حوار مع الفنان العراقي ستار كاووش

حاورته منى كريم: ستار كاووش شاعر بالألوان، إنه يستفزك ويقوم بصفعك بكل لطف، حتى أنك ستقبل اليد التي صفعتك بكل فرح، كاووش فنان عراقي ينتمي إلى العشاق و الأقواس القزحية، لذا لن تجرؤ على وضعه في قفص ما كالعبارات المتراصة ! لربما لأنه فضاء – إنسان يخلق من خياله وطن..

* في البدء لن نتحدث عن بدايتك بل أخبرني إلى أين وصلت في مشوارك، هل ركلت الكثير من الحصى في طريقك؟
إن ما يهمني الآن في عملية الرسم هو كيف أنجز لوحة مصنوعة بعناية فائقة. أحاول أن أجعل القماشة نافذة تطل على صالة مليئة بالنساء الجميلات، نساء يصففن شعرهن بفرح وهن ينظرن إلى السقف حيث تهبط دوائر تشبه ندف الثلج، بيضاء ومنسجمة مع الدوائر الحمراء الشفيفة على خدودهن، ومطر أزرق يصنع غلالة مبقعة بالضوء تغطي كل المشهد. ومثلما أحلم دائما أن أحب فتاة تشبه البنت في ورق اللعب ، وصلت إلى قناعة بأن الرسم يجب أن يسبب لي سعادة غامرة.
أعرف إن العالم مليء بالألم والحروب والدماء، لكن بالنسبة لي لا يستطيع الرسم أن يحل هذه المشاكل الكبيرة التي تداهم العالم. أعتقد أن مشكلة الفنان بالدرجة الأساس هي مشكلة جمالية. فهل استطاع (ريفيرا) أو (أوروزكو) أو (الفارو) أن يحلوا مشاكل المكسيك بجدارياتهم العظيمة والتي بقيت قيمتها الجمالية فقط. حتى جورنيكا (بيكاسو) كانت نتيجة ولم تكن حلا، لقد رسمها فرانكو قبل بيكاسو.

* في الكتابة هنالك صرخة لكسر التابوات قد تبدو معقدة و متداخلة، في لوحاتك الخاصة كيف تقيم هذه الصرخة، أعبر أفكارك التي تسكبها أم في وجوه شخصياتك؟
منذ زمن بعيد لم أعد أهتم بمثل هذه الاعتراضات أو التسميات، في حياتي الشخصية أو في لوحاتي. بالنسبة لي إنها كذبة كبيرة ومضحكة هذه التابوات. الاعتراض الكبير بالنسبة للكثيرين مثلا هو رسم نساء عاريات أو لوحات إيروسية إذا صح التعبير. أنا أسأل سؤالا هنا، من وضع هذه الحدود والقوانين، وكيف أسمح كانسان معاصر لشخص ما في هذا الكون أن يضع أمامي هذه التابوات وهو يمارسها من خلف قناع. لا أعرف كيف يمكن لشخص مثلا أن يتزوج أربع نساء أو أكثر مرة واحدة ويمنعني من أن أرسم صديقتي عارية على القماشة ! يجب أن يتوقف أولا عن ممارسة عبوديته مع المرأة ويعرف أن هؤلاء النساء اللواتي (بحوزته) خلقن لرجال آخرين. باختصار، انه خوف مزمن وليس تابوات.

* هنالك بعض اللوحات التي أصبحت أشبه بمجموعات، مثل مجموعة لوحاتك عن فكرة " الملاك "، هل هي تعبير لستار كاووش عن حاجته للأمان / هل بالحب و الأجنحة تجعل غربتك دافئة؟
بالتأكيد هناك مجموعة من لوحاتي في الفترة الأخيرة تمثل الملائكة أو أشخاص مجنحين. انه أنا هذا الشخص الذي يحمل أجنحة أو يجلس على غيمة بيضاء، أردت أن أذهب ذات مرة لرؤية أمي (هناك). فكرة الأشخاص المجنحين تداهمني باستمرار وفي كل مرة أشرع بالرسم أرى ملاكا يمر بدراجته وهو يبتسم فوق لوح مزج الألوان.
بدأت هذه السلسلة بلوحة (شوق إلى البيت) ووصلت إلى (ملاك شارد الذهن). بالتأكيد هذه الفكرة لها علاقة بأشياء عديدة مثل الحب، الحرية، الدفء، الأمان.

