حوار مع السيد الدكتور وليد شلتاغ
سفير العراق في بولندا
أجراه هاتف جنابي: يمكن اعتبار الدكتور(وليد شلتاغ) أول سفيرعراقي ديموقراطي متنور في بولندا منذ أكثر من ثلاثين سنة! حصل على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من موسكو، وعمل لسنوات مستشارا قانونيا في دولة الكويت. لكنه وقبل أن يقوم بذلك ترك عمله كأستاذ جامعي في موسكو ليلتحق بحركة الأنصار في كردستان العراق في العام 1982. الدكتور وليد حالة نادرة ليس كسفير ذكي ومتواضع طيب وشعبي، إنما لأنه من عائلة وطنية مضحية من أجل عراق حر متسامح ومنصف بحق نفسه وبحق أبنائه بغض النظرعن انتماءاتهم ومذاهبهم. لقد تم إعدام حوالي خمسة عشرا فردا من عائلته من قبل نظام صدام حسين المقبور، بما في ذلك والداه، وأخوه كريم وأولاد عمه وخاله وبعض من أقاربه. كان طيلة حكم صدام حسين أحد نشطاء المعارضة العراقية. استلم السفارة العراقية في أضعف حلقاتها، إذ كانت مهملة ومدعاة للريبة والسخرية ليس من قبل غالبية العراقيين وإنما حتى من الجانب البولندي، باعتبارها وكرا للمخابرات الصدامية من جهة وممثلا لنظام بغيض ممقوت على الصعيد الدولي من جهة أخرى. بهذا الحوار أردنا الكشف عن طبيعة تفكير وعمل الجيل الجديد من سفراء العراق الجديد.
* دكتور وليد، أنت أول سفير متنور ومتحضر يمثل العراق الجديد، بعد سقوط الطاغية، هل لكم أن تعطونا مشكورين صورة عن وضع السفارة الجديد. الكل هنا في بولندا كانوا يخافون (وثمة قسم يخجل حتى من الانتماء إليها!) من الدخول للسفارة معتقدين بأنها وكر مخابراتي أمني وتعذيبي. هل نحن نعيش اليوم، فعلا، وضعا جديدا؟
- في الحقيقة، تعكس الحكومة العراقية الجديدة والوضع الجديد في العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري، واقعا عراقيا جديدا، هدفه الأسمى هو مصلحة الشعب العراقي ومصلحة الوطن. ينعكس ذلك بطبيعة الحال على عمل وزارة الخارجية وسفرائها في الخارج. حال استلامنا السفارة في وارسو، كانت توجيهات الأستاذ هوشيار زيباري واضحة، تسعى إلى أن نعطي صورة جلية وجديدة عن المسيرة الديموقراطية للعراق الجديد. هذا يعني أولا، الاهتمام الكلي والشامل بالجالية العراقية ودعمها، والوقوف على احتياجاتها كونها جزءا من الشعب العراقي قد مر بظروف عصيبة، اضطرت غالبية أفرادها للهجرة من العراق وعدم التمكن من العودة إليه. ثانيا، توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين والسعي لتطويرها.
يشكل محور العلاقة مع العراقيين عصبا رئيسيا من مهام السفارة العراقية الجديدة. فأبواب سفارتنا في بولندا مفتوحة من اليوم الأول لكل العراقيين على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والأثنية والدينية،مقدمة لهم خدماتها بدون استثناء. فكل عراقي ينبغي عليه أن يتعامل مع السفارة على أنها وطن مصغر له. لابد من إدراك حقيقة زوال المفهوم السابق لعمل السفارات العراقية وإلى الأبد. كان عملها منصبا على ملاحقة ومطاردة وجمع المعلومات عن الأخوة والأخوات المتواجدين في الخارج. لقد بات من المستحيل أن يكون عمل السفارات متجاوزا المهمات الديبلوماسية متحولا إلى العمل الأمني. فعلى سبيل المثال، لدى تسلمنا مقر السفارة العراقية في وارسو، لاحظنا وجود عتاد وأسلحة رشاشة، وغرفة محصنة للغاية ذات عوازل تصل إلى نصف متر(ما الغرض يا ترى منها؟) ، كما عثرنا على مئات الصور للطاغية صدام حسين، ولافتات جاهزة تصلح لكل مناسبة. وعليه فعملنا يجب أن يكون مغايرا لهذه الصورة المغزية المؤلمة، ولما كان يقوم به زبانية النظام السابق العاملين في السفارة والمتعاونين معها. كان يتواجد دائما فريق أمني ومخابراتي يعتبر المسؤول الأول عن عمل السفارة! لقد قامت وزارتنا بعملية تطهير السفارات من مخابرات النظام المقبور، والسعي لإستعادة الثقة المفقودة ما بين السفارة ورعاياها.
