رسمت الأمم المتحدة صورة قاتمة للوضع الإنساني في السودان، بعد مرور 20 شهراً من الحرب الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ أكدت في تقريرها الأخير بشأن الأمن الغذائي والمجاعة أن الأزمة الغذائية في البلاد وصلت إلى أسوأ مستوياتها في تاريخ السودان.
وفي محاولة لتسليط الضوء على هذه الأزمة الإنسانية، عقدت الأمم المتحدة جلسة في مجلس الأمن الدولي، جمعت ممثلين عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، ومنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، إلى جانب الممثلين الدائمين للدول الأعضاء في المجلس.
خلال الجلسة، وصفت مديرة المناصرة في "أوتشا"، إيديم أونوسوروا، الأزمة بأنها "من صنع البشر"، مشيرة إلى أن الجوع يفرض تهديداً كبيراً على النساء والأطفال وكبار السن.
وقالت: "السودان هو البلد الوحيد في العالم الذي يشهد حالياً تفاقماً للجوع نتيجة قرارات تتخذ يومياً".
من ناحيتها، أكدت ممثلة "الفاو"، بيث بيديكول، أن النزاع والنزوح يمثلان الأسباب الرئيسية وراء الأزمة في السودان.
وأضافت: "وفقاً لأحدث التصنيفات المرحلية للأمن الغذائي، يواجه نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون شخص، خطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع وجود مئات الآلاف منهم في المرحلة الخامسة، التي تعتبر مستوى كارثياً".
المجاعة في السودان "في كل مكان تقريباً"
"محض أكاذيب"
لطالما نفت الحكومة السودانية وجود أزمة غذائية أو مجاعة في البلاد، ووصفت تلك الادعاءات بأنها "محاولة لتحقيق أجندات سياسية".
وفي العاصمة المؤقتة بورتسودان، كرر المسؤولون الحكوميون، وعلى رأسهم قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، هذا الموقف، إذ وصف في خطاب متلفز ألقاه نهاية العام الماضي، التقارير المتعلقة بالمجاعة بأنها "افتراء يهدف للتدخل في الشأن السوداني".
وقال البرهان: "لقد استجابت الحكومة السودانية لجميع متطلبات العمل الإنساني وإيصال المساعدات للمحتاجين، وستظل ملتزمة بهذا الأمر. كما أن الدولة وقواتها المسلحة ملتزمة بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، مع وضع ضوابط صارمة لحماية المدنيين".
بعد جلسة مجلس الأمن، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً وصفت فيه التقارير التي تتحدث عن الجوع بأنها "محض افتراءات وادعاءات غير دقيقة".
وأضاف البيان أن التوقعات تشير إلى إنتاج 7 إلى 8 ملايين طن من الذرة والدخن هذا الموسم، وهو ما يفوق الاحتياجات المحلية المقدرة بـ4.5 إلى 5 ملايين طن، ما ينفي صحة المزاعم بوجود مجاعة.
هل يمكن إنقاذ السودان من "المجاعة"؟
"يأكلون الحشائش وعلف الحيوانات"
على أرض الواقع، يؤكد العاملون في المجال الإنساني وجود أدلة واضحة على انتشار المجاعة، خصوصاً في المناطق المتأثرة بالنزاع مثل دارفور وجنوب كردفان ومناطق الاشتباكات في العاصمة الخرطوم ومدنها الأخرى.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، قتل ما لا يقل عن 15 ألف شخص، واضطر أكثر من 14 مليوناً إلى النزوح من مناطقهم، بعضهم إلى دول الجوار. وتسبب النزاع أيضاً في تدمير كبير للبنية التحتية الحيوية.
أحد العاملين في المجال الإنساني، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لبي بي سي: "إنكار المجاعة من قبل السلطات يؤدي إلى تفاقم الوضع ويزيد من معاناة السكان الذين لا حول لهم ولا قوة".
وأضاف: "فرقنا الميدانية في شمال دارفور، وفي مخيمات النزوح مثل زمزم وأبو شوك، وأيضا في جنوب كردفان، رصدت وفاة العديد من الأشخاص بسبب نقص الغذاء. كما اضطر البعض الآخر إلى تناول الحشائش وعلف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة".
التعليقات