صلاح سليمان: مخاوف الجيولوجين في ولاية كاليفورنيا الأميركية هي الأعظم في العالم الآن، فهم متشائمون بشأن مستقبل الولاية، ذلك أنهم يعتقدون أنه في غضون السنوات الـ 30 المقبلة سيضرب زلزال قوي تبلغ قوته 6.7 على مقياس ريختر أركان الولاية وسيتم تدميرها بالكامل، وقد أطلقوا عليه تسمية شعبية quot;الواحد الأكبرquot;.

في هذا الإطار يعمل علماء الجيولوجيا في الولاية بشكل حثيث على سرعة الإنتهاء من إمكانية توقع الزلزال بطريقة علمية ثابتة قبل وقوعه بوقت كاف حتى يمكن تجنب الكثير من الخسائر، طريقة التنبؤ هذه ستعتمد على قياس الموجات الاهتزازية الدقيقة التي تصدر من باطن الأرض عادة قبل وقوع الزلزال، وهي الطريقة القديمة نفسها، ولكن بشكل أكثر دقة ومهارة، خاصة وأن سيناريوهات خسائر الزلزال ستكون صادمة. فالمستشفيات ستكون مكتظة، والتوقعات بوجود آلاف القتلى ستكون كبيرة، وحالة اليأس التي ستجتاح الناس ستكون هي السمة الغالبة على وضع كاليفورنيا المستقبلي.

يقول علماء الزلازل إن الأمر جدي ولا هزل فيه، إذ تصل توقعاتهم في هذا الشأن إلى نسبة 99%، وهي نسبة شبه مؤكدة، فعلماء الجيولوجيا يقولون إن متوسط حساباتهم تقول: إن الساحل الغربي الأميركي يضربه زلزال مدمّر كل 140 سنة، غير أن الزلزال المقبل الخطر قد تأخر عن ذلك التاريخ حتى الآن، لكنهم متأكدون من قدومه، وفي هذا الصدد يؤكد العلماء أنهم إذا كانوا بالفعل عاجزين عن فعل أي شئ لإيقاف الزلزال فإنهم على الأقل يطمحون إلى سرعة التنبؤ بحدوثه حتى يمكن تحذير السكان القريبين من بؤرته.

الزلازل بصفة عامة مازلت تصنّف على أنها خطر الطبيعة الأول الذي يفتك بالبشر، ورغم أنها لا تتسبب في قتل البشر مباشرة، لكنها تعمل على هدم المباني التي تؤدي إلى قتلهم. وفي معظم التقارير القديمة عن الزلازل نجدها من الناحية العلمية غير كاملة، حيث تورد تلك التقارير تفسيرات عامة للزلازل، بدلاً من المعالجة العلمية ـ والغريب أن كثيرًا من تلك التفسيرات مازال يعتمد الإطروحات التي قدمت قبل أكثر من 2000 عامًا على أفكار أرسطو، والتي كانت تقوم على أساس أن الزلازل تحدث نتيجة الرياح المندفعة تحت سطح الأرض.

لكن كيف يعّرف علماء الجيولوجيا الزلازل من الناحية العلمية؟. يقول الدكتور محمد أحمد حسن في كتابه أساسيات الجيولوجيا الفيريائية، إن الزلازل تحدث عموماً نتيجة انطلاق طاقة المرونة المختزنة في باطن الأرض. وتوجد معظم الزلازل عند حدود الألواح التكتونية أو بالقرب منها، كما يوجد أيضًا الكثير من الزلزال التي تحدث في المناطق المستقرة تكتونيًا بعيداً عن حدود الألواح في القشرة الأرضية، ولكنها تكون قليلة الحدوث عادة.

إن الطريقة التي تهتز بها الأرض عقب الهزات الزلزالية الكبيرة تعتمد أساساً على صفات ونوعية الصخور داخل باطن الأرض. وتشبه هذه الطريقة، استخدام الطبيب للأشعة السينية لفحص جسم الإنسان من الداخل، فالزلازل هي أدوات يستخدمها الجيولوجيون لدراسة الأرض من داخلها. ومنها يمكن تعريف ما هو الزلزال ؟، وأسباب وأماكن حدوثه؟ وشدته؟، ولماذا يحدث في مناطق بعينها؟، إضافة إلى استخدام الزلازل في دراسة باطن الأرض ومعرفة ما بداخلها.

يقول العلماء إن البراكين وخروج الصخور المنصهرة من باطن الأرض تحدث عندما تتصادم الصفائح القارية، وبعد ذلك يحدث الزلزال، الزلازل الخفيفة تحدث عادة في أعماق تصل إلى من 30 حتى 40 كيلومترًا، لكن الزلازل تظهر قوتها على بعد 15 كيلومتر من سطح الأرض.

إن تخيل ما يحدث في زلزال ما، يكون طبقًا لنظرية الارتداد المرن وهي أكثر النظريات قبولاً لتفسير أسباب حدوث الزلازل. وقد وضعت هذه النظرية بناء على الدراسة التفصيلية لصدع سان أندرياس، والذي حطّم مدينة سان فرانسيسكو عام 1906، وهذه النظرية ترى أن الزلزال عادة يحدث في حالة وجود صدع بين كتلتين من صخور القشرة الأرضية، وإذا لم تنزلق الكتلتان على سطح الصدع بسهولة، فإن الاحتكاك بين الكتلتين قد يتسبب في تصادم الصخور ببعضها، ويمنع الحركة على امتداد الصدع لسنوات أو حتى عقود عدة وخلال سنوات عدة.

