بقلم كريم بقرادوني*

كريم بقرادوني
كريم بقرادوني
الانتخابات النيابية في لبنان: توقعات قد تصحّ

لا صوت يعلو صوت الانتخابات النيابية في لبنان، والمسافة الزمنية التي تفصلنا عن موعدها المقرر في السابع من حزيران المقبل باتت قصيرة، وكل فريق يدعي ان النتائج ستكون لمصلحته، والتشويق مستمر حتى لحظة إعلان النتائج النهائية.

واكثر ما لفتني ان العديد من أهل الموالاة والمعارضة يلتقون على القول ان قانون 1960 الذي تجري الانتخابات على اساسه لا يلبي الطموحات، ولا يؤسس لدولة قوية وعادلة وشفافة، وان النظام اللبناني لم يعد قادراً على تلبية الحاجات واستيعاب المستجدات ومواكبة الطموحات، وان لا مفرّ من خطوات اصلاحية جذرية تُخرج الديمقراطية التوافقية من عنق زجاجة الطائفية والمذهبية الى رحاب الوطن والدولة.

لا أستبق الاستحقاقات اذا قلت ان دور رئيس الجمهورية سيكون محدوداً في الانتخابات النيابية ومحورياً بعدها، وبخاصة على صعيد المصالحة والاصلاح. وما قد يسهل مهمة رئيس الجمهورية في تقريب المتخاصمين ، الفائزين منهم والخاسرين، هو رغبة العديد من الاطراف المتصارعة الخروج من حالة الاصطفاف القائم. ودليلي على هذا التحول اعادة التموضع التي باشرها وليد جنبلاط، وانسحاب نسيب لحود من المعركة الانتخابية ، واستمرار الخلاف الخافت بين نبيه بري وميشال عون، والحبل على الجرار. باختصار، ستشهد مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية خلطاً للاوراق، وإعادة فرز تحالفات جديدة.

وبدا رئيس الجمهورية عازماً على خوض مغامرة الإصلاح قبل فترة يوم اقترح مشروع اللامركزية الادارية، وأَظنه يستعد لطرح فكرة فصل النيابة عن الوزارة افساحاً في المجال لتشكيل الحكومات المقبلة من اصحاب الجدارة والكفاءَة، وهو يشجع على إلغاء الطائفية السياسية بصورة تدريجية واستحداث مجلس للشيوخ يمثل الطوائف الى جانب مجلس للنواب متحرر من القيد الطائفي، انفاذاً لاتفاق الطائف وعملاً بما هو منصوص عليه في المادة 95 من الدستور اللبناني.

ولا يخفي رئيس الجمهورية رغبته في تعديل قانون الانتخابات واعتماد النظام النسبي الذي يرى فيه quot;أفضل ادارة لتنوعنا من ضمن وحدتناquot;، اضافة الى تخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة، فالنظام النسبي هو مفتاح الإصلاح لكنه ليس كل الإصلاح. والواقع ان الفرصة متاحة امام ميشال سليمان ليجعل من عهده عهداً اصلاحياً بامتياز بالتعاون مع مجلس نواب 2009 الذي لن ينتخب رئيس الجمهورية المقبل لانتهاء ولايته قبل حلول موعد انتخاب الرئيس، وهو محكوم بمقتضيات التعاون ايجابياً مع الرئيس لإنجاز بعض الوعود التي أطلقتها الكتل النيابية ومنها الاقدام على بعض الاصلاحات السياسية والمالية والادارية الملحة، ولتسوية ملف العلاقات الملتبسة بين بيروت ودمشق.

قوة ميشال سليمان انه توافقي وحريص على رعاية التوافق في الداخل واعادة حضور لبنان في الخارج بدءاً بإحياء العلاقات اللبنانية-السورية. وليس بمقدور سواه الامساك بزمام المصالحة والاصلاح ، فهو مطبوع على الجمع بين المختلفين، ومجرب في ادارة الخلافات الصعبة من ضمن منطق الشرعية الدستورية وعلى قاعدة العمل بمقتضيات الديمقراطية التوافقية.

ان النظام الديمقراطي في لبنان، ورغم فسحة الحريات فيه، يخفي استبداداً طائفياً اسوأ من الاستبداد السياسي تتولاه حفنة من زعماء الطوائف . ولا يكفي شطب المذهب او الدين من بعض القيود لازالة التمييز بين اللبنانيين، فالمواطنية ما زالت اضعف من الطائفية، وما زال المواطن يرتبط بطائفته قبل ان يرتبط بوطنه من يوم الولادة الى ساعة الوفاة، وما زالت الطوائف تحمي ابناءَها ولو كانوا من الفاسدين، فتحول دون اتمام الاصلاحات ولو بحدها الادنى. ولن تستقيم علاقة المواطن بالدولة الا اذا تجرأ مجلس النواب فأقر مشروع قانون الاحوال الشخصية المدنية، بدءاً بمشروع الزواج المدني الاختياري.

مخالب الطوائف والمذاهب ممتدة الى كل مفاصل الوطن والدولة، ويتطلب مكافحة الفساد الكثير من الشجاعة والجهد والروية لانقاذ لبنان من براثن الطائفية التي تفتك بالجميع دون هوادة.
ان ميشال سليمان ينتظر بهدوء انتهاء الانتخابات ليباشر عملية الاصلاح، فهل سينجح حيث لم ينجح الآخرون؟

*وزير سابق ورئيس سابق لحزب الكتائب اللبنانية .