أصوات من مملكة الغد

هذه السلسلة من الحوارات تأتي لتفتح نوافذ الحوار عن الوطن.. عن المملكة العربية السعودية هذا اليوم وغداً.. هنا نستضيف اصواتاً فاعلة في المشهد الثقافي والاجتماعي المحلي.. هي أصوات لا تذهب إلى الغد.. بل قد تكون عائدة منه للتو.. أصوات تحاور وتقرأ تفاصيل الوطن والمرحلة التي يعيشها كما تشعر و ترى وتتمنى.. قد تقترب هذه الأصوات من الحقيقة، قد يكون تشخيصها دقيقاً.. وقد يحمل قراءة خاصة لا يمكنها أن تكون على الصواب دائماً.. لكن الصواب الذي نحن متيقنون منه هو أننا نهجس معاً بوطن واحد يثق بنا ونثق به. الآراء المطروحة هنا والتي تمثل أصحابها بالضرورة لا نتبناها بقدر ما نتبنى الحوار الذي يمكن أن تثيره وتفعله وتطلق أجنحته. هذه الأصوات كلها لـ"مملكة الغد"، منها:

حوار مع الكاتب والباحث السعودي سعيد السريحي (4/4):
شاعر بحجم الثبيتي لا يتكرر إلا كل 100 عام
الشعر السعودي يفتقد إلى حركة ثقافية تعمل على إيصاله
نحتاج مؤسسات ثقافية جديدة لا يشغل فيها أهالي (المنطقة) مجالس الإدارة!!


حاوره عيد الخميسي: لسعيد السريحي أربعة كتب مطبوعة أولها هو (شعر أبي تمام بين النقد القديم ورؤية النقد الجديد) 1403هـ، (الكتابة خارج الأقواس) 1405هـ، (تقليب الحطب على النار) 1415هـ، و (حجاب العادة دراسة في أركيولوجيا الكرم) إضافة إلى العديد من البحوث غير المنشورة..
هنا في الجزء الأخير من حوارنا مع سعيد السريحي
نتطرق إلى عدد من القضايا الأدبية.. فالسريحي الذي يعترف بأنه لا يملك مشاريع جديدة حالياً وأنه أصبح مهتماً بقضايا التطرف التي يراها أكثر مساساً بالحياة من قصيدة جميلة يشعر بالحزن لأن فرصة فاتته مع ذلك في اقتناص اسم شاعر جميل ومتميز.. كما أنه يؤكد أن شاعراً بحجم محمد الثبيتي لا يتكرر إلأ مرة كل 100 عام.. وحين نتساءل عن أنشطة الأدندية الأدبية يرى السريحي أننا بحاجة إلى صياغة جديدة لمؤسسات العمل الثقافي ويأمل بتحقق ذلك عبر وزارة الثقافة والإعلام.. وعن غياب الشعر السعودي بعد مرحلة الثمانينات يرى السريحي أنه بسبب عدم وجود الحركة الثقافية التي تدفع بهذا الشعر وليس لمشكل فني فيما يرى احتفاء القارئ بالرواية المحلية كونها تصدر عن وثائقية وكشف أكثر من كونها تبني عالماً روائياً.

* ماذا عن جديدكم النقدي.. هل من كتب جديدة؟
- لا.. ليس لدي سوى مشاريعي القديمة التي لا أعرف متى أفرغ منها.
* لماذا؟
- لأن العمل الصحفي بحق يستهلك كثيراً من الوقت والجهد لذلك فإنني أتطلع حالياً ليوم أستطيع فيه أن أفرغ لأعمالي وأحقق تقاعدي الثاني من العمل الصحفي.

