حوار مع الشاعرة التونسية آمال موسى

أجرى الحوار أحمد نجيم: تتحدث الشاعرة التونسية آمال موسى عن انتمائها المغاربي وتأثير على كتاباتها ورؤيتها إلى العالم. كما ترد على انتقاداتها السابقة للمغرب، وتؤكد أن تونس تتوفر على حرية لكن ما ينقصها هو حرية في الصحافة. لا تخجل الشاعرة أمال موسى في التأكيد على أنها شاعرة نرجسية، لكن هذه النرجسية، تضيف الشاعرة في مركز لشعر. وأضاف quot;يجب التمييز بين ما هو ذاتي وما هو شخصي. أعتقد أن من لا يحب ذاته لا يحب الآخرين، واستعادة الشعر والإبداع فيه تلك اللمسة النرجسية فالشعر ذاتي أو لا يكونquot;. وأضافت إنها quot;لست نرجسية إلا داخل القصيدةquot;. وفي علاقة بالموضوع، أكدت الشاعرة أنها متأثرة بالمتنبي لأنه quot;حول الذات إلى بحر أحسن السباحة فيها، إنني أنجذب إلى كل كفءquot;.

* أمال موسى أنت من أب تونسي وأم جزائرية وجدة مغربية ولدت في ليبيا، هذا يعني أن المغرب العربي كان قدرك منذ الولادة؟
- نعم وأظنه قدرا جميلا خلق في داخلي علاقة خاصة بالأمكنة وشعورا مختلفا بما يسمى الانتماء . لذلك فان أكثر ما يستبد بي هو الإحساس بالانتماء إلى الكون قبل أي مكان محدد جغرافيا. ربما هي علاقة شعرية صاغها لي انتسابي إلى منطقة المغرب العربي. وأود أن أشير إلى أنه رغم تجانس شمال إفريقيا على أكثر من بعد، فان هناك بعض الاختلافات الطفيفة التي تجعل لكل قطر مغاربي نكهته الاستثنائية. أعتقد أن شخصيتي قد امتصت هده الاختلافات، وتمت إعادة إنتاجها بطريقة ما، انعكست على ملامحي واختياراتي وميولاتي. في النهاية انتمائي إلى المغرب العربي خلق في الاستعداد النهائي إلى الانتماء إلى هذا الكون وإلى هذه الأرض. أشعر أنني مستوعبة للخصوصيات الثقافية والأنتربولوجية والنفسية لمنطقة المغرب العربي ومتمثلة لها بشكل تلقائي .

* هل انتماءك هذا هو الذي جعلك تستخلصين نتيجة في إحدى مقالاتك تصفين فيها المنطقة بعود كبريت؟
- ذلك شعور المواطنة آمال موسى، مع الأسف فإن أكثر ما يطفو على السطح هو أن الاتحاد المغاربي بقيت تتلاطم فيه أمواج الخلافات التي يمكن تجاوزها، فظل الحلم مجهض دائما. كمغاربية وكتونسية هذا الاتحاد كان يمكن أن يقدم لشعوب المنطقة الكثير من المصالح ومن الإيجابيات، لكن يبدو أنه إلى حد الآن مازال يلعب دور عود كبريت الذي يشعل النيران دون أن يطفئها.وفي زمن لا يعترف سوى بالتكتلات لا أكاد أفهم كل هدا التردد والأسباب المسكوت عنها لعدم اجتماع قادة المجلس الرئاسي المغاربي مند 1994. وكمراقبة لملف المغرب العربي لست مقتنعة كثيرا بتأثير الخلاف الجزائري المغربي لأن قضية الصحراء الغربية قد أصبحت من مشمولات الأمم المتحدة.

