لا يكف القادة الإيرنيون عن التبجّح بمثالية النمو الاقتصادي الإيراني، وبصمود الشعب الإيراني واستعداده لتحمل جميع الآلام والأحزان والأضرار التي تنتج عن العقوبات الأميركية التي توشك أن تصبح عالمية بعد اضطرار الدول الكبرى، قبل الصغرى، للامتثال لأحكامها، خوفا على مصالحها الضخمة في الأسواق الأميركية التي لا تُعوّض.

فرئيس جمهورية إيران، حسن روحاني، يصرح، في اجتماع لحكومته نقلته وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري، بأن "اقتصاد إيران أفضل من اقتصاد ألمانيا".
وواصل روحاني، مقارناً اقتصاد بلاده بالاقتصاد الألماني، وهو برابع أعظم اقتصاد في العالم، فقال "اليوم، تُظهر الإحصاءات الاقتصادية الألمانية أن اقتصادها انخفض سلبياً بنسبة 5.2%، ولكن اقتصادنا ستكون له ظروف أفضل من هذا الرقم، ونمونا الاقتصادي، بدون النفط، سيكون إيجابياً بنهاية العام".
رغم أن إيران تراجعت 15 مرتبة في مؤشر "الحرية الاقتصادية"، بشهادة معهد فريزر الدولي التي نشرتها وكالة تسنيم الإيرانية، وليس غيرها، يوم الجمعة 2 أكتوبر 2020.

فهذا المعهد الدولي المتخصص بدراسة أوضاع دول العالم من حيث "الحرية الاقتصادية": "درس ظروف الحرية الاقتصادية في حجم الحكومة، والنظام القضائي، وحقوق الملكية، وقوة العملة، وحرية التجارة الدولية، والأنظمة المصرفية، والعمل والتجارة وأفاد بأن "إيران تحتل المرتبة 168 من بين 162 دولة في العالم، بعد أنغولا وليبيا والسودان وفنزويلا".

إن الله حين يغضب على أحد، شخصا كان أو حزبا أو حكومة، يُخرجه من طور الآدمية الاعتيادية، ويصيبه بلوثة جنون العظمة، ويُدخل فيه الغطرسة وغرور القوة لتحلّ عليه اللعنة، مهما طال به الانتظار.
ويبدو أن الطواويس الإيرانية التي لا تتوقف عن نفش ريشها على البلاد والعباد قد أصابتها اللوثة القاتلة التي سقط بها جبابرة، وانتهت بها ممالك، واختفت أمم، عبر التاريخ الطويل.

ومن يتابع تصريحات كبارهم وصغارهم، وهم يفاخرون بأن العراق ولبنان وسوريا واليمن وأفغانستان أصبحت ممتلكات مضافة إلى دولتهم الفارسية العظمى، يدرك هذه الحقيقة دون ريب.

فبطلُ أبطالهم القتيل قاسم سليماني، مثلا، قد تباهى، ذات يوم، بأن دولة مرشده الأعلى أصبحت عظمى تُهاب قوتها وسطوتُها، مُستدلاّ بتسارع الدول الكبرى والصغرى إلى مُصادقتها والتعامل معها.

والحقيقة أن قليلين من الإيرانيين ووكلائهم العراقيين واللبنانيين والسوريين والفلسطينيين واليمنيين، يعترفون بمهارة الأميركيين في لعبة الكلمات المتقاطعة حين يريدون أن يحرقوا أعصاب خصومهم على نار هادئة، ودون ضجيج.

فلم يستخدم رئيس أمريكا سوى عبارة قصيرة مؤلفة من بضع كلمات، قائلا، "إذا أرادت إيران أن تحارب فستكون هذه نهايتها".
ومن لا يوافقنا على اعتبار النظام الإيراني في علبة صفيح مقفلة، وذاهب إلى الجحيم فليسأل رئيس الجمهورية حسن روحاني هذا السؤال:
كيف يكون الحصار إذن حين لا يبقى حول دولته العظمى، اليوم، غير هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي وحسن نصرالله والحوثي، وهم محاصرون بالطوفان الغضب الشعبي والاحتقار والإصرار على كنسهم، وتخليص الشعوب المستضعفة من خناجرهم وكوتمهم الغادرة التي تطعن من الخلف، وتحت جنح الظلام؟.

مثال آخر. إن وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، يوجّه تهديداً مبطناً إلى الولايات المتحدة رغم أنه منشغل، بحماسٍ غير قليل، باستقبال المتطوعين اليابانيين والألمان والعمانيين والعراقيين للتوسط لدى الأمريكان لإقناعهم بتخفيف سياسة الخنق الاقتصادي والسياسي والعسكري التي يستخدمونها، ولقبول التفاوض ولكن بإسقاط بعض شروط وزير الخارجية الأمريكي، بومبيو، رغن أنه يعلم، وأمريكا تعلم، والدنيا كلها تعلم بأن تنازل ترامب عن أيٍ من شروط وزير خارجيته أمر أشبه بالمستحيل، ولا يمكن قبوله، لا منه أو من أي رئيس يأتي بعده، لو خسر الانتخابات القادمة.

والمهم أن مجرد دخول النظام الإيراني إلى خيمة المفاوضات التي لن تختلف كثيرا عن خيمة صفوان العراقية عام 1991، سيطلق صافرة الانطلاق لحلقات مسلسل التنازلات المتلاحقة التي لن تتوقف إلى يوم سقوط النظام، ليريح ويستريح.