عبد الحفيظ العيد من الجزائر: يعكف عدد من الأدباء والإعلاميين الجزائريين على صياغة مقترح قانون يجرّم تكفير الأشخاص، وسيقدم المقترح للبرلمان بعد اكتمال نضوجه ليصبح تشريعاً يحمي الحرية الدينية، وعدم إصدار أحكام في حق الأشخاص والتعدي على حرياتهم الشخصية، حسب ما يقول من يقفون وراء هذه المبادرة.

ويعتقد الداعون لسن هذا القانون أن الجزائر بحاجة إلى قانون يعاقب من تسول له نفسه تكفير الأشخاص، والتعدي على خصوصياتهم، ويعتبرون ذلك بداية لإخراج الدين من تجارة السياسيين.

بداية الفكرة

قال الروائي أمين الزاوي، المدير الأسبق للمكتبة الوطنية الجزائرية، لـ"إيلاف"، إن هذه المبادرة التي تبقى لحد الآن في بدايتها تولدت بعد النقاش الذي دار بين المثقفين، عقب مقلب "الكاميرا الخفية"، الذي تعرض له الروائي رشيد بوجدرة ولقي استهجانًا واسعًا من طرف فئات مختلفة من المجتمع ومن النخبة الجزائرية.

وفي 3 يونيو الجاري، تجمع مثقفون وسياسيون وإعلاميون أمام مقر سلطة ضبط السمعي البصري للاحتجاج على حلقة برنامج الكاميرا الخفية "رانا حكمناك" أي "ألقينا القبض عليك"، التي كانت تبث على قناة النهار الخاصة الجزائرية، وتم وقفها عقب هذا الاعتصام الذي ندد بما تعرض له الروائي رشيد بوجدرة في إحدى الحلقات.

وتمثل المقلب الذي تعرض له بوجدرة، في نزوله ضيفاً على برنامج حواري، ليفاجأ خلال الحوار بدخول ممثلين يلعبان دور شرطيين، ويطلبان منه نطق الشهادة أكثر من مرة حتى يدحض تهمة الإلحاد التي يعرف بها في الوسط الثقافي الجزائري، وخضع بوجدرة لهذا الطلب تحت التخويف والترويع بالسلاح.

وأوضح الزاوي في حديثه مع "إيلاف" أنه من الذين يرون أن الاحتجاج الذي نظموه هو "قوة اقتراح وليس تجمع معارضة"، لذلك تبلورت فكرة "أن لا يتوقف هذا الحراك الثقافي عند قضية رشيد بوجدرة، إنما بمرافقة المجتمع الجزائري باقتراح لإعطاء أفكار جديدة من باب أننا قوة اقتراح وتفكير لما نراه جيدًا للجزائر الجديدة الحديثة المتسامحة".

دون استعجال

وكشف أمين الزاوي، الذي حرص على التأكيد أن الفكرة في بدايتها، وهو لا يتحدث اليوم باسم البقية، أن الاتصالات مع نواب البرلمان لم تتم بعد، بالنظر إلى أن من يقفون وراء المقترح غير مستعجلين لأن "المساعي بالنتائج لا بالعجلة".

وأشار الزاوي إلى أن الاتصال مع البرلمانيين لن يكون إلا بعد تبلور الفكرة جيدًا وصياغتها صياغة قانونية.

وتسمح القوانين الجزائرية بأن يكون التشريع عبر مقترح قانون تقدمه مجموعة من النواب للحكومة التي من حقها تبنيه أو رفضه، وفي حال تبنيه يعود من جديد إلى البرلمان في شكل مشروع قانون يعرض على النواب للمناقشة والمصادقة ليصبح قانوناً ساري التنفيذ في حال حصوله على موافقة الأغلبية البرلمانية وصدوره بعد ذلك في الجريدة الرسمية.

لا دخل للدين

ويطرح هذا المقترح تساؤلات بشأن إمكانية تدخل القانون في ملف التكفير، الذي ظل في المجتمعات المسلمة مسألة تكون بإجماع العلماء، ولا يمكن إسقاطها على الإطلاق وتجريمها، خاصة أنها بنظر من يتخوفون من هذا القانون، قد تفتح المجال لازدراء الأديان وشتم الأنبياء مثلما يحدث في الدول الغربية.

غير أن الدكتور أمين الزاوي أكد لـ"إيلاف" أن القانون سيكون وفق الخصوصية الجزائرية.

وينص الدستور الجزائري على أن الإسلام دين الدولة، وأن حرية المعتقد مكفولة بقوة القانون، وأغلب سكان الجزائر مسلمون، لكن رغم ذلك عاشت البلاد في تسعينيات القرن الماضي فترة عنف بسبب تكفير جماعات متطرفة لكل من يخالفها الرأي. 

وأكد أمين الزاوي أن "التكفير ليس مسألة دينية إنما مسألة متعلقة بحقوق الإنسان والحريات، التي يضمنها الدستور الجزائري".

وقال إن "تجريم التكفير لا يتعلق بمجتمع مسلم، إنما يتعلق باحترام فكرة العيش مع الغير والتفتح على الآخر، والدين يبقى حرية شخصية بين الله والعبد، ويجب أن لا تصبح هذه الحرية ملكاً للبشر يتحكمون بها في غيرهم".

ولفت إلى أن الهدف من المبادرة هو "ترويج ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان واحترام الآخر واحترام المختلف واحترام الخصوصية الجزائرية التي لا نشتغل مطلقًا بعيدًا عنها".

وبحسب أمين الزاوي، فإن "التكفير مرض سياسي يستثمر في الدين، وهو لا ينتمي إلى الدين على الإطلاق".