إيمان إبراهيم من بيروت: يعتبر الإعلامي عماد مرمل أنّ الموضوعيّة أمر نسبي في الإعلام، وأنّ الواقعيّة هي أفضل توصيف للإعلام خصوصاً حين تستفحل الأزمات السياسيّة، وتصبح كل محطّة منبراً سياسياً يعبّر عن وجهة نظر أحاديّة الجانب.
يرى أن الإعلام ليس جمعيّة خيريّة، لكنّه يتمنّى على وسائل الإعلام أن تعبّر عن وجهات نظرها وقضاياها بأكبر قدر من المهنيّة. يقول quot;في فترات الأزمات والانقسامات الحادّة، تتقلّص مساحة المهنيّة، ليتراجع إعلام الرأي أمام إعلام القضيّةquot;.
يتحدّث عن تجربته التلفزيونيّة مع برنامج quot;حديث الساعةquot;، ويرى أن تلفزيون quot;المنارquot; أكثر ديموقراطيّة ممّا قد يظن البعض، خصوصاً لجهة استضافة شخصيّات سياسيّة تعبّر عن وجهة نظر مناقضة لتوجّه المحطّة السياسي.
يتذكر عماد حادثة وفاة الوزير بيار حلو في الاستديو حين كان يحاوره قبل سنوات، يعترف أنّ الحادثة رافقته مدّة طويلة لكنّها لم تشكّل له عقدة، خصوصاً أن عائلة الراحل خفّفت عنه. معه كان هذا الحوار: تلفزيون quot;المنارquot; الذي كان يوصف بأنّه الأكثر اعتدالاً في تناول القضايا الدّاخليّة، يبدو اليوم وكأنّه وجّه كل أسلحته وإعلامه الحربي إلى الدّاخل، بصفتك إعلامي من داخل المحطّة كيف تصف المشهد الإعلامي اللبناني اليوم؟
قد يكون ثمّة مبالغات أحياناً، لكن هذا تفصيل. عندما تكون هناك معركة سياسيّة من العيار الثقيل، من الطبيعي أن يكون الإعلام جزءً منها، ومن غير الطبيعي أن تخوض المعارضة معركة بحجم المعركة التي تخوضها اليوم، ويكون إعلامها في الصّفوف الخلفيّة. الإعلام دائماً هو في الصفوف الأماميّة لأيّة حرب.
حتّى لو كانت الحرب داخليّة؟
بالطبع، في الحرب مع إسرائيل كان الإعلام أساسياً، وفي الحرب أو لنقل في الصراع الداخلي الإعلام أيضاً أساسياً، وهو لا يقل شأناً عن أدوات الصراع الأخرى.
أنت صحافي تكتب في جريدة السفير، قلمك ليس متشنّجاً ولا حتّى طريقة تقديمك لبرنامجك السياسي، فكيف تبرّر المهاترات الإعلاميّة التي قد تصل إلى حدود الشحن الطائفي؟
جريدة السفير ليس في نفس الخانة مع تلفزيون المنار، الذي يعتبر رأس الحربة في إعلام المعارضة في هذه الفترة، فالتيار العوني ليس لديه محطّة ناطقة باسمه، وتلفزيون الجديد في الخط الوسط، عملياً المنار هي رأس الحربة في الصراع الدّائر بين السلطة والمعارضة. السفير لها موقع مختلف، وبالتالي لو كان ثمّة توجّه للجريدة بخوض معركة، لرّبما كان أداؤها مختلفاً، لذا طبيعة الدور الذي اختارته السفير لنفسها في هذه المرحلة مختلف عن طبيعة دور المنار.
لأي منبر إعلامي تشعر بانتماء أكبر؟
لو لم أكن أشعر بالانتماء إلى المنبرين معاً، لما تمكّنت من الاستمرار. في العمق ثمّة تقاطع بين المنبرين، لكن في الأسلوب والأداء ثمّة تمايزات لها علاقة بطبيعة كل محطّة وتكوينها ونسيجها الداخلي. العامود الفقري وجينات هاتين الوسيلتين متشابهتان، ثمّة تقارب في الأفكار الاستراتيجيّة وتمايز في الأسلوب. الإعلام المكتوب بحد ذاته يعتمد تكتيك مختلف. الجريدة أكثر عقلانيّة وأدق من ناحية المعايير المهنية، دور التلفزيون تعبوي ومؤثر أكثر، بفعل الانتشار، وأسلوبه مختلف عن الجريدة التي تتوجه بشكل عام إلى الطبقة المثقفة النخبويّة.
