ضياء هاشم: كم هو جميل ورائع ان يكون الانسان ملماً بكل الامور التي تخص مجال عمله لأن هذا الالمام سيجعله يطور من امكانياته ويفتح مجال الابداع والابتكار والتجدد مما يجعله متفوقاً على اقرانه ومحط انظار واعجاب الجميع . وهذا ما يميز الفنان العراقي عن غيره والذي طالما ادهش العالم بفنه الفريد واسلوبه الراقي بنقل كل ما يدور في ذهنه وما يمر بع من اختلاجات نفسية وعاطفية يصوغها على شكل رسالة فنية الى الجمهور المتلقي واصبح الفنان العراقي خير سفير لبلده ينقل تاريخها وحضارتها الى العالم كله ولو تجولنا في كل بقاء الارض لوجدنا اسماء واعمال لفنانين عراقيين محفوظة عن ظهر قلب لدى شعوب العالم المحبة للفنون والسلام والرقي . ومن اقرب انواع الفنون الى قلب الانسان واكثرها رواجاً وانتشاراً هو فن الغناء هذا الانتشار سببه غزارة في المعنى وسهولة في الاداء الذي يختلف من شخص لآخر لما تتوفر في المغني او المؤدي من امكانيات ابداعية وخبرة ودراية في هذا العمل . وحين نذكر الغناء العراقي لا بد لنا ان نمر على احد عمالقة الغناء العربي الا وهو محمد القبانجي الذي وضع اسس الاغنية المعاصرة وحول ما يغنى في المقاهي والحانات الى فن ذو اسس ومبادىء ، وابدع في اداء اصعب المقامات الغنائية التي عجز عن ادائها افضل المطربين ولم يكتفي بذلك فقط وانما استطاع اضافة مقامات جديدة لما يمتلكه من قابلية مذهلة على الارتجال . وتلته بعد ذلك عدة اجيال تتلمذوا على يديه ثم انفرد كل واحد منهم باسلوبه الخاص والذي جعل منهم مدارس في الغناء العراقي الاصيل فمن لا يعرف ناظم الغزالي ويوسف عمر ثم جيل رضا علي مروراً بجيل قحطان العطار وفؤاد سالم وحتى جيل كاظم الساهر والعديد من الاسماء الكبيرة التي قدمت الفن الاصيل الذي اسعد الجماهير ودخل الى قلوبهم ووقف مع الناس في افراحهم واحزانهم . ومع بداية افتتاح قناة الشباب سيئة الصيت اواسط تسعينيات القرن الماضي والتي دقت المسمار الاول في نعش الغناء العراقي حين حاربت الكفاءات الراقية والحناجر الدافئة وازالت كل حواجز الرقابة التي كانت تفرض سابقاً واصبح الشرط الاهم في المغني هو ان يكون لديه المال الكافي لإنتاج اغنية ودفع مبلغ معين كلى كل ظهور لها على الشاشة دون الاختبار امام لجان مختصة و العبور عبر الرقابة اللغوية والأدبية ومع ذلك فأن هذه الفترة شهدت ولادة بعض الاسماء الواعدة والتي تمتلك بعض الثقافة التي اهلتها لعبور هذه المرحلة عكس الكثيرين ممن تغربلوا ولم يستطيعوا تكملة المشوار لأنهم ومع كونهم دخلاء على هذا الفن فقدوا مصداقيتهم امام الجمهور الا انهم نجحوا في تأسيس مدرسة للغناء الهابط الذي انتشر فيما بعد خصوصاً ومع انتشار القنوات الغنائية والتي تعمل بلا شروط او رقابة وفسحت المجال لكل من لا يملك عمل مربح يحشر نفسه ضمن قائمة المطربين فبعد انا كنا نستمع لأرقى القصائد واجمل الالحان وبافضل الاصوات الطربية الجميلة امسينا نتراقص على (شبيك شارب شي حبيبي) وهذا مثال بسيط لما يعرض من استعراضات بالاجساد لا بالاصوات ويسموه ظلماً بالغناء . وما يدعو للحزن ان الاسفاف وصل حتى للاغنية الوطنية وبودي ان اذكر احدها التي انتشرت بصورة مذهلة بسبب سلاسة الكلام وعذوبة اللحن بالاضافة الى الاداء المميز وهي اغنية (يا عراق) فبرغم ايجابيتها فيما ذكرت مسبقاً الا ان هناك بعض الجمل وردت فيها لا تنطبق مع واقع الاغنية الوطنية مثلاً حين يقول (سكّان الدنيا نديرة) او (لحم بحبك ذبينة) فالمفرادت لا تتلائم ابداً مع المضمون .

اين الضوابط والاصول اين الرقابة ماذا تفعل اكاديميات الفنون هل تقوم بتخريج العاطلين عن العمل هل اصبح الفن العراقي تحت اقدام الراقصات في ملاهي دمشق ودبي وبيروت لماذا وصلت الاغنية العراقية الى هذا الواقع الاليم ، فلدينا العديد من الشعراء والملحنين والمطربين المميزين لماذا لا يقوم الدعم لتوليفة جيدة من الاغنيات بدل الاستمتاع بالهابط منها فهل تغير الذوق العام ؟ اضع جميع هذه الاسئلة امام انظار المسؤولين في وزارة الثقافة ونقابة الفنانين وادارات القنوات التلفزيونية عسى ان ينتبهوا للخطر الذي يلف الفن العراقي وان يتداركوه قبل ان يصل الهاوية التي اصبح على مشارفها .