أشخاص لا علاقة لهم بالثقافة في مجالس الأندية
* ووصلنا أخيراً إلى نادي جدة الأدبي الذي يشغل السريحي كرسياً في مجلس إدارته سألته:.. كيف ترى النادي بعد كل هذه السنوات التي تجاوز فيها سنوات وهجه إلى الوهن ووصل إلى الوهن الذي يعيشه حالياً؟
- أعتقد أنا بحاجة إلى صيغة جديدة للمؤسسات الثقافية. الأندية الأدبية مر عليها أكثر من ربع قرن، إدارات الأندية الأدبية كذلك.. نحن بحاجة إلى هيكلة جديدة وقد تكون فكرة المراكز الثقافية أكثر اقتداراً على مواجهة متطلبات المرحلة التي نعيشها بحيث تجمع شمل الثقافة التي تم توزيعها بين جمعيات ثقافة وأندية أدبية.. نحن بحاجة أيضاً إلى الالتفات إلى (من هم الذين يعملون في الأندية الأدبية).. هناك وزارة للثقافة الآن.. و وزارة الزراعة والمياه مثلاً عندما تريد أن توظف موظفاً في إدارة تبعث لها الموظف الأكفأ.. نحن نقيم أندية أدبية ثم لا نجد من يديره إلا شخصاً من أهالي المنطقة.. وبالتالي وصل إلى الأندية أشخاص لا علاقة لهم بالثقافة إلا أنهم من أهالي المنطقة التي أنشئ النادي بها.. نحن بحاجة إلى صيغة أخرى يتولى إدارة المنشآت الثقافية فيها من يستطيعون تحريك العمل الثقافي.

* وهل ابتعدت تماماً عن نادي جدة الأدبي؟
- أبعدتني الصحافة كثيراً عن متابعة نشاطات نادي جدة الأدبي وأصدقك القول أنني أصبحت في مراجعة لهذه الاهتمامات الأدبية. أعتقد أننا في مرحلة ينبغي فيها أن نوسع من اهتماماتنا لتصبح أكثر ملاءمة للوضع العام الذي نعيشه.. لم أعد مهتماً كثيراً بقصيدة جديدة فيما تعلو حولنا قضايا أكثر إلحاحاً.

* وما هذه القضايا.. أتقصد قضايا التطرف؟
- قضايا التطرف، مصادر هذا التطرف، جهات تمويل هذا التطرف، دور التعليم سواء في انحراف الأفكار أو تصحيحها، دور المكتبات.. حينما ذهبت إلى تلك المكتبة في ذلك المستشفى الذي حدثتك عنه لم أكن أبحث عن ديوان شعر.. لكنني كنت أبحث عن تلك الأفكار التي تجعل الناس يفجرون أنفسهم وأوطانهم...

لا نكاد نؤمن باعتدالنا
* ولماذا لا يوجد لدينا خطاب مضاد بذات الثقل لكثير من الطروحات المتطرفة.. ؟
لأن المؤسسات التي تنتج هذه الأعمال يقف وراءها أناس لهم برامجهم التي - يعونها تماماً ويعملون على تنفيذها.. هؤلاء المتطرفون مؤمنون تماماً بتطرفهم ونحن لا نكاد نؤمن باعتدالنا.

*غاب الشعر السعودي حالياً ولم يعد محركاً للساحة الثقافية لدينا.. لماذا؟
- غابت كثير من الأشياء في ظل الحمى التي نعيشها ومنها الشعر السعودي رغم أنني أدرك أنه بخير.. أدرك أن ثمة اصوات متميزة في الوعي بالقصيدة.. أدهشني وأنا في تونس حينما كنا في الأسبوع الثقافي السعودي هناك شاعر شاب هو عبدالله الوشمي وكان شاعراً مميزاً.. أحسست بحزن أنني لم أقرأ له قبل ذلك رغم أن له ديواناً مطبوعاً وشعره يمثل لغة شعرية مميزة بحق... ما أعتقده أن الوسط الثقافي قد أصبح منشغلاً بما هو أكثر مساساً بالحياة من قصيدة.