* دكتور وليد، لقد استلمتم السفارة في وقت عصيب وحساس من تاريخ العراق أولا، وفي تاريخ العلاقات العراقية ndash;البولندية ثانيا، كيف تمكنتم من ترميم ماخربه النظام المقبور، على صعيد العلاقات ما بين البلدين، وما هي الصعوبات التي واجهتكم على هذا الصعيد؟
- من المهام الرئيسية للسفير قبل كل شيء، هو إعطاء صورة شفافة متحضرة عن سياسة بلاده، والتعامل مع البلد المضيف على أساس مباديء القانون الدولي، والتكافؤ والاحترام المتبادل بين البلدين، باعتبارهما بلدين مستقلين ذوي سيادة، إضافة إلى تنمية وتوطيد آفاق التعاون الثنائي المتبادل على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والصحية. وهذا يحتاج إلى جهد ومثابرة وشطارة، وإلى إجراء لقاءات دورية مكثفة ومنتظمة مع المسؤولين البولنديين، ورؤساء الأحزاب والمنظمات المؤثرة أو تلك التي من المتوقع أن تلعب دورا ما في المستقبل، والسعي للتأثير عليهم بهدف انتزاع مواقف مؤيدة لمسيرة العراق الديموقراطي الجديد. وكذلك بغية تأسيس علاقات ثنائية جديدة وصحية على كافة المستويات والأصعدة وفي مختلف المجالات، على أن يكون هدفها الرئيسي هو مصلحة وخدمة شعبنا العراقي وتقوية مكانة بلادنا على الساحة البولندية والدولية. لهذا ترانا نعكس دائما كل مستجدات الوضع الجديد في العراق، وما تقوم به حكومتنا العراقية من أعمال وخدمات للشعب العراقي، وعرضها للجانب البولندي. فمثلا، تم تشكيل لجنة وزارية جديدة مشتركة مابين البلدين تضم الخارجية، الصناعة، التجارة، الثقافة، والتعليم، إضافة إلى تشكيل لجنة خاصة بين وزارة النفط العراقية ووزارة الاقتصاد البولندية المسؤولة عن قطاع النفط والغاز.
فضلا عن ذلك، تم توقيع بروتوكولين، أحدهما قانوني بين وزارتي خارجية كلا البلدين، وآخر ثقافي بين وزارتي الثقافة العراقية والبولندية هدفها حماية الآثار العراقية، والتبادل الثقافي، كما وجرت زيارات متبادلة على أعلى المستويات، آخرها كانت زيارة رئيس وزراء بولندا الجديد السيد (مارتشينكيفيتش)، ويمكن اعتبارها ناجحة جدا، حيث ستفتح آفاقا لتعاون مثمر بين البلدين. وستشهد الأشهر القليلة القادمة وصول وفود عراقية عالية المستوى للتهيئة لتوقيع عقود اقتصادية ونفطية، وللتهيئة لاجتماعات اللجان الوزارية المشتركة. من الجدير بالذكر، أن العلاقات العراقية- البولندية وتطويرها، تحظى باهتمام بالغ من قبل حكومتنا، ومني شخصيا باعتباري ممثلا لها. ينبغي في هذا المقام، الإشادة بدور القوات البولندية في إحلال الاشتقرار والأمن في العراق، ومساهمتهم في إعداد وتدريب القوات العراقية الناهضة، كما ونثمن دورها وعملها ونشاطاتها الإنسانية الأخرى، من قبيل بناء وإعادة ترميم المدارس والمستشفيات، وتنقية المياه وسواها.
