طلال سلامة من روما: أضحى quot;توتو ريناquot;، زعيم زعماء المافيويين بإيطاليا، أسطورة لرجاله المخلصين لا سيما بعد أن تم زجه بالسجن مدى الحياة. وهاهو quot;برناردو بروفينسانوquot;، زعيم آخر فر من قبضة العدالة لعشرات السنين، ثم تم القبض عليه، مثالاً يريد رجال المافيا quot;تقديسهquot; بصورة عمياء علماً أن هذه القداسة المافيوية لا تعترف بها دولة الفاتيكان قط. إذ طالما باركت الفاتيكان هؤلاء القديسين الحقيقيين الذين لم يلطخوا أنفسهم أبداً بدماء الأبرياء لجمع ثروات لا تبتلعها النيران.

بالطبع، تعتمد منظمات المافيا على التقنيات المتطورة، لا سيما الشبكة العنكبوتية ومواقع الربط الاجتماعي كما quot;فايسبوكquot;، للتواصل وترويج الأفكار مما يدفع خبراء محكمة quot;باليرموquot;، بجزيرة صقلية، الى تكثيف زيارتهم الى هذه المواقع تمهيداً لفتح ملف تحقيقات قضائية سيطال quot;فايسبوكquot; أولاً. إذ يحتضن هذا الموقع، في الوقت الحاضر، عدة مواقع للدردشة هدفها الإشادة بتاريخ وسيرة زعماء المافيا، المعتقلين أم الهاربين. كما تحتوي هذه المواقع بدورها على زوايا خاصة بتعليقات القراء، كما يحصل تماماً داخل موقع quot;ايلافquot; الإلكتروني، أين يمكن التعليق فورياً على مقالات الكتاب. من جانبها، رفضت إدارة quot;فايسبوكquot; الانصياع لارادة القضاة الإيطاليين في حذف مثل هذه المواقع المشبوهة. ولا أحد يعلم بعد ان كان أبعاد تحقيقات القضاة ستقاضي فايسبوك أم لا.

اليوم، تحوم شبهات القضاة حول وجود أهداف أخرى لمجموعة من زوار هذه المواقع، التي تترك خلفها تعليقاً أم رسالة تعاطف مع هؤلاء الزعماء العالقين وراء قضبان السجون. وكأن تعليقات بعض قراء هذه المواقع لها إخراج خفي من شأنه التداخل في عدة شؤون مهمة لهؤلاء الزعماء، كما إعادة النظر في محاكمتهم. في هذا الصدد، يشير quot;بياترو غراسوquot;، مدير أجهزة مكافحة المافيا في القضاء الإيطالي، أن أي خطوة تلجأ إليها المافيا عبر استغلال الإنترنت معقولة. وسبق لزعمائها الاتصال بأهم الشخصيات الصحفية هنا، في الماضي، من أجل تبادل quot;المعروفquot; لا سيما في الجولات الانتخابية فلم لا تستغل المافيا تقدم الإعلام الإنترنتي من أجل اتخاذه وكراً لوسائل الاتصال في ما بينها؟ يكفي النظر الى كيفية تحرك المنظمات المافيوية حول العالم لنرى سرعتها الخارقة في اعتناق كل ما هو جديد تكنولوجياً.

ان ما يحصل اليوم من دردشات غامضة، على موقع فايسبوك، لا سيما في تلك الزوايا التي بُنيت خصيصاً لتقديس الزعماء المسجونين، قد يكون استراتيجية تواصل جديدة quot;مشفرةquot; بين رجال المافيا المعروفة وطنياً باسم quot;كوزا نوستراquot;. فترك التعليقات في مواقع الزعماء قد لا تكون رسالة مباشرة موجهة إليهم إنما ذات محتوى مشفر، قد يكون بدوره رسالة أم أمراً أم تعليمات مختلفة، موجه الى زوار الموقع الآخرين. هكذا، تدخل استراتيجية التواصل هذه في إطار ما اعتنقه أسامة بن لادن، زعيم منظمة القاعدة منذ زمن بعيد، بشأن أوامر وتعليمات مشفرة تُنطق عبر أحاديثه التلفزيونية. ويبدو أن المافيا الإيطالية استنتجت، ولو بصورة متخلفة مقارنة بأوقات منظمة القاعدة، أن التشفير في التواصل هو درب النجاح.