندر أن يسلم راو سني من الطعن، في ضوء روايات المدح والذم السنيين، حتى قال أ حدهم، أ ننا إذا تتبعنا ما يقوله رجال الجرح والتعديل لم يسلم لنا راو على الإطلاق. ثم أضاف بعض علماء الشيعة المتأخرون ضابطا أخر في التعامل مع التراث الروائي، ذلك أن القرآن هو الحاكم على الرواية وليس العكس، ومن هنا قد يستتبع ذلك حذف ورفض الكثير من الروايات التي تمتمع بكل مقاييس القبول من الناحية السندية والمتنية، ولكن لأنها تخالف روح القرآن ترفض. وهذه قفزة هائلة، ربما تؤدي إلى تقليص التراث الروائي إلى حد كبير كبير جدا.

إذن كيف نتعامل مع روايات مصحف فاطمة الآن ؟
نقرا روايات مصحف فا طمة في ضوء كل هذه المقتربات، وربما يستجد لنا في الطريق مقتربات نقدية وتمحيصية أخرى...
روايات الكافي في المصحف
تطالعنا في (الكافي) ست روايات عن هذا المصحف، جاءت في الجزء الاول من كتاب أصول الكافي للكليني، وذلك في باب رقم (96) تحت عنوان (وفيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام) وهي روايات رقم (1، 2، 3، 4، 5، 8) من أصل ثمان روايات يضمها الباب المذكور.
الروايات كلها (عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن... عن أبي عبد الله عليه السلام) ما عدا الرواية رقم (4) فهي بسند (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عمّن ذكره، عن سليمان بن خالد... أبو عبد الله عليه السلام...)، فالروايات (1، 2، 3، 5، 8) هي رواية أحاد فلا تغرنا الكثرة، ذلك أنها تشترك في رواية واحد هو المدعو (أحمد بن محمّد) كما سنرى.
والراوي المذكور مشترك بين إثنين، الأول هو : أحمد بن محمّد بن عيسى الاشعري القمي) والثاني هو : (أحمد بن محمد بن خالد البرقي)، وسنأتي على قراءة نقدية لكلا الشخصيتين إن شا ء الله تعالى.
ولكن عندما نراجع كتاب (صحيح الكافي) للشيخ محمّد باقر البهبودي في جزئه الاول يتخطى هذا الباب بكله، ولم يؤشر على صحة أي رواية من هذه الروايات ! فهل لأن المؤلف يرى أن الشخصية في الروية هو (أحمد البرقي)، ذلك أن البهبودي يرى في الشيخ (أحمد بن محمد بن خالد البرقي) ضعيفا ! وقد نص على ذلك بقوة وشراسة في كتابه المعروف (معرفة الحديث) صفحة 108.
ولكن دعنا ننظر بالروايات تباعا... ومن ثم ننظر في الراوية العمدة، أي في شخص أحمد بن محمد هذا...

الرواية رقم(1)
في الكا في (عدة من أصحابنا،عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن الحجال،عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير، قا ل : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة،ههنا أحد يسمع كلامي ؟ قال : فرفع أبو عبد الله عليه السلام سترا بينه وبين بيت آخر، فأطلع فيه ثم قال : يا أبا محمد سل عمّأ بدا لك، قال : قلت : جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه و أله وسلم علم عليا بابا يفتح له منه ألف باب ؟ فقال : يا أبا محمد علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الف باب... ثم سكت ثم قال : وأن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قلت : هذا والله العلم، قال : إنه لعلم وما هو بذاك...).
ولست في معرض نقد المتن، ولكن من هو عبد الله بن الحجال ؟
هذا الرجل من المجاهيل، لم يرد فيه توثيق، كما جاء في معجم الخوئي / 10 رقم 6784 / والرجل ليس من المجاهيل فحسب، بل إضافة إلى ذلك من المغمورين في تاريخ الرواية، وميدان الرواية، فهو لم يرو أ كثر من روايتين، أحدها التي نحن معها. فإن هناك الكثيرين من الرواة مجهولين الحال، ولكنهم رغم ذلك أصحاب باع وحضور طاغ في ميدان الرواية، كما هو الحال مثلا جابر بن يزيد الجعفي، فهذا الرجل ليس مجهولا بل مطعونا به، ولكنه منغمس بعالم الرواية. فهل بعد ذلك يمكننا أن نطمئن إلى هذه الرواية ؟

الرواية رقم (2)
في الكا في (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن حمّأد بن عثمان، سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين مائة وذلك نظرت في مصحف فاطمة عليه السلا م، قال : قلت : وما مصحف فاطمة ؟... أما أ نه ليس فيه شي من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون).
نؤجل الحديث عن المضمون، ولكن نريد نسأل عن(عمر بن عبد العزيز) الذي يروي عنه الراوية العمدة (أحمد بن محمّد) ؟
وصفه النجاشي بانه عربي، بصري، (مخلط)، وفي الكشي يروي عن الفضل بن شاذان بأنه يروي (المناكير...) / المعجم رقم 8758 /.

