شيان تسي تلوح قبل دخول قاعة المحكمة
Reuters
اتهمت شو شياو شوان، المعرفة باسم شيان تسي، مذيعا تلفزيونيا مشهورا بالتحرش الجنسي

تعقد محكمة صينية جلسة استماع، توصف بالتاريخية، لقضية تحرش جنسي، بعد ست سنوات من الواقعة، يقول محللون إنها قد تحدد مستقبل حركة"أنا أيضا"، المناهضة للتحرش الجنسي، في البلاد.

وكانت شو شياو شوان، المعروفة أيضا على الإنترنت بلقب شيان تسي، قد رفعت دعوى قضائية لمحاكمة أحد أبرز مذيعي التلفزيون في البلاد، بتهمة التحرش الجنسي بها عام 2014.

ونفى المذيع ارتكاب أي مخالفات، ورفع بدوره دعوى قضائية عليها وعلى الداعمة لها بسبب الإضرار بسمعته وكذلك بصحته النفسية.

ويقول محللون إنه نادرا أن تصل مثل هذه القضايا في الصين إلى هذه المرحلة، مع تنامي التكهنات بمصيرها.

وقالت شيان تسي، قبل جلسة الاستماع التي لن تكون علنية، لبي بي سي إنه مهما حدث فلن تندم.

وأضافت: "إذا كسبت (القضية) فإن هذا سيشجع الكثير من النساء على المضي قدما وسرد قصصهن، وإذا خسرت، فسوف أواصل دعاوى الاستئناف حتى تتحقق العدالة".

وتجمع نحو مئة شخص خارج محكمة منطقة هايديان في العاصمة بكين يوم الأربعاء لإظهار الدعم لشيان تسي، ورفع كثيرون لافتات مكتوب عليها "أنا أيضا" وكُتب على لافتة أخرى: "نحن ننتظر معك إجابة من التاريخ".

متظاهرون يرفعون لافتات تدعم شيان تسي خارج المحكمة في بكين
AFP
متظاهرون يرفعون لافتات تدعم شيان تسي خارج المحكمة في بكين

وقالت وكالة فرانس برس للأنباء إن التجمع كان سلميا إلى حد كبير، على الرغم من حدوث مناوشات عندما سعت الشرطة إلى تفريق المتظاهرين وإبعاد الصحفيين الأجانب.

وقررت شيان تسي في صيف عام 2018، بعد وقت قصير من علمها بعدد القضايا القانونية الكثيرة المرفوعة ضد منتج أفلام هوليوود هارفي واينستين، كتابة تجربتها الخاصة باللغة الصينية على حسابها على "وي شات"، لإظهار التضامن مع صديقة الطفولة، التي سبق وأخبرتها بأنها نجت من واقعة اغتصاب.

وتذكرت الفتاة البالغة من العمر 25 عاما، في مقال من 3000 كلمة، التجربة التي مرت بها عام 2014، إذ قالت إنه أثناء تدريبها في قناة "سي سي تي في" الرسمية الصينية في ذلك العام، تحرش بها جنسيا، تشو جون، أحد أبرز مقدمي البرامج التلفزيونية شهرة في البلاد.

وزعمت شيان تسي أنها قدمت بالفعل شكوى إلى الشرطة المحلية، لكنهم طلبوا منها، بحسب زعمها، إسقاط الاتهام لأن تشو كان مذيعا بارزا، وأن "تأثيره الإيجابي" على المجتمع يجب أن يجعلها تفكر بإمعان.

وسرعان أن حققت منشورات شيان تسي انتشارا واسع النطاق على الإنترنت الصيني، بعد أن أعادت صديقتها شو تشاو، التي تعمل في منظمة غير حكومية، نشرها على حسابها العام على منصة "ويبو".

وأصبح مصطلح "التحرش الجنسي"، منذ ذلك الوقت، جزءا من الخطاب الإعلامي الصيني بفضل حركة "أنا أيضا" في الولايات المتحدة وأوروبا، وعدد قليل من الشكاوى الناجحة في الصين.

ففي يناير/كانون الثاني من نفس العام، أقالت إحدى جامعات بكين أستاذا جامعيا بتهمة التحرش الجنسي بطالبة سابقة، وبعد بضعة أشهر، استقال مؤسس جمعية خيرية معروف من منصبه بعد اتهامه باغتصاب متطوعة خلال حملة لجمع التبرعات عام 2015.

طالبة تجلس في قاعة درس بجامعة بيهانغ
Getty Images
طالبة في جامهة بيهانغ اتهمت أستاذا بالتحرش الجنسي

وسرعان أن حظيت شكوى شيان تسي باهتمام وسائل الإعلام الصينية، لاسيما لأن الرجل الذي اتهمته اسم معروف في البلاد.

كما أعرب العديد من النساء، والرجال أيضا، عن عدم التصديق وأبدوا التضامن عبر الإنترنت، بيد أن شيان تسي زعمت أنها علمت بسرعة أن الرقباء حظروا تغطية وسائل الإعلام للقضية.

وبعد أسابيع رفع تشو دعوى قضائية على شيان تسي وشو تشاو بسبب الإضرار بسمعته وصحته النفسية.

وقالت شيان تسي لبي بي سي قبل جلسة المحكمة يوم الأربعاء: "أضرني ذلك كثيرا، اتهمني الفاعل في وقت ما بأنني أعاني من اضطراب، وكان علي إثبات أنني شخص طبيعي".

