نواكشوط: سكينة اصنيب: صوت قوي وأصيل وآسر يدخل القلوب بدون استأذان ويتغلغل ليداعب مشاعر المستمعين، عند سماعها تحس أن أغانيها ليست نابعة فقط من أحبالها الصوتية وإنما من إحساسها وأوتار شرايينها، جمعت بين الأصالة والتجدد بين الفلكور الموريتاني والملامح الإفريقية من جهة، وموسيقى الراي من جهة أخرى ارتأت أن يكون لها لون خاص لون راق وجديد إنها الفنانة الموريتانية العربية معلومة بنت الميداح.
نشأت المعلومة بنت الميداح في أسرة فنية عريقة، وبدأت حياتها الغنائية وهي بنت سبع سنين، فكان والدها المختار ولد الميداح من أوائل المؤسسين لنظام التناسق اللحني بين الكلمات المنشدة باللغة العربية الفصحى والمقامات المحلية، أما الوالدة فقد كانت سليلة أسرة «أهل بوبان» المعروفة بتمرسها وتخصصها في العزف والغناء مما أكسب بنت الميداح ملكات الإنشاد وأداء أصعب الألحان، وتقول معلومة بنت الميداح عن نفسها: «تعلمت الفن بالفطرة وكان حلم عمري أن أنجح يوما في تأسيس توجه جديد يخرج الأغنية الموريتانية من طابعها التقليدي لتأخذ شكلا ومضمونا مختلفين».
«إيلاف» التقت بالفنانة الموريتانية لتحدثها عن مشوارها الفني ونشاطها وتتعرف على لونها الغنائي وكان هذا الحوار:
* لك صوت قوي وأغاني جميلة ونجحت عالميا لكن لم يسطع نجمك على مستوى الوطن العربي ما هو السبب؟
- أظن أنني الموريتانية الوحيدة المشهورة على المستوى العالم العربي لأنني غنيت في أغلب الدول العربية ودعيت إلى مهرجانات وحفلات دولية كمهرجان قرطاج كما غنيت في بغداد والإمارات ولبنان، واستُضفت في تلفزيون المستقبل عبر برنامج خليك بالبيت وبرنامج أماسي في قناة أبو ظبي وكذلك في فضائيات: LBC وORBIT وART. لكن كما تعلمين الموسيقى الموريتانية أقرب إلى الغرب من الإيقاع العربي من حيث المقامات والأداء وهذا ما يجعل التعامل مع الغربيين أسهل من حيث التعاقد والاحتضان.
* هل يعني هذا أنك اكتفيت ببعض السهرات والمهرجانات التي تنظم في بعض الأقطار العربية، أم أن هناك أزمة في التواصل بين الفنان الموريتاني والمستمع العربي تمنع وصول صوتك؟
ـ الأكيد أنني ما زلت مصرة على الوصول إلى المستمع العربي لذلك فأنا أناشد الأطراف المعنية أن تتحمل مسؤوليتها وأدعو الوزارة الوصية على الفنانين والمبدعين الموريتانيين لدعم وتشجيع المنتَج الفني ومساعدتنا على التواصل مع غيرنا والإقلاع بإبداعنا من الحضيض الذي يركد فيه. كما على منتجينا العرب أن يطردوا عنهم فكر استعصاء الأغنية الموريتانية على الفهم وأن يقتنعوا أن لنا خصوصية نود الحفاظ عليها كما حافظت الأغنية الخليجية والشامية على طابعها.
* تعاقدت مع شركة فرنسية توزع في الولايات المتحدة وأوربا ألم تتلقي عرضا من شركة عربية؟
- وسبق أن اتصلت بي شركة روتانا بشأن التعاقد، وسافرت إلى لبنان من أجل هذا الغرض وبعد أن تم استقبالي بروتانا عرضوني على الفنان إلياس الرحباني باعتباره مستشارا فنيا للشركة فقدمت له الموسيقى الموريتانية التي أتقن وأحب وهي لوني الخاص، فرد عليهم بأن الموسيقيين اللبنانيين ليس في استطاعتهم أن يعزفوا اللون الذي أريد ومن الأفضل أن يتم العمل مع الموسيقيين الغربيين و ليس العرب. وبما أن القانون اللبناني يمنع على أي شركة إنتاج في لبنان التعامل مع الموسيقيين غير اللبنانيين ألغي مشروع التعاقد.
