"إيلاف" من سيدني: غنت في حفل (نوبل) تكريماً لصديقها بوب ديلان. وهي تضع ألحان وكلمات أغانيها. قد تبدو شخصية ناجحة، لكن كتابها الأخير يقدمها إمرأة تعيش في عزلة.

بشعرها الرمادي، الذي غالباً ما تغطيه بقلنسوة مصنوعة من الصوف، ومظهر يدل على عدم إكتراث (أو ربما العكس)، تبدو باتي سميث كأسطورة موسيقى الروك، أو البانك، وأيضاً كمتشردة دون مأوى، قد تكون محاطة بقططٍ تتحدث إليها.


يوحي كتاب المذكرات الثاني (إم. ترين) للمغنية الأمريكية، بعد الإنتهاء من قراءته، بأنها واعية جداً بنمط حياتها، فهي تملك أكثر من منزل واحد، ولها قطط، تتحدث معها فعلاً، وإن كانت تفعل ذات الشئ مع لحاف النوم، ومع جهاز التحكم عن بعد للتلفزيون، ورباط الحذاء، وقد تتحدث أيضاً مع تمثال نصفي للمخترع نيكولا تيسلا، غير أن معظم محادثاتها تكون مع بعض الأشباح المتعلقة بماضيها.

نبذة فنية
تحولت باتي سميث خلال أعوام السبعينات إلى واحدة من أشهر رموز البانك والبوهيميا النيويوركية، من خلال الشعر أولاً، ومن ثمّ الموسيقى. وأضحى ألبومها (هورسيس) 1975، رمزاً لعشاق البانك والروك، إبتدءاً من غلاف الألبوم، بما تضمنه من صور لروبرت مابلثوب، وإنتهاءاً بالأغاني التي إعتلت المراكز الأولى في قائمة أفضل الإصدارات الغنائية لاحقاً. وعقب قمة المجد الفني الذي بلغته، كان في إنتظار سميث قراراً بالإنسحاب من ميدان الفن دون إعلانٍ مسبق. في العام 1980 تزوجت من الموسيقي فريد سميث، وإنتقلت إلى ديترويت لتكريس الجزء الأكبر من السنوات الـ 15 المقبلة من حياتها لأسرتها.

مذكرات ورقية
كان يمكن أن تكون واحدة من المغنيات الشهيرات في عالم الموسيقى. لكن في عام 2010 أصدرت (كنا أولاداً)، كتاب مذكراتها الأول، وكان عبارة عن إستعادة وحنين لحياتها برفقة المصور الفوتوغرافي روبرت مابلثوب. وكان الكتاب بمثابة صورة لكليهما كفنانين مراهقين.
توفي مابلثوب، الذي إنطلقت شهرته كمصور للزهور والسادومازوخية (إيقاع الألم على الغير وتقبّل الألم من الغير)، في عام 1989 بسبب مرض الإيدز. ولحقه في العام التالي عازف البيانو في فرقتها، ومن ثمّ في 1994 مات زوجها، وبعد مرور شهر إلتحق شقيقها الصغير بقطار الوفيات.

وإذا كان كتاب مذكراتها الأول (كنا أولاداً) يدور حول مابلثوب، فأن (إم. ترين)، كتابها الثاني، يتناول ذكرياتها مع زوجها المتوفي فريد "سونيك" سميث. حيث تستحضر عبر صفحاته اللحظات التي أمضياها معاً، كالإستماع إلى لعبة البيسبول من خلال الراديو في قارب لم يتمكنا من إصلاحه، حيث بقي هناك مرمياً في فناء المنزل.

تدخل أنشطة باتي سميث في الوقت الحاضر ضمن ذكرياتها. تسافر كثيراً، وتتلقى دعواتٍ بصفة سفيرة ثقافية. وفي آيسلندا، إثر حصولها على إذن لتصوير مباراة بطولة العالم للشطرنج بين اللاعب الأمريكي بوبي فيشر والروسي بوريس سباسكي، والتي أقيمت في العاصمة الآيسلندية ريكيافيك في 1972، إتصل بها الحرّاس الشخصيين لفيشر لترتيب لقاءٍ في منتصف الليل. في البداية لم يتفقا، لكن بعدها بلغ الأمر بهما أن يغنيا سويةً موضوعاتٍ لبودي هولي. أو قد تزور منزل الرسامة فريدا كاهلو في المكسيك، وتقوم بتصوير عكازات الفنانة أو مجموعة ملابسها. أو تقوم بالسفر إلى طوكيو بحثاً عن قبر كل من المخرج السينمائي أكيرا كوروساوا والكاتب الروائي أوسامو دازاي.