وأضافت: "أثناء عملية جمع الأدلة التي تعود إلى عام 2014، كان علي أن أعيش تجربتي مرارا، وفي كل مرة كان هناك التعذيب والإذلال".

وقالت شو تشاو، التي تدرس حاليا في إنجلترا، لبي بي سي إنه إذا حكمت المحكمة لصالح تشو، فهذا يعني أن دعوته القضائية ضد المرأتين ستستمر.

وأضافت: "لكنني أستعد لمواجهة التهم، حتى عن بعد".

ونفى تشو دوما جميع التهم المنسوبة إليه، ولم يرد على طلب من بي بي سي بإجراء مقابلة معه ومحاميه قبل الجلسة.

متظاهرون يرفعون لافتات تدعم شيان تسي خارج المحكمة في بكين
Reuters
متظاهرون يرفعون لافتات دعم خارج المحكمة

"لا يوجد اعتذار حتى الآن"

يحظر القانون الصيني أي تحرش جنسي في مكان العمل، وقال داريوس لونغارينو، الذي يدرس الإطار القانوني المتغير للصين في التعامل مع مثل هذه القضايا في مركز بول تساي الصيني التابع لكلية الحقوق جامعة ييل، إنه حتى وقت قريب، لم يكن هناك تعريف قانوني لما يشكل تحرشا جنسيا.

وأضاف: "حتى الآن، لم يكن هناك سوى عدد قليل من القضايا المتعلقة بالتحرش الجنسي التي رفعت أمام المحاكم الصينية، وغالبا نرى أنه في حال معاقبة مكان العمل الفاعل المتهم، فإنه يقاضي الشركة بتهمة مخالفة عقد العمل".

وقال لونغارينو لبي بي سي: "أو يقاضي الفاعل المتهم الشركة أو الشاكي بتهمة الإضرار بسمعته".

وأضاف أن مصطلح "التحرش الجنسي" بدأ يظهر عام 2005 فقط في متن قانون وطني لحماية مصالح المرأة، ومنذ ذلك الوقت، ظهرت بعض اللوائح المحلية والإقليمية التي تؤكد على تطبيقه، ولكن لم يتغير الكثير على أرض الواقع.

ويقول مركز "بكين يوان تشونغ" لتنمية المرأة، وهو منظمة غير حكومية محلية، إنه من بين ما يربو على 50 مليون حُكم أصدرته محكمة صينية بين عامي 2010 و2017، كان 34 حُكما فقط يتعلق بالتحرش الجنسي، رفضت دعويين منها على أساس "عدم كفاية الأدلة".

وعلى الرغم من ذلك توجد علامات على أن الأمور تتغير، ففي قضية بارزة أخرى العام الماضي، رفعت أخصائية اجتماعية دعوى قضائية على مدير عام في منظمة غير ربحية في مقاطعة سيتشوان في جنوب غربي الصين وكسبت القضية، ووصفت وسائل الإعلام الصينية الحكم بأنه أول انتصار قانوني منذ بداية حركة "أنا أيضا" في الصين.

فتاة
Getty Images
يرفع عدد قليل جدا من الدعاوى القضائية المتعلقة بالتحرش الجنسي أمام المحاكم الصينية

لكن على الرغم من أن المحكمة أمرت الفاعل بتقديم اعتذار في غضون 15 يوما، إلا أن الضحية لم تتسلمه بعد أكثر من عام من كسب القضية، وفقا لتقرير إخباري صيني في يوليو/تموز الماضي.

"لحظة فاصلة"

قدم مشرعون صينيون في مايو/أيار الماضي قانونا مدنيا جديدا، يدخل حيز التنفيذ اعتبارا من أول يناير 2021، يعرّف التحرش الجنسي بأنه كل ما يجري "تنفيذه ضد رغبة شخص آخر بوسائل مثل الكلام أو النص أو الصور أو السلوك"، كما ينص على ضرورة بذل الحكومة والشركات والمدارس جهودا لوقف مثل هذا السلوك.

ويقول معارضون إن ذلك لا يزال غير كاف لحماية ضحايا التحرش الجنسي بفاعلية، وقال لونغارينو: "ذهب الأمر إلى حد القول بإنه يتعين على الشركات أن تتبنى إجراءات لمكافحة التحرش الجنسي في مكان العمل، لكنها لم تصل إلى حد تحديد المسؤولية التي ستواجهها الشركات حال تقاعسها عن ذلك".

شيان تسي
XIAN ZI
كانت شيان تسي تبلغ من العمر 25 عاما عندما تعرضت للتحرش الجنسي من جانب المذيع المشهور

وأظهر مسح أُجري عام 2018، شمل ما يزيد على مئة مشارك من المدن الساحلية المتقدمة، أن 81 في المئة من الشركات التي يعملون بها لم يكن لديها سياسات منصوص عليها لمناهضة التحرش الجنسي، مقارنة بـ 12 في المئة من الشركات فعلت ذلك، لكنها لم تطبقها، وقال 7 في المئة فقط من المشاركين في المسح إن شركاتهم تطبق مثل هذه السياسة.

وقال لونغارينو إنه على الرغم من أوجه القصور، فإن حقيقة وصول قضية شيان تسي إلى هذه المرحلة تعد علامة مشجعة على أن الأمور تتغير.

وأضاف: "إنها الآن لحظة فاصلة أخرى وسنرى إن كان باستطاعة المحاكم عقد جلسة استماع عادلة وصارمة".

وقال: "وقتها فقط سيتيح القانون حماية ذات مغزى للناجيات من التحرش الجنسي".