* ولماذا لم تغني ما عرضوه عليك؟
- طوال مشوار الفني وأنا أعمل على تحديث الأغنية الموريتانية وظفت القديم من إيقاعاتها وكلماتها لأنفرد بلون جديد وراق ينسجم مع النمط العالمي، وقد نجح في العالم الغربي وليس من المعقول أن أترك هذا اللون الذي يمثل أصالتي وتراثي وأغني ألوان أخرى. هناك الكثير من الفنانين غنوا لهجات تختلف عن لهجتهم الأصلية وأبدعوا فيها، أما أنا فلا أنجدني أتقن غير لهجتي ربما تربيتي الموسيقية جعلتني أصلح لهذا اللون الخاص ببلدي والذي لا يجب الاستهانة به لأنه يخلط الموسيقى العربية (الأوتار) والإفريقية (الطبول) كما يحمل نكهة عالمية (الجاز) ولو ظهر في العالم العربي لكان له صدى كبير.
* نرى أن نجاح الأغنية مرتبط الآن بالفيديو كليب الذي يعتمد على الشكل والجمال أكثر من الصوت ما تعليقك؟
- شخصيا أرى أن أي عمل يجب أن يكون متكاملا فالفيديو كليب لا بد أن يرتبط بموضوع الأغنية فإذا كان الموضوع أو رسالة الأغنية مترجم من خلال الفيديو كليب فإن العمل له معنى، أما إذا كان مجرد صور عارية وبنات جميلات ورقصات حلوة ووجوه حسناء لا ارتباط بينها وبين كلمات الأغنية فهو غير ضروري بالمرة.
* غنيت للحرية والتضامن والضعفاء هل ستستمرين على هذا المنوال لاسيما أن معايير الغناء تعتمد على أشياء أخرى؟
- أرى أن هذه رسالة كل فنان عنده قضية يؤمن بها ويحترم فنه وجمهوره مما يدفعه تلقائيا إلى أن ينطلق من الواقع الذي يعيشه ويعبر عن مشاعر الناس ومشاكل المجتمع ويقدم نموذجا يحتدى به للأجيال القادمة.
* تقومين دائما بتلحين أغانيك الخاصة لماذا لا تتعاملين مع ملحنين آخرين؟
- سبق أن قلت أن موريتانيا حالة خاصة فالتربية الموسيقية التي تربيت عليها إضافة إلى الثقافة الموسيقية التي تعلمتها جعلتني قادرة على أن ألحن باقتدار وبشهادة الملحنين فموهبتي مع التلحين بدأت منذ عام1986 في أول ألبوم غنائي صدر لي، ورغم ذلك ليس لدي أي مانع في التعامل مع أي ملحن من أي بلد آخر.
* ما رأيك بالوجوه الجديدة على الساحة الفنية مثل نانسي عجرم إليسا هيفاء وهبي؟
- الفنون أنواع وأشكال، بالنسبة لهؤلاء المغنيات فهن يقدمن لونا آخر له ميزة خاصة ويحمل رونق الشباب والجمال وفي الأخير كل ما هو موجود على الساحة الفنية بأمر الجمهور ونجاح أي فنان مرهون بمدى الإقبال عليه.
* ما رأيك بالمسابقات الغنائية التي تقدمها بعض القنوات العربية لاكتشاف المواهب؟
- أشجعها كثيرا لما لها من دور في إبراز الطاقات الجديدة والمواهب الشابة التي باستطاعتها أن تضخ دماء جديدة في شرايين الغناء العربي. كما أن هذه المسابقات فضلا عن دورها في البحث عن المواهب ومساعدتها على الظهور فهي تقلص بطريقة غير مباشرة من حجم المشاكل التي يعانيها الشباب من البطالة وضيق ذات اليد.