الإعلام اللبناني شهد تراجعاً كبيراً في الفترة الأخيرة، خصوصاً لناحية المصداقيّة، بأي عين تنظر إلى المشهد الإعلامي اللبناني؟
لا أنكر أن ثمّة مشكلة في اللغة الإعلاميّة المستخدمة، لكن قبل الحديث عن هذه اللغة علينا أن ننظر إلى مسبباتها. المشكلة لا تعود إلى كون الإعلام يعاني من أمراض بنيويّة وعضويّة، بل لأنّه يعكس حجم المشكلة في البلد. الإعلام يعكس الاحتقان والتسويات بين السياسيين، أما الشارع فهو متلق في الحالتين. عندما كان الاحتقان على أشدّه، كانت اللغة المستخدمة تعكس هذا الاحتقان، في الفترة الأخيرة نشهد محاولات تهدئة، انعكست على الإعلام الذي استعاد الكثير من توازنه. الغلط هو توصيف المشهد الإعلاني بعيداً عن بيئته التي ينتمي إليها.
في لبنان أصبحت المحطّات تتوجّه إلى محازبيها من دون محاولة كسب الجمهور الآخر، هل يصدّق اللبناني وسائل إعلامه؟
إلى حد ما هذا صحيح، لكن ليس علينا أن نستسلم إلى الأمر الواقع، بل علينا أن نبحث دائماً عن استقطاب الجمهور في الفريق الآخر. أحياناً تستخدم المحطات أسلوب مخاطبة العقل عند الفريق الآخر من خلال طريقة عرض الأخبار، واستضافة الشخصيات وكيفيّة محاورتها. في زمن الاصطفاف الحاد، يصبح لجمهور المحطّة أولويّة، لكن هذا لا يعني أنّ الجمهور الآخر يجب إهماله. في لبنان الجمهور أصبح جزءً من المعركة، لذا صيانة هذا الجمهور ومخاطبته وإقناعه بما يجري أصبحت من أولويات كل محطّة. ومما لا شك فيه أن جمهور المحطات اللبنانية يصدقها، بدليل أنّ توجيه نداء للنزول إلى الشارع يلقى دائماً تجاوباً من قبل الجمهور، هذا يعني أنّ ثمّة استجابة عالية لما تبثّه المحطّات. في برنامجك تستخدم التعابير التي تستخدمها المحطّة في نشرات الأخبار، هل يتمّ تعميم التعابير السياسيّة الواجب استخدامها بما يخدم سياسة المحطة من قبل الإدارة؟
هو تعميم إعلامي سياسي، ليس صادراً بقرار إداري، بل بمناخ عام.
هذا يعني أنّك لم تعد موضوعياً في حواراتك السياسيّة؟
الموضوعيّة نسبيّة، وكل تعبير سياسي مستخدم له ما يبرره على أرض الواقع. في معركة ثانية وجو آخر، قد يكون ثمّة مصطلحات من المستحب استخدامها، لكن لا يوجد تعميم صارم من قبل الإدارة، لذا أعمد إلى التنويع في استخدام التعابير السياسيّة.
إلى أي مدى تختار ضيوفك في برنامج quot;حديث الساعةquot;، وهل تفرض الإدارة نوعيّة الضيوف؟
أقترح الضيوف وأتشاور من الإدارة، وموضوع اختيار الأسماء ديموقراطي أكثر مما يتصور البعض.
تختارون دائماً الطرف الأضعف لتمثيل وجهة النظر الأخرى، أليس ثمّة توجيه في هذا الخصوص؟
لتركيب ضيفين متناقضين أنت بحاجة إلى الاطلاع على علم النفس، ففي لبنان ثمّة حديث دائم عن الديموقراطيّة لكنّ القلّة فقط هي التي تمارسها. أنا مثلاً عندما أقرّر استضافة شخصين ينتميان إلى فريقين متناقضين سياسياً أعاني كثيراً، لأنّهم يضعون فيتوهات متبادلة، لذا أتحوّل من محاور إلى مفاوض لأنمكّن من إيجاد صيغة تجمع الطّرفين، لذا المسؤوليّة لا تقع علينا فقط، بل على السياسيين. ليس الأمر بالسّهولة التي قد يعتقدها المشاهد، فحتّى نصل إلى الصيغة النهائيّة لشكل الحلقة وضيوفها نعاني كثيراً كي نتمكّن من إظهار الرّأي والرّأي الآخر. لذا إذا أقنعتم السياسيّين بالظهور في الحلقة مقابل خصومهم تصبح مهمّتي أسهل بكثير.
