البندقية (إيطاليا) :

في موقع لافت أسفل جسر ريالتو الرابض عند القنال الكبير في البندقية، ينفخ الإيطالي ماتيو تاليابييترا الزجاج في مشهد ساحر يرمي للترويج لإنتاج زجاجيات مورانو الشهير.

وإذا كان هذا الصنف من الزجاج الذي يصنع منذ مئات السنين والمعروف في العالم أجمع رائجا في محال التذكارات المنتشرة في أزقّة البندقية، فإن "70 % من القطع الزجاجية لا تصنع هنا"، بحسب ما يكشف لوتشانو غامبارو ، رئيس جميعة الترويج لزجاجيات مورانو.

أسبوع الزجاجيات في البندقية

وفي مسعى إلى قلب المعادلة، تنظّم منطقة فينيتو منذ أربع سنوات "أسبوع الزجاجيات في البندقية" الذي تتخلّله عدّة فعاليات للترويج لهذه الصناعة الحرفية التي نشأت في جزيرة مورانو.

وتشكّل هذه الفعاليات التي تستعرض تاريخ هذه الصناعة وطرق إنتاج الصنف "الأصلي"من الزجاج وسيلة "لتسليط الضوء على ما تمثّله مورانو"، بحسب ما يقول غامبارو خلال زيارة لمؤسسته العائلية حيث يتربّع شريكه ماتيو تاليابييترا في قاعة الأفران ويقوم بحركات متناهية الدقّة لقولبة إناء.

ويخبر تاليابييترا الذي يعدّ من كبار الحرفيين في هذا المجال "لا تزال الأساليب ذاتها تعتمد منذ قرون".ووقت كانت البندقية جمهورية (697-1797)، كان "معلّمو الزجاج ذائعي الصيت. ولم نعد اليوم ننتج كثيرا كميات صناعية وبات إنتاجنا يرتكز على القطع المفصّلة بحسب الطلب".

ويردف "نعود بذلك إلى بدايات هذه الصناعة، مع الاتّكال على حسّنا الابتكاري. ولا بدّ لنا من التطوّر والتأقلم، فهذا هو المستقبل. ومن يكتفي باجترار ما يفعله دوما، لا مستقبل له".

عرض حي للسياح

وفي مسعى إلى الترويج لهذه الفلسفة، قرّر حرفيو الزجاج الخروج من جزيرتهم لملاقاة الزبائن والترويج لعملهم، "فلا بدّ من التحرّك"، بحسب ما يقول ماتيو.

ومن الفعاليات المنظّمة في هذا السياق، معرض بالقرب من متحف الأكاديمية الشهير لقطع أنجزها حرفيون دون الخامسة والثلاثين من العمر. وكلّ ليلة، تقدّم سفينة طولها 14 مترا فيها فرن للزجاج عرضا حيّا لقولبة هذه الزجاجيات في أشهر مواقع المدينة. وبغية التصدّي لرواج القطع المزّيفة المستوردة خصوصا من آسيا، أنشات منطقة فينيتو اسما تجاريا يثبت أن القطع التي تحمل هذه الماركة والمزوّدة برقم تعريف صنعت في الجزيرة.

لكن هذه التجارة تمرّ بمرحلة عصيبة مع التراجع الشديد في عدد السياح إثر فيضانات نوفمبر ثمّ أزمة وباء كورونا.

ولا شكّ في أن أهل القطاع "يعانون الأمرّين، لا سيما هؤلاء الذين ليس لهم سوى السوق المحلية للاسترزاق... لكن عجلة السوق الدولية تتحرّك"، على حدّ قول لوتشانو غامبارو.

وخلافا للقطع المستوردة التي لا تتخطى قيمتها بضعة يوروهات، ـقد يبلغ ثمن بعض التصاميم الأصلية عشرات آلاف اليوروهات.

ويؤكد غامبارو "يمتدّ تاريخنا على ثمانية عقود ونحن لم نتوقف يوما عن الإنتاج بالرغم من كلّ الأزمات. فتحفنا منتشرة من فرساي إلى سان بطرسبورغ، مرورا بمدريد".

وقد يكون هذا الصيت الذائع خشبة خلاص هؤلاء الحرفيين من الطراز الرفيع.