د. منى البحر
تناقلت الصحافة بالأمس خبر ترشيح ست سيدات سعوديات لعضوية الغرفة التجارية في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، وقد سبقهن في ذلك أخواتهن في جدة اللاتي استطعن الفوز بكرسيين في انتخابات الغرفة الصناعية التجارية في جدة، وهذه كانت أول مشاركة نسوية في انتخابات تتم في تاريخ المملكة الحديث.
ان المرأة السعودية شأنها شأن المرأة في كل دول الخليج قطعت أشواطاً كبيرة في مجال التحقق العلمي والمعرفي على حد سواء، بل انها حققت ذلك وقطعت أشواطا في مجال التعليم قبل الكثير من أخواتها الخليجيات.
في زيارتنا الأخيرة للمملكة السعودية تسنت لنا الفرصة لمقابلة أعداد كبيرة من النساء السعوديات العاملات في حقل التعليم والحقول العملية الأخرى، وقد أفرحني كثيرا ما لمسته في هؤلاء النسوة من علم ومن معرفة ومن تميز في كافة المجالات العلمية والأدبية. غير أنه وللأسف الشديد لم يتحقق لأخواتنا السعوديات ما تحقق لأخواتهن الخليجيات الأخريات من فرصة للتواجد العام والمشاركة الاجتماعية الحقيقية.
ففي غالبية المجالات مازالت المرأة السعودية مقصاة ومحصورة في زوايا محدده، بل ان هناك مجالات لم تطأها قدمها بعد، رغم أهليتها وإمكانياتها الرائعة. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن إنجاز المرأة السعودية العلمي والمعرفي لم تصاحبه تغيرات معززة تعمل على تغيير مكانتها الاجتماعية. فالتغير الذي حدث تم فقط على مستوى الجوانب المادية ولم تتزامن معه تغيرات على المستوى القيمي والمعنوي.
إن هذا الغياب النسوي السعودي عن مشهد الواقع الاجتماعي وتحولاته لا تلعب فيه الشريعة دورها بقدر ما هو انعكاس للعادات والتقاليد التي تحتل مكان المركز في كل الممارسات الحياتية. تلك العادات والتقاليد المعبرة عن رجولة أنانية تلقي مسؤولية حمايتها من الرذيلة على عاتق النساء حتى لا تتحمل هي مسؤولية تهذيب نفسها وغرائزها.
فهناك ممارسات كثيرة تتم باسم الشرع والدين وهي بعيدة كل البعد عنه، فالكثير من غلاة الفكر يروجون أن بعض الوظائف لا يمكن أن يتم فيها عملية العزل والفصل، وأن السماح للمرأة بدخول مجالات العمل هذه محفوف بمخاوف مختلفة منها ما هو معلن وأخرى غير معلنة مثل: الخوف من الاختلاط، الخوف من الخلوة في بيئة العمل، منافسة المرأة على الوظائف الرجالية، وغيرها من المخاوف. فضلا عن ذلك، أنهم مؤمنون إيماناً شديداً بأن الاختلاط هو بداية الفساد، وأن الشرع قد حرم ومنع ذلك. مستفيدين في ترويج ذلك من ضعف الوعي الديني عند العامة من الشعب.
مما ترتب عليه حصر عمل المرأة فقط في مجال التعليم والصحة، وحرمانها من العمل في الكثير من القطاعات الحيوية الأخرى. ان مثل هذا الطرح بعيد كل البعد عن الشرع، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى امرأة شؤون السوق، وهي الشفاء بنت عبدالله، وهي كما يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان، يُقيل عندها. فضلا عن ذلك لم يفصل الإسلام بين الرجل والمرأة أثناء أداء الفرائض، وخاصة في الحج، فالكعبة واحدة يطوف حولها الرجال والنساء على حد سواء.
إن حصر عمل المرأة السعودية في مجالات محددة مثل التدريس والصحة يوفر الفرص الوظيفية للمتعلمات منهن فقط والمتخصصات في هذه المجالات، ويحرم الأخريات ذوات التخصصات العلمية والفنية الأخرى، أو ذوات التعليم البسيط من فرصة الحصول على الوظيفة التي قد تعيلها، خاصة في حالة عدم وجود المعيل أو عجزه. مما يعرض الكثير منهن للفقر والحاجة أحيانا، والانحراف لسد الحاجة أحيانا أخرى، والتعرض للاضطرابات النفسية المختلفة أحايين ثالثة.
وجميعنا يعلم أن الفقر من أخطر المشكلات الاجتماعية، وأن حوالي ثلثي فقراء العالم هن من النساء، وقد تعوذ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الكفر والفقر. زيادة على ذلك، الإحصائيات المتوفرة تؤكد أن عدد النساء السعوديات في سن العمل يقارب الخمسة ملايين، وتشكل نسبة العاملات منهن 8,5% تقريباً، وهذا يدل على أن نسبة البطالة بين السعوديات كبيرة، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد الوافدين في قطاع العمل حوالي 8,8 ملايين نسمه، وهذا مؤشر خطير وله تداعياته السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على حد سواء.
إن ضعف مشاركة المرأة السعودية في العمل لا يرجع إلى حقيقة المخاوف التي ذكرتها أعلاه، لأنها مخاوف وهمية أكثر من كونها واقعية، ولكنه يعود لأسباب أخرى متعلقة بالبنية الاجتماعية وما تحمله في طياتها من عادات وتقاليد متحيزة وذكورية. فالملاحظ أن الأصل في أنظمة التوظيف ينظر للمرأة على أنها دخيلة على هذه الأنظمة وليست جزءا أساسيا فيه، وأن معظم أنظمة العمل ذكورية بحته وتفتقد لكثير من الأساسيات التي قد تدعم وتسهل عمل المرأة.
فضلا عن ذلك، التمسك بمخاوف الاختلاط والخلوة وتكرار ذكرها يعكس ضمنيا عدم ثقة من قبل أفراد المجتمع في التزام المرأة بمبادئ الشريعة والعادات والتقاليد عند دخولها سوق العمل، كما يعكس نظرتهم الاختزالية للمرأة التي لا تخرجها من حيز موضوعة الجنس. وحري هنا أن ننوه أن هذا الواقع ليس محصورا على المملكة السعودية بل هو عام في الكثير من أنظمة العمل الخليجية والعربية، وأن كان بدرجات متفاوتة. والسؤال هو، ألم يحن الأوان لأن يتم تغيير هذه الأوضاع، وبخاصة وأنها تسيء لكيان المجتمع وإنسانيته وتعرضه للمساءلة والضغط الدولي.
جامعة الامارات














التعليقات