* ما هي آخر أعمالك ومشاريعك المستقبلية؟
- آخر أعمالي ألبوم سجل في فرنسا وانتشر في العالم الغربي وكان له صدى قوي والحمد لله، بعدها قمت بجولات في الولايات المتحدة الأمريكية مند شهرين وأحييت سهرتين في ميشيكان وكان الإقبال كبير جدا من الجالية العربية الموجودة هناك. إضافة إلى سهرات في كل من شيكاكو وبوسطن ونيويورك. أما بالنسبة لمشاريعي المستقبلية فسوف أقوم بجولة في شهر سبتمبر المقبل بلندن ألمانيا واسبانيا، كما سأصدر ألبوما جديدا في شهر ديسمبر المقبل إذا وفقنا الله.
* من هم المطربون الذين تحبين سماعهم؟
- ما زلت مغرمة كثيرا وبجنون بصوت الراحل عبد الحليم حافظ والسيدة فيروز، كما تطربني كثيرا نعيمة سميح وكاظم الساهر وراغب علامة وصابر الرباعي.
* على ذكر فيروز وصفك المذيع زاهي وهبي بعد استضافته لك في برنامج «خليك بالبيت» الذي عرفك من خلاله الجمهور العربي بأنك اجمل من غنى لفيروز كما وصف النقاد صوت بـ«معدن الذهب والصوت الآتي من الغرب المجسد لامتداد العمالقة»، فما الذي يميز المعلومة عن غيرها من الفنانين الموريتانيين والعرب؟
ـ أتمنى أن أكون كذلك كما أحب أن أوجه عبر «إيلاف» كلمة إلى الشاعر والمثقف والكاتب زاهي وهبي وأعبر له عن دعمنا وتضامننا معه في ظل ما يتعرض له من ضغوط ومصاعب.
وبخصوص السؤال فقد بذلت مجهودا كبيرا لأكثر من عشر سنوات أبحث في خزائن التراث العربي والإسلامي والإفريقي عن شيء يمكن أن يميزنا عن غيرنا، خصوصا حين ندمج هذا الثراء والتنوع الثقافي والفني. وبالفعل مزجت بين المقامات العربية والإفريقية في ألحاني، واخترت من الكلمات المنظومة باللهجة «الحسانية» المحلية الأقرب إلى الفهم، وعمدت لاستعمال الآلات والمزج فيما بينها، وهو مجهود يتطلب خبرة وتمكناً ربما أتميز بهما عن غيري. كما حاولت جاهدة تقريب الأغنية الموريتانية من الجمهور العربي، الذي عبر لي في أكثر من مناسبة عن امتنان واعجاب أكاد ألمسه في حلي وترحالي وفي زياراتي للبلدان العربية والأجنبية.
* كيف تصفين الحالة الغنائية بموريتانيا حاليا مقارنة مع عصور سابقا ظل فيها دور الفنان مقتصرا على التغني ببطولات قبائل العرب المحاربة والتأريخ للأحداث الكبرى والتفاخر بالأنساب واستجداء للمال؟
- صحيح أن دور «ايكاون» ( يطلق مع طبقة الفنانين بموريتانيا) اقتصر في الماضي على التغني ببطولات وأمجاد القبائل بغرض إثارة الحماسة وتخليد الانتصارات، فكان «ايكاون» الضمير الناطق والمسجل لحياة القبائل العربية. كما كان لهم دور تاريخي كبير في المحافظة على التراث وحفظه، إضافة إلى دورهم التطريبي والفني. أما فنانو اليوم فلم يبتعد دورهم عن ما كانوا يقومون به وان اختلفت الوسائل والطرق، فمع تأسيس الدولة الحديثة انصرف المطربون والشعراء للتغني بالأعياد الوطنية والتعبير عن ضمير الأمة وتطلعاتها، كما انصرفوا لتحديث عطائهم الفني وتطويره لمسايرة العصر ومستلزماته.
التعليقات