صور
ولا تحتفظ باتي سميث بذكرياتٍ فقط، بل كذلك بصور فوتوغرافية وأشياء (أو صور فوتوغرافية لأشياء)، مثل التمائم. وكذلك لا تزال تحتفظ بمكتب والدها، والطُعم الذي كانت تحمله معها أثناء صيد السمك برفقة زوجها. وتقوم المغنية ومؤلفة الأغاني أيضاً بإلتقاط الصور الفوتوغرافية للمتعلقات الخاصة بكبار النجوم والمشاهير، مثل القوس الخاص بغيتار المغني الأمريكي – الإيرلندي كيفن شيلدز، أو أحذية باليه التي كانت ترتديها راقصة الباليه الإنكليزية مارغوت فونتين، إلى جانب الآلة الكاتبة للأديب الألماني هيومان هيسه، وقبعة الشاعر الإنكليزي روبرت غريفز المصنوعة من القش، وكرسي الكاتب التشيلي روبرتو بولانيو، ونظارات الكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت، أو عصا الكاتبة الإنكليزية فرجينيا وولف. 

عادات متقلبة
عندما تكون في أجازة من السفر، تتجول سميث في الحي الذي تقيم فيه، غرينوج فيليج، تشرب القهوة وتأكل الخبز المحمص مع زيت الزيتون. 
وإذا بدا مستغرباً أن لا تظهر في (كنا أولاداً) مدمنة مخدرات، فسوف نعرف في كتابها اللاحق (إم. ترين) أن سميث هي بالفعل مدمنة: أكثر ما أدمنت عليه، القهوة (لترات منها تتدفق من بين صفحاتها)، ومن أكثر الأمور غير المتوقعة، مسلسلات المخبرين السريين التلفزيونية (ذا كلنغ، لو أند أوردر، سي إس آي: ميامي). وسميث التي تقول "شعراء الأمس هم مباحث اليوم" مولعة جداً بهذه المسلسلات، حتى بلغ الأمر بها لغاية أنها، خلال تنقلها من برلين إلى نيويورك، توقفت في لندن، وعندما تأخرت رحلتها هناك، سارعت إلى فندق صغير، من دون أن تتردد لحظة، توقفت لتلتقيب أبطالها، وتتشبه بهم (إذا كانوا إعتادوا على أكلة محددة، كانت هي أيضاً تطلب ذات الوجبة من قسم الخدمة في الفندق).

وتحب باتي سميث أيضاً شاطئ (روكواي بيج)، حيث إفتتح أحد أصدقائها كافتيريا هناك، حيث إشترت كوخاً متداعياً، لكن لم يدمره إعصار ساندي. ومن أجل أن تشتري الكوخ، وفقاً لكلامها، كان عليها أن تعمل طوال موسم صيف كامل، وتتفق من أجل إحياء العديد من الحفلات، مما يدل على أنها تعيش حياة متميّزة: لديها المال، والأصدقاء، والمعجبين بها في كل بقعة من العالم.
بيد أن الكتاب أبعد من أن يكون إنتصاراً. تحاول المغنية البقاء على قيد الحياة، ولكن الإنطباع والشعور الأخير هو أنها وحيدة، ترافقها قططها التي لم يبقَ منها إلا واحدة في نهاية المطاف، بينما تستمر بالعيش برفقة ذكرياتها وأحلامها. 


حب الحياة
ما يحفز"سميث" للتشبث بالحياة هو الفن، الخاص بها وبالآخرين. فهي بمقدورها قضاء صباح يوم كامل لتجهيز قائمة بأسماء روائع الأعمال الأدبية، حيث تتكرر أسماء الذين تكن الإعجاب لهم: المسرحي والروائي الفرنسي جان جينيه، والروائي الألماني وينفريد جورج سيبالد، والروائي الإنكليزي جيمس غراهام بالارد وغيرهم. وكتب أؤلئك الأدباء يرشدونها ويعينونها في حياتها.
أخيراً، وفي محاولة للبحث عن تعريف لكتاب باتي سميث (إم. ترين) وذكرياتها، لم تتفق سوى بضع كلماتٍ مع بعضها، والتي لا تخرج عن معناها العميق أبداً، وتلتقي في إطلاق وصفٍ محددٍ عليه، ليس هناك سواه، إتشحت به الكلمات التي يحتضنها، من البداية وحتى آخر حرفٍ سطرتها يدها،ه ذه الكلمات بدت سجينة الحزن والذاكرة.