* شهدت العلاقات البولندية- العراقية لحظات فتور لأسباب متعددة، قد تكون قضية صفقات السلاح في مقدمتها، ناهيك عن اللغط الذي دارحولها في الأوساط العراقية والبولندية على السواء. هل كانت السفارة بعيدة عن هذه الأجواء؟
- يبدو لي أن هناك سوء فهم لدى الجانبين العراقي والبولندي ، وهناك من استغل بعض المواقف السياسية للطعن بالجانب الآخر. حاولنا من جانبنا تهدئة الأمور وإيجاد حل يُرضي الطرفين. لأن التصريحات العلنية والتشنجات لم تستطع حل المسألة. لذا قمنا بواسطة الطرق الديبلوماسية بتطويق الأزمة بما يُرضي الطرفين. وهناك أناس مختصون حرصت حكومتنا العراقية أن يكون لهم دور في تقييم قيمة ونوعية وحتى صلاحية ما تم شراؤه من أسلحة، وفعلا تم إرسال وفود عسكرية فنية خبيرة في مجال التسلح ، استطاعت أن تقدم تقاريرها إلى الحكومة العراقية بعد الاختبارات والفحوصات اللازمة. والآن أود التأكيد على أن علاقاتنا مع الجانب البولندي لا يشوبها الفتور، وسيشهد المستقبل القريب تطورا ملموسا في هذا المجال. وأحد معالم هذا التعاون هو ظهورالسلاح البولندي في الاستعراض العسكري الذي جرى في ذكرى جيشنا العراقي البطل.
* هل هناك تنسيق ما بين عمل السفارات العراقية في الخارج؟ أسأل وفي ذهني صورة القطيعة السابقة(إلا في المجال الأمني) ما بين السفارات العراقية في عهد نظام الطاغية المقبور.
- بالطبع هناك علاقات تربطنا بكافة السفارات العراقية الموجودة في العالم، حيث تصل توجيهات وزارة الخارجية إلينا جميعا، ويتم التعاون ما بين سفاراتنا في خدمة الجالياليات العراقية مثلا. مثلا، تم التنسيق بيننا وبين السفارة العراقية في برلين بشأن الانتخابات الأخيرة التي جرت في 15 كانون الأول 2005 وقمنا بتسهيل مشاركة الجالية العراقية في بولندا، وبالمناسبة تمت مشاركة العشرات من العراقيين المتواجدين في بولندا في تلك الانتخابات، وأنا شخصيا قد سافرت مع العراقيين في باص كبير ذهابا وإيابا، حيث أدلينا بأصواتنا. وكانت رحلة جماعية ممتعة رغم متاعب السفر، تعززت خلالها أواصر الصداقة والاحترام المتبادل بين العراقيين من أبناء جاليتنا والسفارة العراقية.
