"كتبه لنفسه الفقير لرب الأرض والسموات سليمان بن عبدالله في مدينة الدرعية المحروسة في ولاية أمير المؤمنين الإمام سعود بن عبدالعزيز حرس الله مُهجته". والمُهجة: الروح والنفس، يقال: خرجتْ مُهجَتُهُ، وبذل مهجتَه في سبيل الوطن.
من تلك الكلمة "الدرعية المحروسة" التي خُطّت قبل أكثر من 250 سنةً استَلهمت هيئة تطوير بوابة الدرعية كتاب (جماليات المخطوطات في الدرعية) الذي سيكون ضمن الكتب التي تشارك بها في جناحها الحالي بمعرض الكتاب الدولي 2023 المقام في رحاب جامعة الملك سعود، في اكتشاف جماليات الخط العربي التي ضمّتها نوادر المخطوطات السعودية من الدرعية؛ لإبراز القيمة الثقافية والتاريخية في الدرعية التي ما زالت تنبض بروح تلك المخطوطات وجمالها ورونقها، ولبيان أهمية هذه الجماليات التي يمكن استنطاقها لإخراج مكنوناتها وتوظيفها في الأعمال الثقافية والعمرانية لتطوير مستقبل الدرعية.
كانت الدرعية التاريخية عاصمةً للسعوديين، ومنارةً للثقافة والوراقة والمعرفة، وهو ما ميّزها بسماتٍ فريدة ذات تأثير جليل داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها في القرن الثامن عشر الميلادي.
ويركز كتاب (جماليات المخطوطات في الدرعية) في إبراز التفاصيل الفنية إلى جانب العلوم التي تضمّنتها المخطوطات؛ فعلى مدى عقود ماضية كان الاهتمام منصبًّا على تحقيق نصوص المخطوطات دون التركيز في دراسة اللمسات الراقية في مجال فنون الزخرفة والخط التي استوحاها النسّاخ أو الخطاطون من البيئة المحلية في الدرعية؛ فالأشكال الهندسية والرسومات التي أُخذت من أوراق النباتات أو أزهارها والتي زُينت بها تلك المخطوطات، جميعُها جاءت من تأثّر أولئك النسّاخ بمحيطهم وبيئتهم، وتفرّغهم لها دليلٌ على نمط العيش الذي كانوا ينعمون فيه، من أمن ورخاء وازدهار، وكل ذلك يعكس لنا كيف أسهمت الدولة السعودية في تحقيق نقلة حضارية وثقافية للجزيرة العربية ابتداءً من الدرعية .
استعرض الكتاب صورًا حصريةً لمخطوطات سعودية نادرة كُتبت في "الدرعية المحروسة" كما كان يسميها السعوديون الأوائل في القرن الثامن عشر الميلادي، وتطرقت كذلك لأنواع الأحبار الطبيعية الملوّنة التي كانت تُصنع في الدرعية وَفق علمٍ مؤسَّس من صُنّاع محليّين آنذاك، ونشأت مدرسة الخط فيها وتطوّرت ووصلت إلى ذروتها في ذلك العصر بدعم أئمتها.
وبرفقة هذا الكتاب، يعرض جناح الهيئة في معرض الكتاب كتابًا آخر، وهو كتاب (الدرعية في الخرائط التاريخية) الذي يبرز أهمية العاصمة التاريخية للسعوديين وظهورها على الساحة العالمية مع مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، فحرصت الهيئة على التوثيق الدقيق لخرائط الدرعية التاريخية التي رسمها جغرافيون من جميع أنحاء العالم في القرون الثلاثة الماضية مع تزايد العناية بالدرعية بوصفها أهم المدن العالمية التي تطرَّق المختصون لها من خلال وضعها في الخرائط العالمية.
وتأتي قيمة الكتاب من كونه يوثق لـ(142) خريطةً تاريخيةً قديمةً عن الدرعية توثيقًا دقيقًا، وبعدة لغات عالمية، أهمها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية، وتمثل تلك الخرائط مصدرًا جغرافيًّا يكشف رؤية دول العالم وحكوماته المختلفة للمنطقة والموقع الجغرافي لعاصمة الدولة السعودية الأولى، وقد وُجد أكثرُ من (24) تهجئة لكلمة "الدرعية" في تلك الخرائط التاريخية ما بين عامي (1751-1959م)، ويعدّ هذا الإصدار بمنزلة مرجع جغرافي وتاريخي للمهتمّين بالتاريخ السعودي والمواقع الجغرافية وتسمياتها التاريخية لدى الأجانب، وقد أسهم في التعرّف على مزيد من التطوّر التاريخي والجغرافي للمنطقة. وأجمل هذه الخرائط التاريخية تلك التي رسمها للدرعية والطريف القنصل الفرنسي في حلب وبغداد جوزيف روسو قبل أكثر من 215 عامًا، فأظهر فيها وادي حنيفة برسمه الجغرافي كأنه قراءة تخطيط كهربائية القلب من خلال تعرّجات الوادي الجميلة.
الجدير بالذكر أنّ هيئة تطوير بوابة الدرعية أولت تاريخ الدرعية اهتمامًا كبيرًا، فصوّرت المشهد الثقافي لمدينة الدرعية المحروسة من خلال مشاركتها في معرض الكتاب الدولي لعام 2023م، وترجمت البُعد التاريخي لهذه المدينة؛ لتأخذ زائر الجناح في تجربةٍ استثنائيةٍ حيَّة تحاكي النهضة العلمية في عهد الدولة السعودية الأولى، التي جعلت منها أيقونةً حضاريةً ورمزًا ثقافيًّا نباهي به العالم.
- آخر تحديث :
التعليقات