عيسى العلي من الدار البيضاء: فوجئ سكان مناطق سايس والأطلس المتوسط وجبال الريف بمدنهم وقراهم تلبس الثوب الأبيض الناصع بعد أن غطت التساقطات الثلجية، التي بدأت منذ يومين، مختلف الأزقة والشوارع. وأكسيت مدن عدة بحلة فضية لامعة زينها إحاطة الثلوج البيضاء الجميلة بكل شىء حتى الأشجار والنباتات في أرضية المنازل والسطوح، لتنمحي بذلك صورة الجفاف القاتمة التي خيمت على المغرب منذ فترة، ووضعت زرعه وضرعه في خطر.
وبدت على المتجولين، خصوصا في مدينة فاس، التي لم تشهد تساقطات مماثلة منذ سنوات عدة، علامات الارتياح والابتهاج، أما الأطفال فقد توجهوا إلى مدارسهم وهم يرتدون ملابس دافئة ويلعبون بندف الثلج، في حين أخذ سائقو السيارات حذرهم تجنبا للانزلاقات.
ولا تعرف مدينة فاس، التي تقع في سهل سايس على بعد 80 كلم من بولمان وعلى المحطة الصغيرة للرياضات الشتوية بمشلفين (إقليم إفران) جوا معتدلا، إذ تتميز على العموم بفصول شتاء قاسية وجافة وفصول صيف شديدة الحرارة، تفوق درجاتها 45 درجة، خاصة خلال شهري يوليوز وغشت.
ورغم أن التساقطات الثلجية ساهمت في تنقية الأجواء وإعادة الحياة لممارسي نشاط التزحلق على الثلج بجبلي هبري وميشليفن وبمحطات عديدة لهذه الرياضة في الأطلس المتوسط، إلا أنها أدت إلى حدوث شلل في حركة المرور والنقل بمقاطع عديدة من المحاور الطرقية العابرة في مدن إفران وخنيفرة وبولمان وصفرو والحسيمة، كما دخلت على إثرها العديد من القرى والمراكز والتجمعات السكنية في عزلة عن العالم الخارجي بسب كثافة الثلج وعلوه، مما استدعى تكثيف الجهود وتسخير آليات إضافية لإزاحتها وفتح الطرق المقطوعة.
ويبدو أن تمتع بهذه الأجواء سيدوم يومين آخرين، إذ توقعت مديرية الأرصاد الجوية بأن يشهد المغرب سقوط كميات من الثلوج قد تتجاوز20 سنتيمترا في مرتفعات ولايات وأقاليم كل من تارودانت وطاطا والحوز وورزازات وأزيلال.
كما توقعت أن تعرف هذه المناطق سقوط أمطار قد تكون عاصفية محليا، مضيفة أنه، ابتداء من صباح اليوم الأحد وإلى غاية الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه، ستنزل زخات مطرية مهمة في كل من العيون وبوجدور والداخلة. وأوضحت المديرية أن هذه الموجة من الأمطار والثلوج ناتجة عن سحب كثيفة قادمة من الجنوب، مشيرة إلى أن الرياح ستكون ضعيفة إلى معتدلة، إذ ينتظر أن تهب من القطاع الجنوبي بالمناطق الشرقية والجنوبية، ومن القطاع الشمالي الشرقي بالسواحل الشمالية ومتقلبة الاتجاه بباقي مناطق المملكة.
أما بخصوص درجات الحرارة، فستتراوح ما بين 12 و16 درجة شمال وشرق البلاد، وما بين17 و24 درجة بالوسط والجنوب،وستنخفض خلال الليل، إذ ستسجل بالمرتفعات ما بين 7 درجات تحت الصفر، و3 درجات تحت الصفر بالمناطق الداخلية، في الوقت الذي ستنخفض فيه بالسواحل الشمالية إلى حدود درجة واحدة.
