تونس: أصبحت ألمانيا وجهة جديدة لهجرة الشباب التونسي المتحصل على تأهيل جامعي بطريقة قانونية رغم عائق اللغة في وقت تعاني فيه أكبر قوة اقتصادية في أوروبا من نقص حاد باليد العاملة.

وكانت فرنسا ودول الخليج وكندا تمثل حتى الآن الوجهة الأولى لهجرة الكفاءات التونسية.

تمكّن 5474 تونسياً من الحصول على تأشيرة للعمل في ألمانيا خلال الفترة الممتدة من مطلع العام 2022 إلى تشرين الأول/أكتوبر، ما يمثل تقريباً ضعف هذا العدد في العام 2020. وجاء ذلك نتيجة لعدم اعتماد نظام الحصص (الكوتا) في منح التأشيرات فضلاً عن أن المؤهلات العلمية التونسية معترف بها بشكل كبير في هذا البلد.

وتقول نرجس الرحماني مديرة وكالة الهجرة "غيت إن جرماني" لوكالة فرانس برس أن ألمانيا التي تسجل فيها معدلات إنجاب منخفضة للغاية "لديها احتياجات هائلة لليد العاملة، ليس فقط في مجال الصحة أو تكنولوجيا المعلومات، ولكن أيضًا في مجال الفنادق والمطاعم والبناء".

يقدم بعض أصحاب العمل الألمان في القطاعات التي تشهد نقصاً كبيراً، للراغبين في الهجرة إلى هذا البلد تسهيلات وامتيازات كبيرة تصل حد منحهم عقوداً مسبقة للحصول بشكل فوري على تأشيرة وكذلك تمويل تعلمهم اللغة الألمانية لمدة ستة أشهر في تونس.

تعلم اللغة الألمانية

يؤكد يافت بن عزوز وهو مدير معهد لتعليم اللغات في العاصمة تونس أن الطلب على تعلم اللغة الألمانية تزايد بشكل كبير منذ العام 2020، ويقول "في السابق كنت أدرّس شخص أو شخصين على أقصى تقدير، واليوم ارتفع العدد إلى ستة وسبعة أشخاص".

يلقن يافت فضلاً عن اللغة، أساسيات السلوك وحسن التصرف والعيش داخل المجتمع الألماني.

ترى الرحماني أن الذهاب إلى ألمانيا والنجاح في هذه البلاد يعتمد حصراً على "تفهم العقلية هناك. إنهم مجتهدون ويعتمدون كثيرًا على اندفاع الشباب، وعلى الجديّة في العمل".

وفي تقديرها، يندمج التونسيون بسهولة كبيرة "ولديهم قدرة كبيرة على تعلم اللغة والاندماج سريعاً داخل المجتمعات" الأخرى.

وغالبية طلاّب يافت لديهم تأهيل عال في بلد يولي اهتماماً للتدريب الأساسي في حين تصل البطالة في صفوف الخريجين الشباب إلى مستويات مرتفعة تناهز 30%.

رفضت المهندسة نرمين مدسية (25 عاماً) عروض عمل من شركات في فرنسا وفضلت ألمانيا لتكون وجهتها على غرار شقيقتها الممرضة، لأن فرنسا "فيها الكثير من العنصرية" تجاه المسلمين، على حد تعبيرها.

تأمل نرمين الحصول على "الاحترام والتقدير براتب جيّد"، على خلاف الوضع في تونس حيث يبلغ متوسط الراتب الشهري ألف دينار (حوالى 300 يورو) ويصل راتب مهندس الكمبيوتر في أفضل الحالات ضعف هذا المبلغ في بداية مساره المهني.

وعلى غرار الكثير من المهاجرين، تلقى نرمين دعماً كبيراً من العائلة لمغادرة تونس مع "تواصل ارتفاع نفقات العيش وبراتب لا يكفي لإنشاء عائلة والانفاق عليها".

أزمة اقتصادية

تشهد تونس أزمة اقتصادية شديدة مع ضعف في النمو وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الديون الخارجية، زادت تداعيات وباء كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا من حدتها، فضلاً عن أزمة سياسية مع قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد احتكار السلطات في البلاد منذ 25 تموز/يوليو 2021.

نتيجة لذلك أصبحت الهجرة بشكليها القانوني وغير القانوني طموح الشباب التونسي.

فقد هاجر أكثر من 40 ألف مهندس وثلاثة آلاف طبيب خلال سنوات الخمس الفائتة نحو دول الخليج وأوروبا وغيرها من الدول.

في المقابل وصل أكثر من 16 ألف تونسي إيطاليا عبر قوارب في عمليات هجرة غير قانونية منذ مطلع العام 2022 بحثاً عن عمل وحياة أفضل.

الهجرة إلى ألمانيا

حصل الشاب إلياس الجلاصي (28عاماً) على شهادة في علوم التمريض وحدد الهجرة إلى ألمانيا هدفاً له منذ أنهى دراسته في مدينة سوسة الساحلية في شرق البلاد.

يجمع في غرفته في بيته في مدينة قربة (شرق) أغراضه في حقيبة من دون أن ينسى قليلا من زيت الزيتون والتوابل "رائحة تونس" على ما يؤكد، قبل السفر إلى مدينة فيسبادن الألمانية (غرب) حيث تمكن من الحصول على عقد عمل في مستشفى خاص.

يؤكد لوكالة فرانس برس أن فكرة الهجرة إلى ألمانيا "لم تخطر بباله" حين نال شهادة الثانوية العامة وبدأ التفكير في الدراسة الجامعية.

ويتابع "بعد الدراسة لمدة ثلاثة سنوات (علوم التمريض) والتدريب قرّرت نهائيا أنه من الأفضل عدم البقاء في تونس".

تمكّن إلياس والكثير من رفاقه في الجامعة من اقناع المشغل الألماني والحصول على عقد من خلال مقابلات توظيف عن بعد مع توفير سكن لهم لمدة نصف سنة مجاناً في ألمانيا.

كذلك تكفل صاحب العمل سداد كل تكاليف حصص تعلم اللغة الألمانية في تونس وثمن تذاكر السفر.

لدى إلياس قناعة بأن العمل في المستشفيات الألمانية سيكون أفضل بكثير من تونس حيث "تشهد المستشفيات نقصاً في المعدات".

يطمح الشاب إلى اكمال دراسته في ألمانيا إلى جانب العمل براتب جيّد، لكن يرفض "البقاء للأبد" في هذا البلد، بل يريد "العودة إلى تونس في سنّ الخمسين".