للشعب الفلسطيني معاناته الخاصة
العنف وتأثيره على الصحة النفسية للأطفال


د. آمال عبد القادر جودة : على الرغممنأن العنف هو أحد المظاهر الاجتماعية التي لازمت المجتمعات البشرية منذ بدايتها، ولا تكاد تخلو حياة اجتماعية من بعض صور العنف، إلاّ أنه يمثل في العصر الحديث ظاهرة سلوكية واسعة الإنتشار تكاد تشمل العالم بأسره، ولم يعد العنف مقصورًا على الأفراد وإنما اتسع نطاقه ليشمل الجماعات والمجتمعات بل ويصدر أحيانًا من الحكومات والدول. فأخبار الحروب والمذابح والإرهاب والتمرد والشغب والعنف أصبحت تمثل جزءًا من يوميات الإنسان المعاصر. فوسائل الإعلام تمده بمعين لا ينضب من أخبار القتل والتخريب والتدمير بصوره الفردية والجماعية والدولية متجاوزة حدود المكان لتشمل القارات.
ولئن كانت شعوب العالم تهاني من هذه الحروب ومظاهر العنف المختلفة، فإن الشعب الفلسطيني له معاناته الخاصة، فاستمرار الجانب الإسرائيلي في مواصلة ممارساته القمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، وتشديد الحصار على جميع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، أدى إلى تعرض الشعب الفلسطيني بكافة فئاته، وخاصة الأطفال منهم إلى مختلف أنواع الاستفزاز والقهر والظلم.
ولعلّ ما يميز الطفل الفلسطيني عن غيره هو أنه يعيش دومًا في معاناة يومية، الأمر الذي يقضي على الشعور بالطمأنينة والأمان، ويعرضه لبعض الاضطرابات والمشكلات النفسية.

تعريف العنف :
هو quot;سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فردًا أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرىquot;.
وفي تعريف آخر للعنف ينظر إليه على أنه quot; استجابة سلوكية تتميز بصفة انفعالية شديدة قد تنطوي على انخفاض في مستوى البصيرة والتفكير. ويبدو العنف في استخدام القوى المستمدة من المعدات والآلات، وهو بهذا يشير إلى الصيغة المتطرفة للعدوان، فالعنف هو محاولة للإيذاء البدني الخطرquot;.
الآلية السيكولوجية لعمل العنف واللاعنف:
آلية العنف تعتمد على كسر إرادة الخصم، وآلية اللاعنف والمقاومة السلمية، تعتمد ليس إلغاء إرادة الآخر، بل اجتماع الإرادتين وتعاونهما، آلية العنف تعتمد مسح الآخر وتهميشه، بل وتحطيمه والسيطرة عليه، وإلغاءه الكامل، في وهج مشاعر الغضب والحقد والكراهية والانتقام، في ساحة التدمير والدم والقتل، والأذية المتبادلة، والحرب والنار، واللهب والدموع، وميادين الحروب بما فيها الأهلية، وآلية المقاومة السلمية، تحافظ على الآخر، وكل ما تريده هو إيقاظ ضميره.

أشكال العنف :
1-العنف الجسدي :
العنف الجسدي هو : استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد اتجاه الآخرين من أجل إيذائهم وإلحاق أضرار جسمية لهم، وذلك كوسيلة عقاب غير شرعية مما يؤدي إلى الآلام وأوجاع ومعاناة نفسية جراء تلك الأضرار، كما ويعرض صحة الطفل للأخطار، ويشوه شخصيته فالعقاب الجسدي هو إذلال وهدم لإنسانية الطفل. ومن الأمثلة على استخدام العنف الجسدي ndash; الحرق أو الكي بالنار، ورفسات الأرجل، ضرب بالأيدي أو الأدواتhellip;.الخ.
2-العنف النفسي :
هو سلوك يهدف إلى السيطرة والإذلال والتخويف والترهيب، ويطبع الخوف في نفس الطفل والتقليل من كرامة النفس، وقد تحدث تلك الأفعال على يد شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون القوة والسيطرة لجعل طفل متضرر مما يؤثر على وظائفه السلوكية والوجدانية والذهنية والجسدية. وهنا نلاحظ أن هذا التعريف يتضمن قائمة من الأفعال تعبر عن عنف نفسي مثل: رفض وعدم قبول للطفل، إهانة (نعت الطفل بالغباء)، تخويف، تهديد، عزلة، استغلال، صراخ (عنف لفظي)، عزل اجتماعي، حرمان، معاملة الطفل كمتهم، عدم الاكتراث بالطفل، أو فرض الآراء عليه بالقوة.
ويمكن للإيذاء أو العنف النفسي أن يسبق أو يصاحب العنف الجسدي.

أسباب سلوك العنف عند الأطفال :
هناك عدة أسباب تؤدي إلى سلوك العنف منها :
1- أسباب ترجع إلى شخصية الطفل :
الطفل الذي يعاني من الشعور المتزايد بالإحباط، وضعف الثقة بالنفس، عدم القدرة على حل المشكلات، الاضطراب الانفعالي والنفسي وضعف الاستجابة للقيم والمعايير المجتمعية هو أكثر ميلاً للممارسة السلوك العنيف مقارنة بالأطفال الآخرين.
2- أسباب أسرية :
الطفل الذي ينشأ في أسرة تعاني من التفكك، والشجار المتواصل فإنه يكون أكثر ميلاً لممارسة السلوك الذي يتسم بالعنف. كما أن أساليب التنشئة الأسرية غير السوية التي يمارسها الوالدان (القسوة الزائدة- التدليل الزائد- الإهمال) لها تأثير سلبي على الأبناء. ولأسلوب التسلط والتشدد انعكاسات سلبية على الصحة النفسية للطفل، إذ يؤدي هذا الأسلوب في معظم الأحوال إلى تنامي مشاعر الخوف والقلق، وخلق ضمير صارم متزمت لدى الأبناء، وتنامي مشاعرهم العدائية تجاه السلطة الوالدية، وربما تعميمها إلى كل ما يماثلها من مظاهر السلطة الأخرى في المجتمع، كذلك للضغوط الاقتصادية التي تعاني منها الأسرة دور في توفير بيئة يتنامى فيها السلوك العنيف.
ولأسلوب نبذ الطفل وإهماله انعكاساته السلبية على صحته الجسمية والنفسية، فقد يحول إهمال الطفل دون إشباع حاجاته الأساسية الفسيولوجية منها والنفسية، ويشعره بالقلق والإحباط والوحدة النفسية، إضافة إلى كراهية الوالدين والسخط عليهم، والرغبة في الانتقام منهم، وبالتالي تنمية مشاعر العدائية تجاه الآخرين. وهذا ما تؤكده دراسة قامت بها سلوى عبد الباقي (1992) أسفرت نتائجها عن وجود علاقة موجبة بين أساليب العقاب والنبذ، وجناح الأحداث.
3- أسباب متعلقة بالأصدقاء :
ومن هذه الأسباب رفاق السوء، والشعور بالفشل في مسايرة الرفاق، والشعور بالرفض من الرفاق.
4- أسباب ترجع إلى بيئة المدرسة :
ومن هذه الأسباب غياب القدوة الحسنة، وغياب التوجيه والإرشاد من قبل المدرسين، ممارسة اللوم المستمر من المدرسين، ضعف اللوائح المدرسية، عدم كفاية الأنشطة المدرسية، زيادة كثافة الفصول الدراسية.
5-أسباب تعود إلى طبيعة المجتمع :
إن ضعف الضبط الاجتماعي وعدم الحزم في تطبيق التشريعات والقوانين المجتمعية، وانتشار سلوكيات اللامبالاة وأفلام العنف كلها تعتبر أسباب تقف وراء ظاهرة العنف.
كما أن طبيعة المجتمع الأبوي والسلطوي يسمح باستخدام العنف من قبل الأخ الكبير أو المدرس، فهو أمر مباح ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة.

آثار العنف على الأطفال :
تأثير العنف على الأطفال ينعكس على النواحي الانفعالية والسلوكية والتعليمية والاجتماعية لديهم.
تأثير العنف على النواحي الانفعالية :
الأطفال الذين يتعرضون للعنف يعانون من انخفاض الثقة بالنفس، ومشاعر الاكتئاب، وردود فعل سريعة، والتوتر الدائم، والشعور بالخوف وعدم الأمان، وعدم الهدوء والاستقرار النفسي.
ومما تؤكده الدراسات العيادية أن الطفل الذي يمارس عليه العنف باستمرار يتبلد الحس لديه ويصبح قليل التأثر بالأحداث التي يعايشها والتي تستثير انفعال الآخرين ممن لم يمارس عليهم العنف كما يتولد لديهم الإحساس بالدونية نتيجة لمشاعر العجز والخوف المترسخة مرة بعد مرة.
تأثير العنف على النواحي السلوكية :
الأطفال الذين يتعرضون للعنف يتسم سلوكهم باللامبالاة والعصبية الزائدة، وأحيانًا يمارسون السرقة والكذب، وقد يقومون بتحطيم الأثاث والممتلكات في المدرسة، أو إشعال الحرائق، والتنكيل بالحيوانات، كما أن كلامهم قد يتسم بالعنف المبالغ فيه.
كما أن الطفل الذي يمارس عليه العنف وهو صغير سيمارسه هو لاحقًا مع عناصر البيئة، مع أصدقائه، مع من يتعامل معهم وبخاصة مع زوجته وأطفاله، مما يعنى أن العدوانية ستعزز لديه وتصبح متأصلة في شخصيته وسلوكه.

تأثير العنف على النواحي التعليمية :
مما لا شك فيه أن الإسراف في استخدام العقاب لدى الأطفال من شأنه أن يعوق من عملية تكوين الأنا الأعلى عند الطفل أو ما يمثل الضمير وجهاز القيم ويجعل من الطفل إنسانًا يفتقر إلى الرقابة الذاتية ويخشى العقاب العاجل، ويرهب السلطة طالما كانت حاضرة أمامه.
كما يعاني الأطفال الذين يتعرضون للعنف من انخفاض مستوى الانتباه والقدرة على التركيز مما يؤدي إلى هبوط في مستوى تحصيلهم الأكاديمي، وتأخر وغياب متكرر عن المدرسة، وعدم القدرة في المشاركة في الأنشطة المدرسة.

تأثير العنف على النواحي الاجتماعية :
يصبح الطفل انعزاليًا، حيث يقطع صلته بالآخرين، ولا يشارك في النشاطات الجماعية، كما أن اتجاهاته نحو الآخرين تتسم بالعدوانية. وبالتالي يفقد القدرة على التعامل الإيجابي مع المجتمع.

خطوات الوقاية من العنف :
1-تغيير الاتجاهات العدوانية عند الأفراد.
2-تغيير أسلوب الدعاية للوقاية من الجريمة.
3-محاربة البطالة وتوفير فرص عمل للأفراد.
4-توفير النمو السوي لكل عناصر الشخصية في الطفولة.
5-الاكتشاف المبكر للاستعداد للعدوانية والسلوك العنيف.
6-فرض العقوبة وتطبيق الشرع والقانون بصورة حازمة.
7-إعداد برامج تثقيفية وتوجيهية من خلال التلفاز تؤمن الاستقرار النفسي وتنمي السمات الإبداعية لدى الأطفال.