الشعر لم يصل للناس في الثمانينات
* يردد البعض أن الشعر الجديد الذي تلا فترة الثمانينات كان غير قادر على الوصول الناس ولهذا فقد تسيدت الرواية المشهد المحلي؟
- الشعر في الثمانينات لم يكن يصل إلى الناس لكن كانت هناك حركة ثقافية تعمل على إيصاله لهم. الشعر الآن يوجد خارج نطاق الحركة الثقافية التي يمكن لها أن تدشنه. الرواية لا تحتاج إلى حركة ثقافية هي لغة مقروءة أما الشعر فيحتاج هذا الحراك. الناس تريد أن تسمع الشعر وتقرأ الرواية.. ليست هناك منابر مفتوحة للشعر حالياً وليست هناك الدراسات النقدية المحتفية به كما كان الأمر في الثمانينات لذلك لم يصل الشعر ليس لمشكل فني وإنما لخلل في المنابر الثقافية. لدينا أصوات شعرية متميزة وأعتقد أننا أمام شاعراً ك (محمد الثبيتي) نحتاج إلى قرن آخر كي نوجد شعراً بقوة شعره وتميزه. هناك أصوات قوية أخرى كالصيخان والحربي وعلي الدميني وقد كانت الحركة الثقافية المتكاملة هي من يدشن أصواتهم عبر المنابر الثقافية المختلفة.. عبر المهرجانات العربية كالمربد وجرش.. دعني أسألك الآن: أين جرش والمربد؟ تلك المنابر التي كانت تعمل على إنضاج التجربة الشعرية ونقلها.. فلا يمكننا أن نأخذ الحركة الشعرية السعودية بمعزل عن الساحة العربية التي تشهد تراجعاً هي الأخرى..

بعض الروايات مجرد سرد تاريخي
أما الاهتمام بالسرد المحلي فكما تذكر كنا نتحدث لوقت طويل عن غياب الرواية المحلية وأنه ليست لدينا رواية محلية.. هناك احتفاء واضح بهذه الرواية حتى وإن كانت مجرد سرد تاريخي أو تجربة شخصية تفتقد إلى فنيات السرد.. هناك احتفاء بالقدرة على القول، الكشف، بالوثائقية التي تحملها الرواية.. وكثير من الروايات احتفي بها لأنها استطاعت أن تكشف وليس لأنها استطاعت أن تبني عالماً روائياً.. الناس تتوق لما يكشف المستور ويقول ما لا يقال.


((نمضي..
وتأخذنا البحار رهينة للملح
للشمس الغريبة
سائل من فوق جبهتها لهاث الموج
للريح واقفة تخثر نبضها
لتعفن الخشب الذي التصقت به
أجساد من فقدوا توازنهم
لقيء من دوار البحر
دود أبيض ينسل
قد ورث السفينة
والمسافر
والشراع
نمضي.. ويأخذنا الضياع
أحلامنا... سمك
نجففه على سطح السفينة
والرياح الهوج تأخذه لموتى
يسكنون القاع
سمك نجففه فيجتمع الذباب عليه والجوعى
أحلامنا سمك
والروح تشهر عريها
وقلوبنا.. طوق نعلقه على جنب السفينة
هذا غراب خارج من بين أضلاع من وهبوا السفينة ما تبقى من غبار الروح
هذا غراب واقف
والبحر تابوت
وقلوبنا انفرطت
فحم وياقوت
والموت وحّدنا
فالأرض بيروت
هذا غراب واقف

...................

وقصيدتي افتضحت)

هذه القصيدة التي نشرها السريحي منذ سنوات خلت ليست الوحيدة فهو يكتب الشعر بالإضافة لكونه ناقداً

* سألت سعيد السريحي: تكتب الشعر لكنك لم تعد تنشر منذ سنوات.. لماذا؟
- ربما لأنني لم أعد أكتب

*وهل صحيح أنك لم تعد تكتب شعراً؟
- ربما لم أعد راغباً في أن انشر.

* وكيف يقرأ السريحي الانترنت؟ ماذا يتصفح؟
- تهمني المسألة الإخبارية في الإنترنت.. أتابع بعض المواقع الثقافية.

* في خاتمة الحوار كان سؤالي للسريحي عن الغد الذي يراه السريحي ويقرأه وهو الغد الذي يقول عنه:
- آمل أن يحيا أبنائي وأحفادي في غد أجمل غير أني أعرف تماماً أن بقية عمري ستكون في مرحلة المخاض هذه.

الساعة كانت تقترب من الثانية حينما شكرت سعيداً على الوقت الذي منحنا إياه.. حينما خرجت من مبنى الجريدة.. كان يوم جديد قد ولد.

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة