نظرة تاريخية على الجنس
الحاضر هو جنين الماضى الشرعى الذى يحمل إسمه ولقبه، أما تغيير الحاضر فهو الجنين غير الشرعى لهذا الماضى والذى يظل يبحث له عن إسم ولقب، ونحن نمارس الجنس فى غرف نومنا بينما عقلية جدتى وجدتك نائمة على الوسادة، ونتبادل القبلات فى كنف الزواج والنواهى، ويعانق كل منا الآخر وهو يفكر فى القبر والعذاب!، لذلك قبل أن نتحدث عن الجنس بين الرجل والمرأة، لا بد أن ننظر إلى تاريخ وتطور هذا السلوك الإنسانى عبر الأزمان حتى نعرف لماذا عند ذكر كلمة جنس يتكهرب الجو ويسود، إما الصمت الجارح أو الضحك القارح!!.
إذا كان التاريخ المكتوب يرجع إلى أكثر من خمسة الآف سنة فإن المعلومات التاريخية المتوافرة التى تصف السلوكيات والمواقف الجنسية لا تتعدى معرفتنا بها سنة 1000 قبل الميلاد، حين أصبح واضحاً تابو الجنس، وأصبح واضحاً أيضاً قيمة المرأة فى الجنس والتكاثر والتناسل، والسماح للرجل بالزواج من أى عدد من السيدات ولكن مع الإبتعاد عن زنا المحارم، والذى كان شيئاً عادياً قبل ذلك إلى جانب إنتشار الدعارة على نطاق واسع.
مع ظهور اليهودية بدأ ما يمكن أن نسميه تقنين وتنظيم الجنس، ففى الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم توالت التحريمات لكثير من السلوكيات الجنسية وأولها الشذوذ وزنا المحارم والزنا مع الحيوانات. (الوصايا العشر فى سفر الخروج ثم سفر اللاويين)..
فى نفس الوقت تناول العهد القديم الجنس كمتعة فى نشيد الإنشاد الذى من المفترض أنه على لسان نبى هو النبى سليمان.
أما فى زمن الإغريق فقد كان الشذوذ الجنسى بين الرجال يلقى قبولاً فى ثقافة هذا الشعب بل تشجيعاً كبيراً، فقد كانت العلاقة بين رجل ناضج وآخر مراهق شيئاً عادياً بل كانت مغلفة بطقوس تعليمية حيث كان هذا الرجل فى الغالب مسئولاً عن النمو التعليمى والذكائى والأخلاقى لهذا المراهق. أما المرأة فقد كانت مواطناً من الدرجة العاشرة.
وفى كتاب تاناهيل quot;الجنس فى التاريخ quot; نتعرف على هذه الحقيقة quot;فى أثينا لم تكن للمرأة أية حقوق سياسية أو شرعية إلا حقها فى أن تكون من العبيد، كانت كل حياتهم وقراراتهم عبر الرجل وسلطته، فهى مجرد جزء من أثاث المنزل ليست له أية قيمة أو إستقلالية، ولغوياً فقد كانت المرأة بالنسبة لليونانيين بصرف النظر عن السن أو الحالة الإجتماعية GYNE أى quot;حاملة الأطفالquot;.
أتت المسيحية بفصلها الشديد ما بين الروحى والمادى، وأصبح عصب نظرتها إلى العلاقة الجنسية هو تفضيل وتقديس العزوبية، وفى رسالة بولس الأول إلى أهل كورنثوس فى الإصحاح السابع يقول quot;ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل أنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا، لأن التزوج أصلح من التحرقquot;.
أما قمة الهجوم على العلاقة الجنسية فقد أتت من قبل القديس quot;أوغسطينquot; فى القرن الرابع الميلادى، الذى كانت له بعض الخبرات الجنسية قبل أن يعلن توبته فهو يقول فى إعترافاته quot;أنا قد لوثت تيار ومجرى الصداقة بقذارة وفحش الفسق، وعكرت مياهه الرائقة من نهر الجحيم الأسود للشهوةquot;، وقد أكد أوغسطين على أن هذه الشهوة هى التى quot;هبطت بآدم وحواء من الفردوس وباعدت بين الإنسان والربquot;.
