منذ توقيع "اتفاقيات إبراهيم" في عام 2020، والتي طبعت العلاقات بين إسرائيل ودول عربية أبرزها الإمارات والبحرين والمغرب، شهد الشرق الأوسط تحولاً جيوسياسياً دراماتيكياً. لقد استهدفت هذه الاتفاقيات كسر النموذج التقليدي الذي ربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية، متبنيةً معادلة "السلام مقابل السلام" والمصالح المشتركة بدلاً من "الأرض مقابل السلام". ولكن بعد مرور سنوات واختبارات قاسية، يبرز السؤال الجوهري: هل حققت هذه الاتفاقيات أهدافها المعلنة وغير المعلنة؟
الأمن والمخاوف الوجودية
من المنظور الإسرائيلي، شكلت الاتفاقيات اختراقاً استراتيجياً هائلاً. فقد ساهمت في تبديد جزء كبير من "العزلة الإقليمية" التي طالما عانت منها الدولة العبرية، ومنحتها ما يُعرف بـ "العمق الاستراتيجي".
نجحت الاتفاقيات في بناء تحالف أمني غير معلن في مواجهة التهديد الإيراني المشترك، والذي كان أحد المحركات الرئيسية لتوقيع هذه الاتفاقيات. ومنح التعاون الاستخباراتي والعسكري المتنامي بين دول الاتفاقيات إسرائيل عمقاً استراتيجياً إزاء هجوم محتمل من الشرق، كما أفضت الاتفاقيات إلى تبادل التكنولوجيا الدفاعية وفتح أسواق جديدة واعدة. بهذا المعنى، نجحت الاتفاقيات جزئياً في تخفيف الهواجس الأمنية الإسرائيلية المتعلقة بمحيطها العربي، وحولت خصوم الأمس إلى شركاء اقتصاديين وأمنيين.
المعضلة الفلسطينية: الحاضر الغائب
على الجانب الآخر، كان الرهان لدى صناع القرار الإسرائيليين على أن تؤدي هذه الاتفاقيات إلى تهميش الصراع مع الفلسطينيين و"إدارته"، بينما كان الشركاء العرب يعتبرون أن توسيع دائرة السلام العربي سيمنح الدول العربية "أوراق ضغط" لدفع إسرائيل نحو حل الدولتين، أو على الأقل منح الفلسطينيين قدراً أكبر من الحكم الذاتي. إلا أن الواقع كان أكثر تعقيداً.
أثبتت الأحداث المتلاحقة، وآخرها الحرب في غزة، أن تجاوز القضية الفلسطينية عبر "السلام الإقليمي" لم ينهِ الصراع ولم يجعله هامشياً. لقد وفرت الاتفاقيات قنوات اتصال خلفية ساعدت أحياناً في خفض التصعيد، لكنها لم تنجح في إيجاد إطار سياسي لحل النزاع.
وقد كشف الانفجار الأمني الأخير أن نظرية "القفز فوق الفلسطينيين" للوصول إلى الرياض لم تنجح حتى الآن. وكان إحباط توسيع رقعة الاتفاقيات أحد أبرز أهداف هجوم الـ7 من أكتوبر الذي شنته حركة حماس وانضم إليه حزب الله بإيحاء من إيران. مما أعاد القضية الفلسطينية لتكون "فيتو" صعب التجاوز أمام أي توسع مستقبلي للاتفاقيات، وخاصة مع العربية السعودية. وقد وجد هذا الفيتو تعبيراً له في خطة ترامب لإيقاف الحرب في غزة علماً بأنها تشتمل على إيجاد "أفق" سياسي للفلسطينيين.
خلاصة المشهد
نجحت اتفاقيات إبراهيم في إعادة رسم الخارطة الدبلوماسية للمنطقة ومنحت إسرائيل شعوراً متزايداً بالقبول والشرعية الإقليمية، مما بدد إلى حد ما مخاوفها من "حرب الجيوش العربية". ومع ذلك، أثبتت الوقائع أن الأمن الإسرائيلي الشامل لا يزال مرتبطاً بإيجاد حل للصراع مع الفلسطينيين.
لقد خلقت الاتفاقيات هيكلاً إقليمياً جديداً، لكن هذا الهيكل سيظل مجمداً وهشاً ما لم يتم دمج المسار الفلسطيني فيه بشكل جذري، وليس كمجرد ملحق اقتصادي أو إنساني.
























التعليقات