نلاحظ من كل البرامج التي تتلقون فيها اتصالات من المشاهدين، أنّ الآراء بغالبيّتها مع خطّكم السياسي. هل يعني هذا أنّ المحطّة لا تمرّر سوى الاتصالات التي تصب في مصلحة توجّهها السياسي، أو أنّ مشاهديكم هم فقط جمهور حزب الله؟
في آخر إحصاءات تبيّن أنّ تلفزيون quot;المنارquot; حلّ في المرتبة الأولى بين المحطات اللبنانيّة، خصوصاً مع استفحال الأزمة السياسيّة، حيث كان جمهور الموالاة يشاهدنا ليعرف وجهة نظرنا السياسيّة على سبيل الفضول، وجمهور المعارضة يشاهدنا لأنّنا نعبّر عن رؤيته ومواقفه، وما عزّز مكانة quot;المنارquot;، جمهور التيار الوطني الحر الذي لا منبر سياسي له سوى محطتنا، معطوفاً على جمهورنا. بالنسبة إلى الاتصالات لاحظت في الفترة الأخيرة كماً من الاتصالات لأشخاص ضد المعارضة، لكنّي معك أنّ الاتصالات التي تناسب توجّهنا أكبر. بالنهاية نحن نتلقّى اتصالات على الهواء، وهذا ليس مؤشراً على اتجاه الجمهور، لأنّ ثمّة جمهور من الطرف الآخر يشاهدنا على سبيل الحشريّة وقد لا يتّصل.
تعرّضت لموقف محرج على الهواء، حين داهمت الوزير الرّاحل بيار حلو أزمة قلبيّة، وغاب عن الوعي أثناء بثّ الحلقة، هل غلبت حينها نزعتك الإنسانيّة على رغبتك المهنيّة بتحقيق سبق صحفي؟
هذه الحادثة مرّ عليها سنوات، أذكر أن الوزير الراحل كان ضيفي مع أديب فرحة الذي كان حينها مستشار وزير المال، والنائب عبد الله قصير الذي أصبح اليوم مدير تلفزيون quot;المنارquot;. أذكر أنّ الوزير كان شاحباً حين وصل إلى الاستديو، سألته عن صحّته فأخبرني أنّه تعرّض لوعكة صحيّة منذ أيام قليلة وأنّه بخير، وعندما انطلقت الحلقة نشب سجال بينه وبين فرحة حول قضيّة المهجرين، وبعد الفاصل الإعلاني التفت إلى الوزير فشاهدت وجهه شاحب اللون وزاغت عيناه، ناديته بعفويّة لكنّي بقيت متيقّظاً للكاميرا فطلبت استراحة إعلانات، كنت أعتقد أنّ الوزير غائب عن الوعي فحسب.
هل شعرت بتأنيب ضمير حين فارق الحياة؟
كنت أعتقد أنّ المسألة عرضيّة وأنّه غائب عن الوعي، فطلبت فريق الإسعافات في المحطّة وأجريت له الإسعافات الأوليّة ففتح عيناه وطلب مرافقه، وما لبث أن غاب عن الوعي قبل أن يصل مرافقه. ثمّ رافقته إلى المستشفى حيث بقي يعاني من جلطات دماغيّة متتالية وما لبث أن فارق الحياة.
هل كان انفعاله في الحلقة سبباً في تعرّضه للجلطة؟
الأطباء حينها لم يربطوا بين انفعاله وحاله الصحيّة. هذه الحادثة رافقتني فترة طويلة كحدث غير مألوف، لكنّها لم تشكّل لي عقدة، خصوصاً أنّ عائلته وقفت إلى جانبي، وخفّفت عنّي ولم تشعرني بأي ذنب. ما حدث كان قضاءً وقدراً، لكنّ ساعته حلّت على الهواء. بالمعنى الإنساني كانت الحادثة مأساويّة، بالمعنى المهني أصبح برنامجي حديث الناس ونلت شهرةً واسعة، لكنّي كنت أتمنّى لو بقي حياً فحياته كانت أهم عندي من أي إنجاز مهني.
قابلت الكثير من الشخصيات السياسيّة، فما هي الشّخصيّة التي أثّرت بك؟
شخصيّة السيد حسن نصر الله من دون منازع، ففضلاً عن كون حلقات السيد حسن مشاهدة أكثر من غيرها، ثمّة مساحة لتكتشفي وراء الأضواء مدى تواضع هذه الشخصيّة.
- آخر تحديث :
التعليقات