كون قضية الصحراء لم تدرج في جدول أي من القمم المغاربية، فذاك لا يعني أنها غير موجودة، بدليل أن خلافات الجزائر والمغرب، حين أريد لها أن تنفرج على الصعيدين الثنائي والمغاربي، انفجرت حول قضية الصحراء. والأكيد ان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الذي كان ينظر اليه في الرباط على أنه الأكثر قدرة على حلحلة الموقف من منطلق أنه اكثر إلماماً بخلفيات النزاع وتداعياته، يدرك حساسيات المغاربة ازاء مفهوم السيادة والوحدة. ويعرف عنه أنه يكتب خطاباته ورسائله بخط يده تلافياً لأي تضارب في مراكز القرار. فالرجل ذهب الى تندوف يوم اشتد الخلاف مع المغرب حول طرح فكرة التقسيم، ورسالته بهذا الاقتراح المحفوظة لدى الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر، حملت اسمه من دون صفة رئيس الدولة.
لا جدال في أن تقرير المصير سياسياً وقانونياً يعتبر الصيغة الأمثل للتعبير عن إرادة السكان المعنيين بالمبدأ. ولولا هذا الحرص المرتبط بحرية الاختيار وسلامته لما أهدرت الأمم المتحدة جهوداً وسنوات في تحديد هوية المؤهلين للاقتراع قبل أن تستخلص، هي نفسها وليس أي جهة أخرى، استحالة تنظيم الاستفتاء وتطرح خطة الحل السياسي البديل.
بيد أن مهندس الحل الرئيسي جيمس بيكر اقر أنه في قضية الصحراء لا يمكن تجاهل الروابط القانونية والتاريخية لسكان الاقليم بالسلطة المركزية في المغرب، وان كان اختار منحى مغايراً لهذه الحقيقة وللطبعة الأصلية لاقتراحه. ولم تكن استقالته من إدارة الملف مجرد قرار شخصي، وإنما اقترنت بنهاية الخطة. ما يعني أن أي استباق لنتيجة تقرير المصير يشكل جوهر الخلاف في قضية الصحراء. والمنطق هنا يفرض انتظار تلك النتيجة، وفي اقل تقدير دعم جهود الأمم المتحدة، طالما أنها المؤهلة وحدها للتعاطي مع الملف.
ثمة مفارقات لافتة في نزاع الصحراء، أقربها أن دولاً عدة علقت اعترافها بـ»الجمهورية الصحراوية». وسوابق الأمر أنه لا يطاول خلافات أو أزمات، وإنما تجاوز فرضيات خاطئة ترتبت عليها نتائج غير سليمة، والأقرب الى ذلك، أن الاعتراف بكيان لا تتوافر فيه شروط الدولة من أرض وسكان وسيادة يناقض جهود الأمم المتحدة في التسوية. وفي مسار البناء المغاربي تحديداً، لم يخفت صوت دعاة الوحدة لقيام تكتل اقتصادي وشراكات سياسية بين الدول الخمس، ما يعني الإقرار بالجغرافية السياسية للمنطقة، من دون تغيير في الحدود والمسارات.
ومع أن الرئيس الجزائري تسلم الملف بما له وما عليه، فإن وجوده على رأس السلطة في الجزائر تزامن واعتلاء العاهل المغربي الملك محمد السادس عرش بلاده. وساد الاعتقاد بأن الرجلين لم يتحاربا بسلاح الحر ب الباردة، وأن حظوظ التفاهم بينهما أكثر من عثرات الصراع، وفي مقدمها التخلي عن الطريق السهلة في اذكاء الخلافات، غير أن بعض قيود التاريخ يوسع الهوة أحياناً بين الرغبة والقدرة.
وكان الراحل الحسن الثاني حين يواجه أزمة ما يرد بالقول: «زمام الأمور يمكن ان يفلت أحياناً حتى من ايدي العظماء». والأخطر في أي عناد أن تتطاير شظاياه ضد آخرين. والاتحاد المغاربي ليس ملكاً للجزائر والمغرب وحدهما.
جاء تحريك مساعي التئام القمة المغاربية على خلفية التحسن الذي كان طرأ على علاقات البلدين الجارين، وكانت ارهاصاته مؤشراً على معاودة انطلاق القطار المغاربي، طالما أن وجهته معروفة. لكن الآليات التي اعتراها صدأ الخلافات السياسية لم تساعد في زحزحة القطار المتوقف. وما دام الأصل أن الوحدة نقيض التجزئة، وما بين المغرب والجزائر ليس خلافاً وإنما مواجهة.
التعليقات