رفض مجلس الشورى السعودي طرح قضية «قيادة المرأة للسيارة» للنقاش في جلسة يوم الأحد الماضي، وأوضح نائب رئيس المجلس أن هذه القضية ينبغي أن تناقش من أعلى هيئة تشريعية في البلاد، في إشارة إلى «هيئة كبار العلماء». جاء هذا النفي بعدما تناقل بعض وسائل الأعلام ومواقع الانترنت عزم المجلس على طرح القضية للنقاش كجزء من نظام المرور الذي يخضع حالياً للتطوير. لم تخترع وسائل الإعلام هذا الخبر، فبعض أعضاء المجلس سرّب اليها عزمه على طرح القضية كجزء من نظام المرور الجديد، ورافق هذا التسريب ما يشبه حملة صحافية مصغرة تمثلت في مقالات ونقاشات في بعض الفضائيات، الأمر الذي أوحى بأنها تعبير عن تحول في موقف الحكومة، ورغبة رسمية للمضي في حسم هذه القضية التي طال الجدل حولها وأعطيت أكبر من حجمها.

بعض المراقبين السعوديين يعتقد بأن تبني بعض أعضاء مجلس الشورى لقضية قيادة المرأة للسيارة جاء بعد استمزاج لرأي بعض المسؤولين في الحكومة وأخذ مباركتهم. وهذا أمر طبيعي يجري حتى في المجالس المنتخبة. لكن المؤكد في رأيي أن رفض المجلس لطرح القضية جاء بإيعاز مباشر وصريح من الحكومة. فهل يمكن الاستنتاج مما حدث أن ثمة حالاً من التردد حيال قيادة النساء للسيارة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة السعودية أصبحت الضحية الأولى لهذه القضية على مدى السنوات الماضية، وتحملت من ورائها نقداً جارحاً من دول غربية ومنظمات و هيئات دولية تعنى بحقوق المرأة، على رغم أن موقفها يحسب لها لا عليها. فهي تتعامل مع هذه القضية باعتبارها قضية رأي عام. وفي شهر نيسان )ابريل( عام 2000 سئل وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز عن قيادة المرأة للسيارة فقال بالحرف الواحد: «اذا تقبل المجتمع هذا الموضوع نتحدث عنه»، وكانت إجابة الأمير في ذلك الوقت نفياً للتهم التي توجه إلى الحكومة في هذا الموضوع، فضلاً عن انها تعبير دقيق عن واقع الحال.

من هنا لا نستبعد ان حماس بعض أعضاء مجلس الشورى لطرح القضية تم بعد استشارة بعض المسؤولين في الحكومة الذين وجدوا أن مناقشة الموضوع ستكون بمثابة معاودة اختبار لرأي الناس، لكنهم تدخلوا لمنع طرحه بعد أن وجدوا الأصوات التي ترفضه لم تتغير، وحتى لا يقال أن الحكومة تريد فرض القرار على المجتمع. فالحكومة السعودية كانت على الدوام تتصرف بحذر حيال حركة المجتمع، وتمتلك حساسية عالية في تقدير اتجاه الناس ورضاهم من القضايا التي تتقاطع مع الدين أو تمس الحياة الاجتماعية في شكل مباشر.

لعل الحكومة أدركت، بعدما حدث، أن الصوت المرتفع ليس بالضرورة تعبير عن غالبية الناس، وبالتالي لا بد لها من إخضاع الموضوع لاستفتاء علمي وقياس دقيق لتوجهات الرأي العام السعودي حالياً ازاء قضية قيادة المرأة للسيارة. وأخيراً فان إثارة القضية على النحو الذي تم اثبت أن مجلس الشورى السعودي يتفاعل بحيوية مع قضايا المجتمع، ويمتلك مبادرات تفوق الصورة المأخوذة عنه.

تبقى الإشارة إلى أمرين، الأول أن الاعتقاد السائد بأن المرأة السعودية لا تقود السيارة مطلقاً وهم كبير، ففي الصحراء يتولى بعض نساء البادية قيادة السيارة وملاحقة قطعان الأغنام وجلب المياه من محطات الوقود القريبة، لكنهن بعيدات عن عيون الإعلام. وفي المدن تدير المرأة السعودية عجلة القيادة من المقعد الخلفي، وتوجه السائق أين يسير، والحوادث التي تقع من وراء هذا التصرف أكثر من أن تحصى. والأمر الثاني أن قضية قيادة المرأة للسيارة ابتليت على الدوام بسوء التوقيت، ففي العام 1990 قام بعض النساء بفرض القضية من خلال تظاهرة لقيادة السيارة في احد شوارع الرياض، فدخلت القضية في إشكالية الاستعانة بالقوات الأجنبية، ولم يتورع بعضهم عن اتهام بعض المسؤولين في الحكومة بالسكوت على ما حدث الامر الذي فرض عليها مزيداً من الحساسية والحذر رغم انها فوجئت بما حدث. وهذه المرة اعتبر بعضهم ان اثارة القضية استجابة لضغوط خارجية، علماً أن هذا الموضوع يناقش منذ الثمانينات في الصحافة السعودية، لكنه بأسف لم يطرح في السابق من زاوية دينية أو اجتماعية، وإنما بصفته شأناً حكومياً تملك الحكومة قبوله أو رفضه بقرار من وزير الداخلية وهذا غير صحيح.