الرواية رقم (3)
في الكافي (عدّة من أصحابنا،عن احمد بن محمّد، عن علي بن الحكم،عن الحسين بن أبي العلاء قل : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن عندي الجفر... ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجَلْدة ونصف الجَلْدة، وربع الجلدة، وارش الخدش...).
وهذه الرواية تختلف عن سابقتيها أختلافا جوهريا، فان الروايتين السابقتين لا تنسب لـ (مصحف فاطمة) أي حرف تشريعي، بل هو مصحف إخباري، تكويني... فهي معارضة بما سبق. وقد قال احدهم لحل هذا التعارض [أن قوله : فيما يحتاج إليه الناس، ليس معطوفا على قوله (ما أزعم ان فيه قرآنا) ليكون بيانا لما يحتويه المصحف، وإنما معطوف على قوله (زبور داود،وتوراة موسى...) ]. ولا أريد أن اناقش هذا الرجل، فإن العطف على القريب أولى من العطف على البعيد باتفاق كل النحويين، ولكن الرجل يريد أن يخلص الرواية من المعضل.

الرواية رقم (4)
في الكافي (علي بن إبراهيم،عن محمد بن عيسى، عن يونس،عمَّن ذكره، عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام... وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام، فإن فيه وصّية فاطمة عليها السلام...).
وهذه الرواية ضعيفة بـ (عمّن ذكره)، والراوية يتحدى فيها الأمام الصادق عليه السلا م بني الحسن فيما يدعون أنه عندهم الجفر والمصحف وغيرهما ! والرواية ضعيفة أيضا بـ (محمّد بن عيسى)، فهذا الراوي هو : أبو جعفر محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، وقد ضعّفه الطوسي في الفهرست رقم (612)، وممّا قال عنه (وقيل : إنه كان يذهب مذهب الغلاة)، وقد ضعَّفه في(رجاله) في أصحاب الإمام الرضا والهادي، وضعّفه في (رجاله) قسم (من لم يرو عنهم)، ومن إمارات التضعيف هنا، أن إستثناه الفقيه الراوي الكبير (أبو جعفر محمّد بن بابويه) في كتابه (نوادر الحكمة) فلم يرو عنه وقال (لا أروي ما يختص برواياته)، واستثناه أيضا العالم الروائي الرجالي الكبير بن الوليد فيما يروي عن (يونس بن عبد الرحمن) منقطعا أو منفردا به. ولكن (النجاشي) وثّقه، ومن هنا كانت معركة في خصوص الرجل بين توثيق وتضعيف، وقد إنتصر الخوئي لتوثيقه، وحصر تضعيف الطوسي والنجاشي للرجل بما يرويه عن (يونس بن عبد الرحمن) منقطعا، أي روايات يونس المنقطعة، أما في غير ذلك (فلم يظهر من أبن الوليد ولا من الصدوق،ترك العمل بروايات محمد بن عيسى بن عبيد) / المعجم 17 ص 117 /. ولكن هناك من يضعفه مطلقا مثل الرجالي المعاصر باقر البهبودي / معرفة الحديث ص 219 رقم 127 /.
والحقيقة النتيجة سواء على مبنى ا لخوئي او ا لبهبودي الرواية ضعيفة بهذا الراوي، لأنه يروي عن (يونس بن عبد الرحمن) وهذا يروي (عمَّن ذكره).

ولست أدري كيف يجرا بنو الحسن على مثل هذا الإدعاء ؟ ليس لكونهم ثقاة أو شي من هذا القبيل، ولكن لأن مثل هذا الموقف يحرجهم كثيرا، ولكن الذي يسهل الخطب أ ن الرواية ضعيفة. على أن في الرواية فذلكة جديدة، تلك هي أن مصحف فاطمة هذا يتضمن وصيّة فاطمة أيضا ! وهو ما لم نجده في الروايات السابقة عليه.