* هل انتمائك من خلال جدتك إلى المغرب كان عاملا مساعدا في انتقاد المغرب بقسوة بعد حضورك في مهرجان الرباط قبل سنوات؟
- لم أكن قاسية مع المغرب ولا مع المغاربة ولن أكون. إنني لا أستطيع أن أكون قاسية إلا على نفسي فقط .هذه هي حدودي في ممارسة القسوة. كانت مشاركتي طيبة ومتألقة وملفتة وأنا أعرف كثيرا من الشعراء أمثال الشاعر والمثقف الكبير محمد بنيس ووفاء العمراني ومليكة العاصمي وعائشة البصري التي التقيتها مؤتمر المرأة العربية وفي مهرجان جرش. أعرفهم منذ زمن حتى قبل أن تنشر مجموعتي الشعرية الأولى quot;أنثى الماءquot; في العام 1996. كما أن مترجم مجموعتي إلى اللغة الإيطالية هو المترجم المغربي رداد الشراطي وأعتز كثيرا بهده التجربة. إن المغرب ولدت فيه جدتي، وهي القريبة إلى طباعي وإلى شخصيتي والمغرب نفتخر به كمغاربة لثراء المشهد الثقافي فيه ولخصوبته في إنجاب المبدعين والمفكرين أمثال الجابري والعروي ولا أنسى صاحب الكتابات اللذيذة لعبد الفتاح كليطو. هنا يجب أن أوضح أنه إلى جانب أمال موسى الشاعرة هناك أمال موسى الإعلامية الصحافية، وقد تزامنت زيارتي إلى المغرب مع حدث ساخن، وهي الأحداث الإرهابية مايو، ولاحظت الاحتياطات الأمنية المكثفة. ونظرا لكوني معنية بالجانب السياسي والجانب الاجتماعي، ألتقط ما هو موجود في المجتمع، أردت أن أكتب مقالا عن مشاهداتي في جريدة quot;الشرق الأوسطquot; ولكن حصلت بعض التأويلات الخاطئة رغم إنني تحدثت عن المسائل الإيجابية، وقدمت معطيات عن مدى تأثر الحريات بتلك الأحداث.

* قلت في هذا السياق بعد تفجيرات الدار البيضاء أن هناك احتمال تراجع لثقل الإسلاميين المغاربة وبررت ذلك بعمق البعد العلماني، لكن هذا لم يحدث ألا تظنين أن نبوءتك قد أخفقت؟
- أنا مع أن تخطئ كل نبوءاتي السياسية لأنها نبوءات رمادية في نهاية الأمر، منطلقاتها غير متفائلة. ما توصل إليه تحليلي، وليستquot; نبوءاتيquot;، قد تؤكده أو تفنده السنوات القادمة.

* لكن الانكماش الأصولي لم يحدث في المغرب؟
- أتمنى أن يحصل التلاشي النهائي للأصولية بالاعتماد على الحلول الفكرية والثقافية التي تعالج المنظومة القيمية من الجذور. لا ننسى أنه قبل تلك الأحداث كان هناك مشروع لصالح المرأة المغربية، فقامت قيامة هذا الاتجاه الأصولي لوقفه، وفي الأخير لم تتوصل المرأة إلى كل ما كانت ترمي إليه. فالنخبة الليبرالية المغربية الممتازة، اعتمدت على مدونة الأحوال الشخصية التونسية، في إعداد المشروع، لكن قوبل برفض التيار الأصولي. فمؤسسة القضاء هي التي خيبت المرأة.

* كيف؟
- لأنه لم يساندها وأحبط المشروع.

* لنتحدث عن تونس، مدونة الأحوال الشخصية قوية، لكن في ظل غياب للحريات العامة، فحقوق للمرأة حاضرة مقابل تراجع كبير لحقوق الإنسان؟
- عندما نتحدث عن مدونة الأحوال الشخصية فنحن نتحدث عن ملف اجتماعي، وتونس كانت رائدة في هذا الملف وسعت إلى معالجته مند فجر الاستقلال. وهي من الإصلاحات المؤسسية الأولى، إذ أعلن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عن قرار إصدار قوانين مجلة الأحوال الشخصية بعد الاستقلال بثلاثة أشهر. وقد تعرض الزعيم الراحل لحملات تكفيرية آنذاك ، اذ هناك دول لم تقبل منع تعدد الزوجات إلى الآن .ولقد باركت مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت في 31 أغسطس 1956 رموز دينية من أمثال العلامة الفاضل بن عاشور. وتواصلت المكاسب بالنسبة إلى المرأة التونسية مع الرئيس بن علي وهنا نذكر الفصل 23 م المجلة الذي ألغى مبدأ الطاعة في 1993 واستبدله ضمنيا بمبدأ الشراكة. ومثل هده القوانين تندرج في جوهر حماية حقوق المرأة وتحصينها ضد التمييز والدونية.لدلك فان ملف المرأة هو في عمق الحريات العامة .