ونتيجة استمرار عملية دفع كتل الصخور في اتجاهين متضادين، تختزن الصخور الموجودة على امتداد الصدع الطاقة الناتجة من حركة الألواح، حيث تكون تلك الصخور مجهدة ومشوهة تشوهاً مرنًا أو تنحني ببطء. ويتم في النهاية التغلب على الاحتكاك، عندما تصل الصخور إلى حد المرونة وتتكسر. ويؤدي تكسر الصخور إلى انطلاق طاقة المرونة المتراكمة في الصخور، والتي تتحرك فجأة على امتداد الصدع، مما يؤدي إلى حدوث الزلزال.

رغم أن ولاية كاليفورنيا لديها نظام للإنذار، لكنه يعمل فقط في حالة حدوث الزلزال، والتحذير المسبق الذي يرسله، فترته الزمنية تأخذ من بضع ثوان حتى دقيقة، وهي ربما لا تكون فترة كافية من أجل وقف حركة المرور وإيقاف محطات توليد الطاقة النووية تلقائيًا، لهذا السبب يقوم علماء الجيولوجيا الآن ببناء شبكة اتصال من أجهزة الرصد السيزموجرافية لرصد الزلازل الدقيقة جدًا في باطن الأرض، وإن هذه الأجهزة تحيط بدائرة نصف قطرها 20 كيلومتر حول مركز الزلزال المسمى Cholame في الولاية، والذي إنطلق منه زلزال سنة 1857 المدمّر.

يشار إلى أن طريقة عمل جهاز السيزموغراف تكمن في وضعه فوق جزء ثابت من الأرض، وعندما تهتز الأرض تطلق طاقة في صورة موجات زلزالية seismic waves، تنطلق من البؤرة الزلزالية عبر القشرة الأرضية لتصل إلى السيزموغراف على هيئة موجات داخلية (جسمية body waves تنتقل في جسم الأرض بالكامل).

تتداخل الموجات الداخلية (الجسمية) المنعكسة من سطح الأرض مع تلك الآتية من أسفل لتكون موجات سطحية surface waves تتحرك بالقرب من سطح الأرض فقط. والموجات الداخلية هى الأسرع، وتشمل موجات أولية وموجات ثانوية. وفي تلك الحالة يهتزان معًا الجهاز والأرض كنظام واحد عند وصول الموجات الزلزالية إلى السيزوموغراف، حيث يمكن تسجيل حركة الأرض الناشئة من وصول الموجات الزلزالية إليها بكل دقة.

من جهة أخرى، يأمل العلماء أيضاً في أن تمدهم تلك الأجهزة بمعلومات جديدة حول ديناميكية حركة الصفائح التكتونية في شمال القارة الأميركية وصفيحة المحيط الهادئ التي تتحرك في كل عام سينتمترًا واحدًا تقريبًا، وفوق كل شيء، إنهم يأملون في الحصول على إنذار مبكر يعرفون منه وقبل وقت كاف موعد الزلزال المدمّر المقبل.

يشار إلى أن صدع quot;سان أندرياسquot; هو المسئوول عملياً عن خطر الزلزال الذي تنتظره كاليفورنيا، فهو الحد الفاصل بين صفيحة المحيط الهادئ وصفيحة أميركا الشمالية، أي بين اثنين من الصفائح التكتونية، وهذا الصدع يصل طوله إلى 1100 كم من المكسيك إلى الشمال من سان فرانسيسكو. ويقسم ولاية كاليفورنيا إلى نصفين، وقد توصل الجيولوجيون إلى حقيقته في عام 1960 فقط باعتباره يمثل الحدود الفاصلة بين اثنين من الصفائح التكتونية الأرضية.

على أثر ذلك بدأت هيئة المسح الجيولوجي الفيدرالي في الولايات المتحدة منذ عام 1980 بإجراء بحوث مكثفة على الصدع، خاصة في مدينةquot; باركفيلدquot;، التي تقع على الصدع مباشرة، وفي عام 2004 حاول الباحثون الحفر للوصول مباشرة إلى حدود الصفيحة التكتونية من أجل التوصل إلى استنتاجات مباشرة لرصد حركة الزلازل المتوقعة.

ويرى العلماء أن تحديد موقع الزلازل هو الخطوة الأولى في فهم تلك الحركة. أما تحديد قوته فيكون بطريقتين: الأولى، وهي تحديد شدة الزلزال، وهي تقويم نوعي ووصفي لأنواع الدمار الناشئ من زلزال ما، والطريقة الثانية هي قدرة الزلزال، عن طريق قياس كمي لمقدار الطاقة المنطلقة منه. وتمدنا كل من الطريقتين بنتائج مهمة عن الزلازل وتأثيرها، حيث يمكن استخدام هذه المعلومات في دراسة ومحاولة توقع زلازل مستقبلية.