لا يتجاوز كونه تغذية للخيال بالمنظور النفسي
الجنس الالكتروني..نافذة على الوهم

رضوى فرغلي: تستعر الشهوة ولا تجد جسدًا آخر يحتويها، نتوق إلى الثرثرة دون هدف معين، أو إلى عبارات الحب، وإن كانت زائفة، نلتفت حولنا فلا نجد أحدًا يشاركنا حالة البوح، نحدثه عن أحلامنا، أوهامنا، وربما نزواتنا، نتعرى أمامه نفسيًا وجسديًا. وحين لا نجد هذا الشريك نلجأ إلى الفضاء الافتراضي أو الإنترنت علّنا نجد ضالتنا المنشودة، والشريك الذي يصغي ويتعاطف معنا ولو لوقت قصير، فتحت غرف الدردشة نافذة على جانب معتم من النفس يختبئ خلف الأعراف والتقاليد الاجتماعية، ونزعت أقنعة الحياء، والعيب، والحرام. بل سمحت أيضا أن يختار كل شخص لنفسه اسمًا وجنسية وعنوانًا من وهم، كأنه يجسد شخصية أخرى غيره، لكنها في الحقيقة شخصيته التي لا يمكنه معايشتها في الواقع. يتعرف الرجل بشخصيته الجديدة على فتاة أو امرأة، تمارس هي الأخرى الدور الوهمي نفسه، يتعارفان بالكتابة أو من خلال الصوت، وبعد فترة وجيزة يصلان للهدف المنشود وهو ممارسة الجنس عبر ال chat.

استطاعت الشبكة العنكبوتية أن تجذب إليها ملايين الأشخاص بخيوطها الحريرية التي تنسجها حول الرغبات المختلفة باختلاف البشر، اخترقت المسافة بيننا وبين الآخر، بل بيننا وبين أنفسنا أيضًا. التقطتنا كمغناطيس سحري إلى غرف مظلمة تستوجب خلع الأقنعة قبل الدخول إليها، وكشف الحجاب عما لا نستطيع إظهاره في الواقع.


شكوى من الطرفين
يشتكي الرجال من البرودة الجنسية عند نسائهن، قلة اهتمامهن بالمظهر والجسم، عدم إتقانهن فنون الجنس، عدم تحملهن للطاقة الجنسية وقوتها عند الزوج، اختفاء الجانب العاطفي من العلاقة. وتشتكي النساء بدورهن من إهمال الرجال لعواطفهن ومشاعرهن الجياشة، وسفرهم بمفردهم للترفيه عن أنفسهم، انشغالهم المستمر بالعمل والأصدقاء، علاقاتهم الجنسية مع الخادمات ونساء أخريات في شقق يستأجرونها خصيصًا لهذا الهدف، في حين يتجاهلون إشباع زوجاتهم. شكوى متبادلة تؤدي في نهاية المطاف إلى محاولة كل من الرجل المرأة تعويض ما ينقصهما أو ما يتصوران أنه الأسباب الحقيقية للدخول في علاقات افتراضية تمنحهم متعة مستترة خلف شاشة صماء.

يرى البعض أن كثيرا من الأزواج والزوجات يرغبون في الاستقرار الأسري والإشباع الجنسي في حيز الزواج، لكن أحيانا يبحثون عن إشباع آخر خارج هذه العلاقة بعيدًا عن الأرق النفسي والإحساس بالذنب ومشاعر الندم، فيلجأون إلى النت كبديل أكثر أمنا ويمنحهم الخصوصية والسرية لأنها ببساطة تتم في عالم وهمي لا يهدد الوجه الآخر لحياتهم، وكأنها حلم شبقي ينتهي بانتهاء اللحظة.
إن كثير من النساء والرجال يمارسون الجنس عبر الإنترنت في ظل علاقة حسنة مع شركائهم، وأن الأمر لا يتعلق باضطراب العلاقة الجنسية بينهما. فالذين يدمنون العلاقات الجنسية الافتراضية دون سبب موضوعي، يزيحون الستار عن رغبات دفينة تبحث عن مناخ خصب للإعلان عن نفسها، مثل الرغبة في إقامة علاقة جنسية موازية لعلاقة الزواج المستقرة، يستطيعون من خلالها تفعيل الجانب البذيء الكامن داخلهم، أو الجنس النوعي، والذي يجدون صعوبة بالغة في معايشته مع شركائهم، حفاظًا على هيبة ومظهر أنيق معهم، وخوفًا من سوء الفهم أو فقدان الاحترام إذا رأوا سلوكًا جنسيًا غير تقليدي أو تبادلوا الألفاظ البذيئة في علاقتهما الخاصة، أو عدم التعامل بطريقة مهذبة في الحياة العادية، فيفضلون ممارسة الجنس التقليدي مع الأزواج، بينما يمارسون كل الأشكال الجنسية الأخرى مع شريك آخر لا يرتبطون معهم بصلة مباشرة.

