في المبنى الرئيسي لمنظمة التربية والعلوم والثقافة - اليونسكو في باريس هناك مسار يمتد لقرابة 100 متر وعرض 40 متر يبدأ بعد اجتياز بوابات الدخول، وينتهي المسار عند القاعة الرئيسية حيث تعقد الاجتماعات السنوية للجمعية العمومية للدول الاعضاء والذي يتجاوز عددهم 190 عضوا.

هذا المسار هو بمثابة "ممشى ثقافي" ترتاده الخطوات المتأنية لوزراء الثقافة والتربية والوفود الرسمية من كافة الدول، وفي هذا الممشى هناك معرض صور دائم يتغير محتواه بصورة شهرية، هنا تحتفل الدول بعرض تراثها العمراني المدرج في لائحة التراث الانساني لمنظمة اليونسكو.

في احدى الزيارات كان الممشى مكتظا بالزوار، وكانت هناك دوائر بشرية محيطة بكل صورة، وعندما تقترب منهم تشعر بشغفهم لمعرفة المزيد عن احد مكونات الارث الثقافي الانساني المعروض امامهم، وفي تلك المرة كانت اليونسكو تحتفي بأحد معالمها وهو ’حي الطريف‘. يتحدث الموقع الرسمي لليونسكو عن ’حي الطريف‘ ليقول: ’شكّل هذا المكان الذي يقع في قلب شبه الجزيرة العربية، شمال غرب الرياض، أول عاصمة لأسرة آل سعود. ويحمل حي الطُّريف الذي أُسس في القرن الخامس عشر آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية. وتنامى في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، الدور السياسي والديني لحي الطريف وأضحى مركزاً لسلطة آل سعود وانتشار الإسلام. ويضم هذا الممتلك آثار الكثير من القصور، فضلاً عن مدينة بُنيت على ضفاف واحة الدرعية‘".

"حي الطريف" جزء من قصة أكبر هي "الدرعية"، ويتضمن مشروع بوابة الدرعية إنشاء خمسة متاحف في عدد من القصور التاريخية بالحي، تحاكي تاريخ الدولة السعودية الأولى، تشمل كلا من: متحف الدرعية، ‌متحف الحياة الاجتماعية، المتحف الحربي، متحف الخيل العربية، ومتحف التجارة والمال، إلى جانب مركز العمارة وطرق البناء التراثية، في الوقت الذي يتم توظيف الأطلال الخارجية لقصر سلوى لعروض الصوت والضوء والوسائط المتعددة، حيث ستستخدم جدران القصر كشاشات لعرض دراما بصرية قصصية تحكي قصة الدولة السعودية الأولى. وجري ترميم جامع الإمام محمد بن سعود في الحي، وإعادة استخدامه كمصلى، ويشمل الحي كذلك على سوق الطريف.

الدرعية مهدُ الدولة السعودية الأولى وملتقى قوافل الحجاج والتجار وحاضنةُ أكبر مشاريع إحياء التراث في المملكة، وتقع على أطراف الرياض وضفاف وادي حنيفة، وتمتاز بطرازها المعماريّ الأثريّ وجدرانها الطينية المقوسة، ليخلّدها التاريخ كأحد أهم محاضنِ الثقافة والتجارة في المملكة. ومن أبرز معالمها ’حي الطريف‘الذي يحوي أهم قلاعها ومبانيها بالإضافة إلى كونه منطقة حكم الدولة السعودية الأولى عندما أعلنتها عام 1727 عاصمةً للبلاد، لتضع حجر الأساس لبزوغ فجر المملكة العربية السعودية.

لو تساءلت ما الرسالة التي يريد السعوديون ايصالها للعالم عن الدرعية، فعليك الذهاب الى صفحة ’هيئة تطوير بوابة الدرعية‘، فهناك ستجد الاجابة على سؤالك. نريد أن يرى العالم تراثنا العظيم، وأن يكون شغوفا بمجتمعنا، وأن يجعل زيارة الدرعية في أعلى قائمة اهتماماته. هناك درعيةٌ واحدة فقط، لا مثيل لها.

شكلت هذه الرؤية مهام هيئة تطوير بوابة الدرعية، وهي تلخص المساهمة في تحويل الدرعية إلى واحدة من أعظم الوجهات العالمية، وإلى مكان لتجمّع العالم بأسره، لتستمر الدرعية مصدر فخرٍ، ومنارة إعتزازٍ لكل السعوديين. تُرجمت الرؤية الى برامج اطلقتها الهيئة، وأحدها برنامج تطوير مهندسي الدرعية الذي يستمر مدة عام بهدف إعداد مهندسين سعوديين يمتلكون خبرات ومهارات عالمية قادرين على لعب دورٍ فعال في مشاريع التطوير والتصاميم المختلفة التابعة لهيئة تطوير بوابة الدرعية.

الهدف هو جعل الدرعية معلمًا وأيقونة للسعودية ورمزا لوحدة السعوديين، يفخرون بها ويسعون لتطويرها إلى معلم جذبٍ عالمي واستثنائي، وخلق أنواعًا من الروابط الدائمة المتفاعلة مع العالم، ووضعت أربع ركائز لتحقيق الهدف وهي الحفاظ والاحتفاء والخدمة والتطوير للدرعية التاريخية.

هذه المعاني السامية تقدمها المملكة العربية السعودية لخدمة البشرية، وها نحن نشهد اليوم نهظة شاملة انطلقت من خارطة طريق مباركة لتحقيق رؤية السعودية 2030، رؤية تتجلى في كلمة ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ال سعود ’إن طموحنا أن نبنيَ وطناً أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم، بالتعليم والتأهيل، بالفرص التي تتاح للجميع، والخدمات المتطورة، لقد سمينا هذه الرؤية بـ ’رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030‘، لكننا لن ننتظر حتى ذلك الحين، بل سنبدأ فوراً في تنفيذ كل ما ألزمنا أنفسنا به، ومعكم وبكم ستكون المملكة العربية السعودية دولة كبرى نفخر بها جميعا إن شاء الله تعالى.