تدليك في الحمام التركي

علي حلاوي من بيروت: في اول منطقة زقاق البلاط المشرفة على وسط بيروت، لا يزال quot;حمام النزهةquot;، او ما يعرف لدى اللبنانيين والعرب بـ quot;الحمام التركيquot; يصّر على استقبال روّاده. وليس وصف هذا الحمام بـ quot;التركيquot; عبثاً، فهو بحسب المشرفين عليه أحد نماذج الحمامات العامة التي اشتهرت بها بلاد الاناضول، وانتشرت خلال فترة الاحتلال العثماني لبلاد المشرق العربي ومنها لبنان. تشير اللوحة الاعلانية البيضاء التي بدأ الصدأ يتآكلها الى أن هذا الحمام التراثي أنشىء عام 1920 . تعود ملكيته إلى عائلة بيرقدار التركية الأصل، ويديره حالياً الشاب احمد بيرقدار ( 28عاما) مع بعض ابناء اعمامه بعدما انتقل إليهم بالوراثة عن جدهم الحاج احمد وآبائهم.

الرحلة إلى حمام النزهة دافعها غالباً شهرته وصيته، وقد صنّفته وزارة السياحة في منتصف تسعينات القرن الماضي في خانة الاماكن التراثية والسياحية في لبنان التي ينصح للسائح العربي والأجنبي بزيارتها. تدل على شهرته مجموعة صور كبيرة لمشاهير التمثيل والغناء العربي الذين زاروا الحمام، وقد عرضت عند مدخله، منهم كاظم الساهر ووليد توفيق وممثلون مصريون راحلون وأحياء.

يتباهى احمد بيرقدار عمومته بالصيت الذائع للورثة الأحب على قلبه، ويحرص على عرض كل ما ينشر عن حمامه من تحقيقات وتقارير صحافية في صحف لبنانية وعربية واجنبية في زواية في أحد جدرانه . والدخول الى quot;حماّم النزهةquot; يسهّله عمّال فيه، معظمهم من الجنسية السورية، استخدمهم مدير الحمام لخبرتهم العالية في الحمامات التركية المنتشرة في حارات دمشق واحيائها. أحدهم quot;مالك quot; الذي يعمل في الحمام امنذ سبعة اشهر، وهو صاحب خبرة في هذا المجال تصل الى خمسة وعشرين عاماً. يؤدي عمله بدقة بارزة، ويتسلم الزبون من لحظة دخوله حتى خروجه بمساعدة رفاقه.

يبرع quot; مالكquot; في التكييس، وهي عملية ازالة الجلد الميّت والاشياء العالقة في الجلد والتي لا يزيلها الاستحمام اليومي. يستعمل يديه بعد ان يلبس أحداهما كفاً مصنوعا من جلد الحصان او الجمل، ويفرك الزبون بقوة وبكل طاقته معتمداً على المياه الساخنة لتطرية الجلد. quot; كل شي قديم حلوquot; بهذه العبارة يعلّق جميع العاملين في الحمام على مهنتهم، ويحثون الجميع على المجيء الى الحمام والاستمتاع بلحظات متعة وارتياح، يقول أحدهم: quot; صدقني أخي بتحس حالك رح تطير وانو فقدت من وزنكquot;. ويشيرون الى ان زبائن الحمّام لا ينتمون بالضرورة الى الجيل القديم، بل بينهم نسبة كبيرة من الشباب بأعمار العشرين وصاعداً، وهناك بعض الرياضيين الذين يأتون يوميا الى الحمام في حاجة ملحة الى غرفة البخار وجلسات السونا والتدليكquot;. يسير النمط التقليدي في الحمام من البداية، فلأحد العاملين مهمة رئيسية هي استقبال الزبون الذي يمكنه معرفة الاسعار بمجرد النظر الى المكتب حيث علق جدول محدد بها، وكلفة الحمام واحدة سواء للبنانيين او السياح وهي 18 الف ليرة لبنانية، ولا تتضمن ما يطلب الزبون من مشروبات وخدمات خاصة، كما ان لهذا العامل دوره في وضع ما يحوزه الزائر من اغراض شخصية داخل كيس صغير من القماش ليطمئن باله إلى اغراضه.

وبعد ان يخلع الزبون ثيابه، يلف جسده بقطعة قماش يدخل بها الى غرفة البخار التي تساهم في فتح مسمات الجلد، وهي مفيدة بحسب احمد بيرقدار في معالجة امراض الربو والتكلّس واوجاع الظهر والخواصر، ويقصده بعض الروّاد بهدف الشفاء. ويفخر احمد بأن جده quot; اول من ادخل غرفة البخار الى لبنان قبل نحو خمسين عاماً . جاء بها من تركيا ثم انتشرتquot;، مشيراً quot; الى ان الية انتاج البخار في البدء كانت يدوية تعتمد على الحطب والفحم، ولكن بعد ذلك لجأنا الى التيار الكهربائي تسهيلاً على الزبون والعمال على حد سواء، ولكن في النهاية نحاول قدر الامكان ان نحافظ على النمط القديم . اذا اردنا ان نغير ونضيف بعض الامور، فنحاول ان نأتي بالقديم الذي لا يخرج عن النمط المستخدمquot;.

بعد مرحلة تعرّض الجسم للبخار والحرارة العالية، تأتي المرحلة الثانية التطبيقية وهي الاساس في الحمام التركي ويطلق عليها اسم quot; التكييس quot; ويتولى احد العاملين فيها وضع كيس مصنوع من جلد الحصان او الجمل في كفه، ويفرك الجسم نحو ربع ساعة ، وبحسب بيرقدار تفيد هذه العملية، اضافة الى ازالة الجلد الميت وغيرها من الاوساخ التي لا ترى بالعين المجردة، في تحريك الدورة الدموية، على ان تعقب التكييس مرحلة التدليك التي تستغرق بين ربع ساعة وساعة ونصف حسب طلب الزبون، وتليها مرحلة السونا التي تساهم في ذوبان الدهون وازالة الشحوم. والمراحل تتم على نمط الحمام التقليدي الذي يعتمد على الأجران الحجرية لتخزين المياه ويكون الاستحمام quot; بـ quot; الكيلةquot;.

يحدثك الشاب بيرقدار عن حاضر حمامه وما يطمح اليه من افكار للتوسع في مشاريع مستقبلية. يبّشر quot;بأن يكون للحمام التركي نماذج اخرى في غير مناطق ما دام الخبرة موجودةquot;. ويرفض لحمامه اي دعاية quot; لأن لا داعي لها فهو بات اشهر من النار على العلمquot;. ولا يتردد احمد في توجيه انتقاد مزدوج للحمامات الجديدة التي لا تعطي في رأيه النتيجة التي يعطيها الحمام التركي ولا تتميز عنه سوى بالديكور والزخرافاتquot;. ويشكو أن الدولة لا تشجعنا او تدعمنا في هذا الوقت الصعب، فنحن غير معفيين من الضرائب او فواتير الكهرباء والماء التي اذا تأخرنا تنقطع عناّ، مع أننا على لائحة الاماكن السياحية في لبنانquot;.