وكان المستفيد الأكبر من هذه التساقطات هي السدود التي وصلت حقينتها في المملكة، إلى غاية الجمعة الماضية، لحوالي 8 ملايير و45 مليون متر مكعب، أي بنسبة ملئ إجمالي تقدر بنحو 53 في المائة، مقابل 43 في المائة بالنسبة للفترة نفسها من السنة الماضية.
وعزا بلاغ صادر عن مديرية البحث والتخطيط المائي، التابع لكتابة الدولة المكلفة بالماء، هذا الارتفاع للتساقطات المطرية والثلجية الأخيرة التي عرفتها البلاد، والتي من شأنها تحسين نسبة المياه الواردة المتدفقة بالسدود.
وأوضح المصدر ذاته أن نسبة الملء فاقت 70 في المائة في 15 سدا، منها سد المنصور الذهبي بعالية حوض درعة الذي بلغت فيه النسبة 73 في المائة، وسد الحسن الداخل على واد زيز الذي بلغت نسبة الملء فيه 71 في المائة.
وأبرز البلاغ أنه بفضل هذه النسب، التي لم تسجل منذ الفترة 1996 -1998 عندما شهدت تساقطات مطرية مهمة، سيمكن مخزون هذين السدين من تلبية الحاجيات المائية في ظروف مرضية للدوائر السقوية لكل من درعة وزيز اللتان عرفتا خصاصا في الماء طوال العشر سنوات الماضية.
عطش وجفاف في 2020
على صعيد آخر توقع تقرير لخبراء حول التغيرات المناخية أن المغرب سيعرف، في أفق 2020، ارتفاعا لدرجة الحرارة من 0.7 إلى 1 درجة، وانخفاضا للتساقطات من ناقص7 إلى 0 في المائة، وتراجع مستوى التساقطات الثلجية على مستوى القمم الأكثر ارتفاعا.
وأشار التقرير، الذي خصص لبحث مدى تكيف المملكة مع التغيرات المناخية والجرد الوطني لانبعاث الغازات السامة، إلى أن بعض الاختلالات ستقع في الإشارة الموسمية للتساقطات، وارتفاع وتيرة العواصف الكثيفة لرياح الشرقي، إلى جانب ارتفاع وتيرة وكثافة الجفاف في أفق 2020.
واعتبر أن الماء والفلاحة يعدان قطاعين أولويين، في حين تعد المناطق الساحلية والغابات والمناطق الرطبة هي الأكثر هشاشة.
وعزا محمد جليل المسؤول عن مشروع دراسة آثار الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية بالمغرب، هذا التحول إلى التأثير السلبي لظاهرة الاحتباس الحراري، مضيفا، في ندوة نظمت قبل أسبوع في الرباط حول الموضوع، أن مصادر المياه ستنخفض بنسبة 15 في المائة بحلول سنة 2020، كما أن ظاهرة الجفاف ستزداد حدة وسينخفض إنتاج المواد الفلاحية بنسبة 10 في المائة خلال سنة فلاحية عادية، وبنسبة 50 في المائة خلال سنة جافة.
واعتبر الخبراء المغاربة أن مجالات الطاقة والنقل، والفلاحة، والتصنيع، والغابات، والمخلفات الاستهلاكية؛ تشكل كلها العناصر المسئولة عن انبعاث الغازات السامة، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وثاني أكسيد الآزوت (الناتج عن وسائل النقل).
وحسب دراسات مناخية فإن عام 1999 على سبيل المثال شهد انبعاث 54631 كيلو طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون فقط، استأثر منها قطاع إنتاج الطاقة ب 57 في المائة، والفلاحة والغابات ب 7 في المائة لكل منهما، مقابل 6 في المائة فقط للقطاع الصناعي، و5 في المائة للمخلفات الاستهلاكية.
وتجرى في الوقت الحاضر دراسة مماثلة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وآثارها على التحول المناخي المغربي ستعلن نتائجها خلال ندوة صحافية في شهر فبراير المقبل، توضح كل المؤشرات أن نتائجها لا تبعث على التفاؤل.
التعليقات