* وماذا عن الآن؟
- أعتقد أن تونس قادرة أن تكون أفضل في مجال الحريات، خاصة فيما يتعلق بحرية الإعلام، أما فيما يتعلق بحقوق الإنسان فإنني أسمع كلاما كثيرا في بعض الفضائيات، ما ينقصنا في تونس هو مزيد من حرية الإعلام والقطع مع الرقابة الذاتية والموضوعية. أعتقد أن المسؤولية مشتركة. لا ننسى أن هناك سبعة أحزاب معارضة في تونس. كما أشير إلى وجود سبعة آلاف جمعية، إلى جانب عدة صحف تقدم نفسها للقارئ على اعتبار أنها مستقلة. وكل هذه المؤشرات من شروط توفر المجتمع المدني الذي يحتاج بدوره إلى حدوث تراكم للوعي الاجتماعي العام حتى تتسع أكثر دائرة النخبة وبالتالي تصبح قدرتها على الحراك الاجتماعي أكثر دلالة.

* أنت تقولين أن تونس تتمتع بحرية التعبير عن الرأي وأن هناك تقصير في الإعلام؟
- أنا لم أقل أن هناك حرية كاملة أو حتى مشبعة لتوقعات الصحافيين في تونس. ولكن أعتقد أن كل الدول العربية متشابهة والتفاوت الموجود نسبي جدا. كما أنني لست مطلعة على ملف حقوق الإنسان في تونس بشكل جيد كي أصدر أحكاما. لكن ما أومن به هو أن تونس بكفاءاتها وبالخطوات الكبيرة التي قطعتها في مجال التحديث الديني والاجتماعي والثقافي تجعلها قادرة على التقدم أكثر في تبني قيم الحداثة في بعدها السياسي.

* لنغير السؤال، هل يمكن للشاعرة آمال موسى أن تعبر عن رأيها في اختيارات بنعلي وطريقة تسيير زوجته لمؤسسات عامة؟
- جميل جدا أن تحصر الموضوع في ذاتي. كشاعرة وإعلامية وباحثة شابة في علم الاجتماع لا أتعاطى إلا مع القيم ومع الإشكاليات، لا علاقة لي بالأشخاص. أرفض أن أشخص الأشياء، لذا لا أرى فائدة لإثارة موضوع رئيس الدولة وعقيلته. لقد كتبت عن تونس في جريدة quot;الشرق الأوسطquot; مرارا، ومن طبيعة كتاباتي أريد أن أكون متوازنة وهادئة ومحايدة.

* هذا التوازن أله علاقة بالخوف؟
- ليس له علاقة بالخوف. أنا مستقلة ولا أنتمي إلى أي حزب. أكتب كتاباتي دون خوف، ولم أتعرض حتى في المقالات ذات الجرعة النقدية الملفتة إلى مضايقات. لا بد أن نراجع عملية النقد، ونوجهه نحو الاستيعاب ثم المطالبة. مع توخي أسلوب في الحوار والنقد يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار ويؤمن فعليا أن الوطن ليس النظام الحاكم.
يجب أن نؤسس للغة الخطاب بعيدة عن السب والشتم، ونبتعد عن ثقافة الهجاء والمديح . ويحترم كل صاحب رأي الرأي المخالف له سواء كان مواليا أو معارضا وتلك هي الديمقراطية. ولأن الثقافة العربية الموروثة هي ثقافة جماعة وضد الفرد فان طموحنا اليوم يجب أن يراهن على قلب العلاقة وتخليص الفرد من كل ما يمنع تنعمه بقيم المواطنة فهي وهكذا تشفى الذات العربية ويعلو فيها شأن الفرد.

* هل ذات آمال موسى خضعت للعلاج وشفيت؟
- إلى حد ما، لأنني اشتغلت على نفسي كثيرا و تحاورت معها.. في نهاية الأمر أعتقد أن الوعي يقينا من عدة أشياء.

* أنت متهمة بالنرجسية، وقلت إنها تحمي الشاعر وتجعله لا ينتصر إلا لذاته وأضفت المبدع النرجسي قلما يتذلل وقلما يبيع ذاته؟
- ربما لست نرجسية إلا داخل القصيدة، إنها نرجسية في مركز الشعر. ويجب التمييز بين ما هو ذاتي وما هو شخصي. أعتقد أن من لا يحب ذاته لا يحب الآخرين، واستعادة الشعر والإبداع فيه تلك اللمسة النرجسية فالشعر ذاتي أو لا يكون. أما في الحياة اليومية فإن على تلك النرجسية أن تنمحي، لأنها تغدو مرضا.

* ألهذا السبب تعشقين المتنبي؟
- إنه شاعر كبير جدا حول الذات إلى بحر أحسن السباحة فيها، إنني أنجذب إلى كل كفء.

[email protected]