*عبر الإنترنت و حتى عبر كتاب الناقد عدنان حسين أحمد عنك، توافر لنا نتاجك الأخير الذي يمتاز بخط معين، أين العراق بين كل هذه اللوحة؟
كلما كان المبدع صادقا وحقيقيا مع نفسه وفنه، كان بامكانه أن يحقق الكثير لبلده أو للعالم. انه يصنع الجمال ويجعله معادلا للخراب الذي يحدث. كل المبدعين الكبار الذين احتفت بهم بلدانهم أو احتفوا بها كانت فنيتهم عالية بالدرجة الأساس، وتفردوا بتقنيات ومعالجات ووسائط جديدة ومؤثرة. أعتقد أن كل لوحة أو قصيدة مثلا مصنوعة بجمالية أخاذة وحساسية وفنية عالية هي خطوة جديدة تضاف للطريق الإبداعي الطويل على مر التأريخ. من هذا المنطق أرسم ما أراه ضروريا لتطوير تقنياتي، والمعالجات التي أتوصل لها كل يوم هو ما يهمني في العملية الفنية. أما إذا كان سؤالك حول الحرب والأحداث الآن في العراق، ولماذا لا تظهر على لوحاتي ، فسأجيبك بأن اللوحة بالنسبة لي هي فتاة صغيرة ترتدي ثوبا مطرزا بالزهور، لا تستطيع أن تواجه بندقية، لكنها يمكن أن تغني وترقص وتنام وتضحك أجمل من الآخرين.

* أحياناً كثيرة أجد أن إجابة الشعراء : " قصيدتي المفضلة تلك التي لم أكتبها بعد " إجابة مبتذلة، هل بامكانك أن تتلفظ بنفس العبارة؟
لم أفكر بهذا الموضوع الآن على الإطلاق لأني منغمس بعملية الرسم. مرة واحدة في معرضي (جسد المدينة) عام 1991 سألت نفسي وأنا أقف أمام لوحة (الرصيف) المعلقة في المعرض (هل أستطيع حقا أن أتجاوز هذه اللوحة) كانت مرعبة وبطول عشرة أمتار ، ومرسومة بالزيت على الكانفاس.
بعد سنوات على ذلك عرفت انه سؤال مدرسي وساذج . فلا تنطبق معطيات لوحة على لوحة أخرى ويبقى الفنان يجرب ويحاول ، وأحيانا يعود لاستخدام تقنيات وحيل فنية كان قد استخدمها في السابق لأنه يحس بأن طاقتها التعبيرية تتناسب مع تقنياته الحالية. على الفنان أن يمارس كل الوسائل التي تتيح له أن يتقدم بلوحته الجديدة.

* بعد كتاب " أطياف التعبيرية " وتقديم ستار كاووش عبر الكلمات لا عبر الألوان، بماذا تشعر؟
إن كتاب الناقد عدنان حسين أحمد (أطياف التعبيرية...) هو نقطة مضيئة جدا في حياتي. انه جهد كبير قام به الصديق الناقد عدنان، جهد سنوات طويلة من المتابعة والرصد و النقاشات المتواصلة. إضافة إلى ذلك أن عدنان حسين نبهني إلى أشياء كثيرة جدا في أعمالي وأضاء لي مناطق كانت معتمة، وهذه حسب ما أعتقد مهمة الناقد الحقيقية. أنا سعيد حقا بهذا الكتاب.

* جميلة جداً عناوين لوحاتك، أحسدك عليها، ما علاقة الشعر بالرسم؟
عناوين اللوحات تكون أحيانا مفتاحا صغيرا للدخول إلى اللوحة، وفي أحيان كثيرة بالنسبة لي، ينطوي العنوان على شيء من الدعابة مثل (الأقدام الراقصة) أو (الرقص في أرض لا أحد) . لا أحب التعقيدات أو السوداوية في عملية الرسم، ودائما ما أكون سعيدا وأنا أرسم، مبتسما لآخر لحظة وأنا أتحدث مع المرأة التي تجلس داخل اللوحة التي أرسمها. أنا أحب هذه الأشكال التي أرسمها حقا. وحين أذهب في سفرة صغيرة أحيانا إلى مدينة أخرى، أعمد إلى جعل نوافذ المرسم مفتوحة، ليس لكوني لا أخاف اللصوص مثلا، بل لأجعل شخصياتي التي أرسمها تتنفس الهواء بشكل جيد. ليس هناك مرة عدت فيها إلى المرسم إلا وألقيت التحية على هذه الشخصيات المرسومة على سطح اللوحات. أما علاقة الشعر بالرسم فهي علاقة كبيرة ومؤثرة على مدى التأريخ الإبداعي. وأنا أغلب أصدقائي هم من الشعراء، وأكثر الذين أثروا في حياتي هم الشعراء. الشعر بالنسبة لي هو رئة أخرى تساعد لوحاتي على التنفس حين يغفو (باليت) الرسم . ويكفي أن نتذكر العلاقات العظيمة التي حدثت على مر التأريخ ، بين (مانيه) و (ميلارميه) أو بين (أبولونير) و (بيكاسو) أو بين (ماكس جاكوب) و (مودلياني) ، وهناك أمثلة كثيرة أخرى.

* كلمة أخيرة؟
إضافة إلى كل ما تحدثنا به، يبقى الرسم بالنسبة لي قبل كل شيء، مجموعة من الألوان والوسائط موضوعة على السطوح بطريقة معينة. إنها خدعة بصرية أو كذبة، وأنا أجاهد كثيرا لأجعل الآخرين يصدقون كذباتي (التشكيلية). وأخيرا أشكرك على إصغائك الهائل وصبرك الجميل.