* حسنا، كيف تقيمون علاقتكم حاليا مع الجالية العراقية في بولندا؟
- كما بينت لكم، يجب على سفراء العراق الجديد أن يهتموا اهتماما واسعا بالجاليات العراقية في الخارج، ولا يتم ذلك بدون الاحساس بمصالحهم ومشاكلهم وما يعانونه في غربتهم. علينا أن نتذكر بأن القسم الأكبر منهم قد ترك وطننا العراق مكرها ومرغوما على ذلك بسبب سياسة النظام الصدامي التدميرية الرعناء التي ساوت الجميع من المتذمرين إما بتقتيلهم أو ملاحقتهم أو تشريدهم. كما وأن توجيهات حكومتنا العراقية، وتأكيدات وزير خارجيتنا تؤكد على التعامل مع جالياتنا بكل حب واحترام وتواضع. وهذا ما نعكسه نحن في عملنا بسفارتنا، فباب السفارة مفتوح لكل الأخوات والإخوان العراقيين، ليس فقط لحل مشاكلهم، وإنما للتعرف عليهم وعلى أمورهم الحياتية، خاصة وأن غالبيتهم تفتقد إلى الوثائق العراقية الرسمية التي تثبت رعويتهم(عراقيتهم). فنقوم بمراسلة الوزارات العراقية المعنية عبر وزارة خارجيتنا لتسهيل مهمة الحصول على الوثائق الثبوتية وبالتالي منحهم جوازات السفر الأصولية والوثائق المطلوبة. وبهذه المناسبة بودي أن أذكر لكم بأنني سبق وأن عشت مثل هذه المعاناة أسوة بمعاناة إخوتي في المعارضة العراقية سابقا. لقد علمتنا الحياة أن لا نتكبر على الآخرين، خصوصا من أبناء جلدتنا العراقيين. وتعزيزا لشد الجالية العراقية بوطننا العراق نقوم في كافة المناسبات والأعياد بإرسال التهاني إليهم كما ونقوم بتنظيم حفلات ولقاءات لهم، ونتابع باهتمام نشاطاتهم وعملهم ودراستهم. ومن مشاريعنا هي إقامة فعاليات ثقافية، كمعارض الرسم والصور ومعارض للأطفال، وتنظيم نشاطات موسيقية ورياضية.
* أرجو إعطاءنا صورة عن الوضع في العراق، ومتى ستشكل الحكومة الجديدة؟
- شهد العراق منذ سقوط النظام الصدامي الفاشي ومازال تطورات وتحولات واسعة ومهمة، لعبت دورا كبيرا في تعزيز سيادة واستقلال العراق، واستعادة دوره ومكانته في المجتمع الإقليمي والدولي. فقد شهد العراق في سنة 2005 ثلاثة انتخابات سيادية. أولها، انتخاب برلمان وحكومة مؤقتة ، ثم التصويت على الدستور الدائم، وآخرها الانتخابات البرلمانية التشريعية التي ستشكل الحلقة المرطزية في بناء عراق وطني ديموقراطي فيدرالي تعددي موحد، يتمتع فيه أبناء الشعب الكردي ولأول مرة بنظام فيدرالي لا مركزي وحقيقي، يأخذ بنظر الاعتبار خصوصيات الشعب الكردي والأقليات والقوميات الأخرى المتواجدة في كردستان العراق حيث تم انتخاب وتشكيل حكومة لإقليم كردستان. وتم انتخاب السيد مسعود البرزاني رئيسا لإقليم كردستان. وخلال هذه السنة تم توحيد حكومتي الإقليم في حكومة مركزية واحدة الأمر الذي سيعطي زخما قويا لوحدة واستقرار العراق وقراره السياسي. أما فيما يتعلق بتشكيل حكومتنا فبعد نجاح الانتخابات البرلمانية الأخيرة قامت كافة القوى السياسية والدينية على مختلف اتجاهاتها ومشاربها بوضع مصلحة الوطن فوق المصلحة الحزبية والذاتية، وبدأت بوضع لبنات تشكيل حكومة وحدة وطنية بالاستناد إلى مشاركة جميع الأطراف السياسية الفاعلة على الساحة العراقية، آخذة بالاعتبار أيضا التكوين النوعي والفسيفسائي للمجتمع العراقي، بدون تمييز وإجحاف بحق أي طرف من هذه الأطراف. ستكون من أولى مهماتها هي اصلاح ما أفسده النظام المقبور والتخلص من التركة الثقيلة الموروثة، والالتفات إلى مصلحة الشعب العراقي باعتباره أغلى رأس مال حيث سيتم التركيز على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والحياتية ومكافحة البطالة والأمية. وهذه العملية واحدة ومرتبطة بالعملية التنموية الشاملة في كافة مجالات الحياة. وبالتالي سينصب التركيز على إعادة بناء العراق من جديد وفسح المجال أمام المواطن العراقي للتمتع بالحريات الديموقراطية والضمانات الدستورية الرئيسية لحقوقه لكي يبدع ويخلق في عمله ويشارك في عملية إعادة بناء العراق من جديد.
شكرا سعادة السفير.
التعليقات