ومن خلال الجلسات النفسية، يؤكد لي أزواج كثيرون أن ممارستهم الجنس على الشات Chatting Sex لا يتجاوز كونه تغذية للخيال، والاستمتاع بأشكال أخرى من الجنس بطريقة آمنة بعيدا عن البغاء، أو الزنا، أو الجنسية المثلية، وأنه يساعدهم على إقامة علاقة زوجية جيدة مع زوجاتهم لأنه لا يضطر أن يطلب منها أشياء قد لا يحبها منها أو ترفضها هي. بينما تشير الزوجات إلى أن اعتيادهن الممارسة الإلكترونية يُعد تنفيسًا عن رغبات لا يمكنهن تنفيذها في الواقع سواء مع الزوج أو غيره، وأن الانترنت فتح لبعضهن مجالا سحريًا للاطلاع والثقافة الجنسية العملية، وأن يمارسن الجنس الحر داخل البيت، وبهوية وهمية بدلا من ممارسته خارجه مثل الأزواج، فيعرضهن لخسارة حياتهن الأسرية.

وجهتا نظر
هناك وجهتا نظر: الأولى تتسامح مع ممارسة الجنس الإلكتروني، باعتباره نزوة عابرة وصمام أمان من تجارب جنسية أخرى تهدم العلاقة بين الأزواج، وأنه يندرج تحت مصطلح quot;الجنس الترفيهيquot; الذي لا يسبب ضررًا كبيرًا، ويمكن للفرد أن يقلع عنه بسهولة متى شاء فهو لا يشكل إدمانًا. بينما وجهة النظر الثانية تدينه باعتباره يهدد الحياة الزوجية، وأنه من الممكن أن يتحول إلى quot;ممارسة قهريةquot;، كما يمثل خطورة في نظرة الشريكين لبعضهما البعض من خلال المقارنة بين الأداء الجنسي في الواقع والخيال. أيضاً يساعد على الانفصال الروحي بين الأزواج فيكون الرجل مع زوجيته في علاقة حميمة بجسده بينما بعقله مع نموذج خيالي آخر. وأخيرا قد تتطور العلاقات عبر الإنترنت لتصبح علاقات حقيقية في الواقع تحت أي ظروف طارئة أو في لحظات ضعف أو عدم الاستقرار بين الزوجين ما ينذر بانهيار العلاقة الزوجية خصوصاً إذا كانت من جانب الزوجة.
وما بين الموقفين يبقى الجنس الالكتروني تعبيرا عن حالة شبقية تجند الجسد لصالحها، خاصة إذا كان الإنسان يعاني من الفراغ النفسي والعاطفي ويفتقد هدفا واضحا في الحياة، ما يجعل كل اهتمامه وتركيزه منصبا على الجسد ورغباته، الأمر الذي قد يصبح مقلقًا في أُسر كثيرة وتظل نتيجة اكتشافه متوقفة على وعي الشريكين، ومدى تقبلهما لهذا النوع من التنفيس الجنسي، وقوة علاقتهما، وقدرتهما على تجاوز ذلك، فإما أن تصاب العلاقة بالشلل الكلي، أو يعتبر الشريك تلك النزوة مجرد عثرة سرعان ما تزول وتكمل الحياة رحلتها.

كاتبة ومعالجة نفسية
[email protected]