أشجار الكازوارين عمرها سنتين ونصف وهي أحد مشاريع الدكتور هاني الكاتب في صحراء شرم الشيخ المصرية

ميونيخ: في الوقت الذي تشهد فيه مصر زخماً وحراكاً علي كافة الأصعدة من أجل النهوض بالوطن من كبوته، ومن ثم التخلص من الإرث الثقيل الذي أعاق تقدم البلاد نحو آفاق المستقبل الزاهر إنطلاقاً من مبادئ ثورة 25 يناير التي يرجي منها الإنتقال بمصر الي مصاف الدول المتقدمة، نجد أن الكثيرين من أبناء مصر المهاجرين لا يدّخرون جهداً في مساعدة بلدهم.

البعض منهم شرع بالفعل في مد جسور البناء والعمل مع الوطن الأم، حاملين معهم الكثير من المشاريع والأفكار التي يسعون لتطبيقها واستثمارها علي أرض الوطن حتي تعود لمصر مرة أخري مكانتها وقوتها.

إلتقت quot;إيلافquot; الدكتور هاني الكاتب، العالم المصري والباحث في الجامعة التقنية في ألمانيا قبل سفره الي القاهرة في مهمة علمية للتعرف علي أفكاره من أجل مصر، خاصة وأن له الكثير من الإسهامات العالمية في مجال البحوث الزراعية وادارة الموارد وبحوث الغابات في ألمانيا والعالم، وهو صاحب فكرة إنشاء نظام مستدام للغابات عبر مناطق شاسعة في الصحراء المصرية والذي سيتم تطبيقه بالتعاون بين الحكومة المصرية وحكومة ولاية مقاطعة بافاريا الألمانية لتشجير اكثر من نصف مليون فدان باستخدام مياه الصرف الصحي.

يري الدكتور الكاتب ان مصر تعتبر حالة فريدة في العالم اذ انها تتصف بمناخها الجاف ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة فيها والتي لاتزيد عن 3.6 ٪ من المساحة الإجمالية للدولة، هذا فضلاً عن محدودية مصادر المياه الصالحة للشرب والزراعة والتي تتمثل في مصدر واحد فقط هو نهر النيل.

لهذا السبب يرى أن إدارة جيدة لتلك الموارد ستدفع بها الي الأمام والعكس بالعكس إدارة سيئة ستدفع بها الي الهاوية، الدليل علي ذلك ان المصريين القدماء قبل 5000 آلاف سنة عرفوا أهمية نهر النيل وقداسته وأهمية الزراعة في مصر القديمة حيث التربة الخصبة، لذلك نجد انهم بنوا نهضتهم إعتماداً علي إدارة مياه النيل والأراضي المحيطة به ، وكان ذلك سبباً كافيا جعل مصر تنتج من الغذاء مايقرب من الإكتفاء الذاتي الي ما قبل 60 سنة، في وقت كانت تشتهر فيه مصر بجودة محاصيلها الزراعية وقد جاء ذكر ذلك في الإنجيل والقرآن.

من جهة أخرى يرى الدكتور الكاتب أن وضع مصر الحالي مقلق في ظل سوء إدارة الموارد الذي تسبب في نكستها الزراعية، كذلك غياب النظم الفعالة من أجل استخدام موارد البلاد المحدودة بطريقة علمية مبنية علي اسس وقواعد صحيحة.

ويستطرد قائلاً ان مصر علي سبيل المثال تستهلك 80 ٪ من مياهها في الزراعة، و يصبح الأمر غاية في الخطورة في ظل التغيرات المناخية الحادثة التي تهدد بتقلص مياه الشرب، ويزداد الأمر خطورة عندما نعرف أن مصر فقدت9 ٪ من أراضيها الصالحة للزراعة من اجل استخدامها في الانشاءات والمباني في فترة السنوات ال 36 الماضي.

ووفق الأمانة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن مصر تحتل المرتبة الأولى في نسبة التصحر الآن بمعدل يصل الي خسارة قدرها 3.5 فدان في الساعة الواحدة من أجود الأراضي الزراعية الخصبة في الدلتا.

وهذا المعدل لا يضاهيه أي معدل في الإحصاءات العالمية، لذلك فإن الأمر يدعو الي إيجاد حلول عاجلة وحاسمة حيث لا مكان لمستقبل زاهردون تنمية حقيقية، وهذه التنمية وفق ما يقول تعتمد علي إدارة سليمة لإثنين من الموارد الأساسية وهما المياه والأرض.

ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟

يجيب محاورنا بشئ من الدراسة والعقلانية، فمن المهم أن يتوافر لدي حكام مصر الجدد الرؤية الثاقبة في تأمين الغذاء والمياه وان يتناسب ذلك مع تزايد عدد السكان ويجب كذلك ان يكون التطور السياسي والإقتصادي والإجتماعي مرتبط مع إدارة الموارد المتاحة والتي يجب ان تؤسس علي عدة عوامل اهمها: تعزيز ثقافة أهمية الموارد الطبيعية لدي الناس من أجل إستمرار الموارد ليس فقط للأجيال الحالية بل كذلك من أجل الأجيال القادمة.

يجب أيضا الحرص من الكوارث التي تنتج عن سوء استخدام الموارد والتي تؤدي إلى العطش والجوع والفقر، كذلك التوفير الصارم في استخدام الموارد ومن ثم إعادة استخدام تدوير الموارد المستهلكة.

يجب كذلك التوصل الي ايجاد أفضل التدابير البديلة للوصول إلى الاستدامة في استخدام الموارد، ووضع سياسات وبرامج لإعادة التأهيل والحفاظ على الموارد الطبيعية، وحمايتها وإدماج نظم الإدارة المستدامة للموارد في القانون المصري، وأخيراً مواصلة تطوير آليات فعالة لتنظيم وضبط ومراقبة استخدام الموارد.

في سياق متصل، يحذر الدكتور الكاتب من مخاطر إهدار الموارد المحدودة من الماء والتربة الزراعية الصالحة للزراعة في مصر، ويقول إن ذلك بمثابة انتحار جماعي للأمة المصرية.

ويرى أن مصر في حاجة ربما الي قرارات ثورية لإصلاح الزراعة فيها، فالفرصة لازالت موجودة والآن قد حانت لحظة الحقيقة ليثبت المصريون للعالم اجمع بمدي قدرتهم علي تحسين اوضاع بلادهم بعد الثورة ، فعلي سبيل المثال هناك أمور ضرورية لابد من الآخذ بها فوراً مثل استعادة اراضي الدلتا الصالحة للزراعة التي تم التعدي عليها واستخدامها في الانشاءات والتوطين عليها، ويجب علي الفور إنشاء المدن الخضراء أو انشاء شبكة من quot;المدن الخضراءquot; الحديثة quot;المدن الخضراء للمحافظاتquot; في الصحراء خارج منطقة الدلتا وشبكة جيدة من الطرق تربط هذه المدن بعضها البعض ومتصلة بمنطقة الدلتا ومن ثم يتم توطين الناس فيها ولا يسمح أبدا بانتهاك الأرض الزراعية.

ووفق ما يقول فإن هذه المدن الجديدة يجب أن تكون مصممة بشكل جذاب ويجب ان نستغل التقنية العالمية في جعلها صديقة للبيئة عن طريق تحقيق الاستفادة القصوى من البيئة المحيطة، وفي الوقت نفسه يجب التقليل من استخدام الطاقة المستخدمة وتشجيع استخدام الطاقة البديلة.

ويضيف قائلاً: إن تصميم هذه المدن الجديدة الخضراء يجب أن يشمل جميع المرافق والخدمات ويراعى فى تصميمها ان تكون كل مواد البناء المستخدمة في تشيد الوحدات من مواد البناء الايكولوجي، بالإضافة إلى خاصية الإضاءة والتبريد الطبيعي الكافية، وأن تكون مجهزة بصنابيرموفرة للمياه ومراحيض تعمل بضغط الهواء أو تنظف عن طريق إعادة استخدام المياه الرمادية، وتشمل وحدات داخلية لفرز النفايات ويجب تزويد كل مدينة بوحدات إعادة تدوير المياه، وتجميع الأمطار في المناطق الممطرة نوعا ما واستخدام مياه الصرف الصحي المعالج في ري الحدائق وتخضير المدن، بالتالي تصبح مدنا منتجة وليست مستهلكة كما هو الوضع الحالي.

وفي نفس السياق يؤكد علي أهمية أن يعرف المصريين قيمة الموارد المتاحة في بلادهم وهي الشمس والصحراء ومياه البحر وهو يعتقد أن معرفة هذا يحتاج الي توعية وتعليم وتشجيع للعلماء والشباب علي ايجاد وسائل للإستخدام الصحيح والإدارة الجيدة لهذه الموارد والتي يمكن ان توفر لمصر كل وسائل الإعاشة دون الإعتماد علي المساعدات الخارجية، فهناك حلول كثيرة لاستخدام الطاقة الشمسية ومياه البحر لزراعة معظم الصحراء المصرية دون اللجوء الي استخدام المخزون الأرضي من المياه الجوفية التي يجب تركها الي الأجيال القادمة، كذلك يجب النظر في إمكانية تحويل مياه النيل الي الصحراء.