بدأ فى العصور الوسطى ثم فى عصور النهضة الخلط أو التشابك فيما بين النصوص الدينية والصيغ القانونية، وتحولت هذه النصوص رويداً رويداً لصيغ ومواد قانونية، غير أنه فى هذه الحقبة تم صك تعبير جديد هو الحب اللطيف، والذى سمح فيه للمرأة ndash; خاصة فى الطبقات الأرستقراطية ndash; أن تدخل علاقة رومانسية وتفاخر بها، وإمتلأت كلمات الأغانى وصفحات الروايات ومشاهد المسرحيات بهذا الحب ومفاهيمه التى كان من أساسياتها وأولوياتها أن الحب النقى شئ مختلف تماماً عن العلاقة الجنسية، حتى أنه فى بعض الأحيان كام يتم إختبار هذا المفهوم بأن ينام الحبيبان معاً على سرير واحد عاريين يتبادلان كلمات الحب فقط لكى يمتحنا قوة هذا الحب.
بجانب مفهوم هذا الحب اللطيف النقى إنتشر مفهوم آخر أقوى وهو مفهوم العفة الذى إخترع له حزام خاص هو quot;حزام العفةquot; الذى وصفه كتاب تاناهيل السابق بأنه quot;حزام العصور الوسطى وهو إطار معدنى يشد بين فخذى المرأة من الأمام للخلف وبه ثقبان صغيران جداً لإخراج الفضلات، ولكن مع الإحتفاظ بخاصية عدم الإختراق وبعد أن يغلقه الزوج الغيور من عند مفصل الفخذ يحتفظ بالمفتاح ويمضى فى أمانquot;.
مع مولد الحركة الإنسانية والمذهب البروتستانتى ووجود شخصيات مثل quot;مارتن لوثرquot; وquot;جون كالفنquot; كانت لديهم نظرة أقل سلبية وأكثر إنفتاحاً تجاه الجنس، مع وجود كل هذا أخذت العلاقات الجنسية تنحى منحاً جديداً أكثر ليبرالية،غير أننا هنا لابد أن نأخذ فى الإعتبار إختلافات ثقافات الشعوب حتى لا تكون أحكامنا عامة وإنطباعية، فمثلاً بينما كانت بيوت الدعارة تنتعش فى أمريكا فى بداية القرن التاسع عشر لدرجة أن الحكومة سنة 1840 ضبطت 351 بيت دعارة فى ولاية ماسوشتس فقط!، وكانت إنجلترا تحت الحكم الفيكتورى تعانى من كبت جنسى عنيف حتى أننا نقرأ فى كتاب تايلور أنه فى ذلك الوقت كان شيئاً مستهجناً وفظاً أن تهدى إلى إمرأة quot;ساق فرخةquot; لأنها من الممكن أن تكون رمزاً!.
نظرة سريعة على ملابس العصر الفيكتورى تمنحنا فهماً أكثر لكم التحفظ الذى كان يغلفه، هذا العصر الذى كانت فيه بعض البيوت تغطى أرجل البيانو مخافة الفتنة، ولا تضع كتباً لمؤلفين رجال وسيدات على نفس رف المكتبة إلا إذا كانا متزوجين (كتاب تاريخ الجنس والممارسة الجنسية لسوسمان).
فى النهاية طرق العلم على أبواب هذا السلوك الإنسانى الذى كان متحفظاً عليه فى سجون كالقلاع وجماجم كالحجر الصوان، ونفوساً على العكس كأعواد القش، وكان quot;فرويدquot; هذا العالم الفذ العبقرى صاحب أولى هذه الطرقات، وإستمرت بعده المسيرة، حتى وصلنا فى العصر الحالى إلى مئات بل ألاف المعاهد المتخصصة فى الصحة الجنسية والممتدة فى طول العالم وعرضه.
التعليقات