الرواية رقم (5)
في الكا في (محمد بن يحي، عن أحمد بن محمّد، عن أ بن محبوب، عن ابن رئاب،عن أ بي عبيدة قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه السلام عن الجفر قال.... فمصحف فاطمة عليها السلام... أن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على ابيها، وكان جبريل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيِّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة).
إن نقطة الضعف البادية في هذه الرواية، هو إننا لا نعرف من لحنها أن أبا عبيدة هذه سمع تلك المقالة في حضرة الإمام الصادق عليه السلام، أم إنه سمع ذلك عن الأصحاب الذين كانوا قد سألوا الا مام ! ولإننا لا نعرف هؤلاء الاصحاب، يكون من الصعب إعطاء إطمئنانا لهذه النقل كونه عن الصادق حقيقة.
ولكن من هو (أبو عبيدة) هذا الذي يروي عن الصادق عليه السلام ويروي عنه (علي بن رئاس)
يوجد في كتب رجال الشيعة رجلان بهذه الكنية يرويان عن الصادق، ويروي عنهما (علي بن رئاب)، الأول هو : أبو عبيدة زياد بن عيسى الحذاء، والثاني هو : أبو عبيدة المدائني. وكما قلت، كلاهما يرويان عن الصادق، وكلاهما يروي عنهما (علي بن رئاب)، فهما مشتركان، ولكن الاول، أي أبو عبيدة الحذاء ثقة / المعجم 7 رقم 4797 / والثاني، أي أبو عبيدة المدائني لم يوثق / المعجم 21 رقم 14527 / وبالتالي، فإن من الصعب أن نحسب هذه الرواية على (أبي عبيدة) الثقة لإشتراكه بالراوي والمروي عنه مع (أبي عبيده) غير الموثق، فيما حاول احدهم حل هذا المشكل، بقوله إن رواية (علي بن رئاب) عن (أبي عبيدة)الثقة أكثر من رواية (أبي عبيدة) غير الموثق !!!، ومن الواضح الدفاع المستميت هنا. خاصة وأن (أبا عبيدة المدائني) غير الموثق يروي في مجال الفضائل الكونية في حق الأئمة، ومنها روايته في الكافي الجزء الأول، كتاب الحجة، باب الإئمة عليهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا، حديث رقم (3). وإن الإشتراك جار حتى لو كان هناك فرق كبير في عدد الراوين عن المشترِكين، وليس لهذا الذي قدم هذا الحل قادر على التمييز أصلا.

الرواية رقم (6)وفي الكتاب (رقم 8)
في الكافي (محمّد بن يحي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل بن سكرة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال : يا فضيل : أتدري في أيّ شئ كنت أنظر قبيل ؟ قال : : قلتُ : لا، قال : كنتُ أنظر في كتاب فاطمة، وليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب في باسمه وأسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شئيا).
ومن المعلوم ليس المقصود بالضرورة من (كتاب فاطمة) ذلك المصحف الذي نتحدث عنه.
نقد سريع لروايات الكافي
هنا وبعد هذا الاستعراض الطويل نسبيا نستطيع أن نضع نسجل النقاط النقدية السريعة التالية، كما سنأتي على تشريح نقطة الضعف الكبيرة في السند، أي معضلة الإشتراك في الراوية العمدة الذي هو (احمد من محمد)، كذلك في تشريح المضامين من رواية إلى أخرى، كما أننا سوف نستعرض كل روايات البصائر في حلقات مقبلة بإذن الله.
أولا : الرواية الأولى ضعيفة بالراوي (عبد الله الحجال) لانه غير موثق.
ثانيا : الرواية الثانية ضعيفة بالرواي (عمر بن عبد العزيز) لانه غير موثق.
ثالثا : الرواية الثالثة ضعيفة بمعارضتها لمضمون الروايات الأخرى، فهي تشير إن مصحف فاطمة يحتوي التشريع فيما الأصل فيه أنه كتاب تكويني اخباري كما يزعمون.
رابعا : الرواية الرابعة ضعيفة بـ (عمّن ذكره)، وكذلك بـ (محمد بن عيسي اليقطيني).
خامسا : الرواية ضعيفة بالرواي (أبي عبيدة) بسبب الإشتراك بين الثقة وغير الثقة.
سادسا : الرواية السادسة، وهي الثامنة في ترقيم الكافي ضعيفة بأن ليس بالضرورة كلمة كتاب هنا تنصرف إلى المصحف المبحوث عنه هنا.
وقبل هذا وذاك اسال بكل برائة، هل هذا السند البسيط يتناسب مع ثقل مصحف فاطمة كما يصفوه وينعتوه ؟ هل هناك توازي بين ثقل الموضوع وثقل سنده ؟ مجرد سؤال سريع، ولنا أكثر من عودة إن شا ء الله
وفي حلقة مقبلة نفصل في مشكلة الإشتراك، والحمد لله رب العالمين.

[email protected]